آيات من القرآن الكريم

فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ۚ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ

«كم ذكر الناس في تأويل هذه الآية فلم أر أطلى ولا أحلى من هذه النكت التي ذكرها ولا يعوزها إلا التنبيه على أن في الكلام محذوفا لا بدّ من تقديره لأنه لا معادلة بين الجنة وبين الخالدين في النار إلا على تقدير مثل ساكن فيه يقوّم وزن الكلام وتتعادل كفتاه ومن هذا النمط قوله تعالى: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله، فإنه لا بدّ من تقدير محذوف مع الأول أو الثاني ليتعادل القسمان وبهذا الذي قدّرته في الآية ينطبق آخر الكلام على أوله فيكون المقصود تنظير بعد التسوية بين المتمسك بالسيئة والراكب للهوى ببعد التسوية بين المنعم في الجنة والمعذب في النار على الصفات المتقابلة المذكورة في الجهتين وهو من وادي تنظير الشيء بنفسه باعتبار حالتين إحداهما أوضح في البيان من الأخرى فإن المتمسّك بالسنّة هو المنعم في الجنة الموصوفة والمتبع للهوى هو المعذب في النار المنعوتة ولكن أنكر التسوية بينهما باعتبار الأعمال أولا وأوضح ذلك بإنكار التسوية بينهما باعتبار الجزاء ثانيا».
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٦ الى ١٩]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)

صفحة رقم 210

الإعراب:
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: ماذا قالَ آنِفاً) كلام مستأنف مسوق لبيان جانب آخر من استهزائهم وتعنتهم فقد كانوا يحضرون مجلس رسول الله ﷺ فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يلقون إليه بالا فإذا خرجوا من المجلس سألوا أهل العلم من الصحابة ماذا قال الساعة على جهة الاستهزاء وقيل في خطبة الجمعة فتكون الآية مدنية. ومنهم خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وجملة يستمع إليك صلة وقد روعي لفظ من، وحتى حرف غاية وجر وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة خرجوا في محل جر بإضافة الظرف إليها ومن عندك متعلقان بخرجوا وجملة قالوا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وللذين متعلقان بقالوا وجملة أوتوا بالبناء للمجهول صلة والواو نائب فاعل والعلم مفعول به ثان، وماذا تقدم أن في إعرابها وجهين فما اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول هنا خاصة في محل رفع خبر ولك أن تجعلها اسم استفهام بكاملها وآنفا حال من الضمير في قال أي مؤتنفا وأعربه الزمخشري وأبو البقاء ظرفا أي ماذا قال الساعة وأنكر أبو حيان ذلك وقال ولا نعلم أحدا من النحاة عدّه في الظروف وقال ابن عطية: «والمفسرون يقولون آنفا معناه الساعة الماضية القريبة منّا وهذا تفسير بالمعنى» وقال في القاموس «وقال آنفا كصاحب وكتف وقرئ بهما أي مذ ساعة أي في أول وقت يقرب منّا» كأنه يميل إلى نصبه على الظرفية. وقال الزّجاج «هو من استأنفت الشيء إذا ابتدأته والمعنى ماذا قال في أول وقت يقرب منّا» وعلى هذا رجحت كفّة القائلين بالظرفية (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) أولئك مبتدأ والذين خبره وجملة طبع الله على قلوبهم صلة وجملة واتبعوا أهواءهم عطف أيضا داخلة في حيز الصلة

صفحة رقم 211

(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) والذين مبتدأ وجملة اهتدوا صلة وجملة زادهم خبر وهدى مفعول به ثان أو تمييز وآتاهم عطف على زادهم وتقواهم مفعول به ثان وتقواهم مصدر مضاف للفاعل (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) الفاء استئنافية وهل حرف استفهام معناه النفي وينظرون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل وإلا أداة حصر والساعة مفعول به وأن تأتيهم المصدر المؤول بدل اشتمال من الساعة أي ليس الأمر إلا أن تأتيهم وبغتة حال (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) الفاء تعليل لإتيان الساعة مفاجأة فالاتصال بينهما اتصال العلة بالمعلول، وقد حرف تحقيق وأشراطها فاعل جمع شرط بفتحتين وهي العلامة قال في المصباح «وجمع الشرط شروط مثل فلس وفلوس والشرط بفتحتين العلامة والجمع أشراط مثل سبب وأسباب ومنه أشراط الساعة أي علاماتها، فأنى الفاء حرف عطف وأنى اسم استفهام في محل نصب على الظرف المكانية وهو متعلق بمحذوف خبر مقدم وذكراهم مبتدأ مؤخر أي أنى لهم التذكّر وجملة إذا وما بعدها اعتراض وجواب إذا محذوف تقديره كيف يتذكرون ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفا أي أنّى لهم الخلاص ويكون ذكراهم فاعلا لجاءتهم (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدّر أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية فإنه وحدي المجدي يوم القيامة وعلى التواضع وهضم النفس باستغفار ذنبك وذنوب من يؤمنون برسالتك وأن وما في حيزها سدّت مسدّ مفعولي اعلم وأن واسمها وجملة لا إله إلا الله خبرها وقد تقدم القول مسهبا في إعراب كلمة الشهادة، واستغفر فعل أمر ولذنبك متعلقان باستغفر وللمؤمنين والمؤمنات عطف على لذنبك (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) الواو استئنافية والله مبتدأ وجملة يعلم خبر ومتقلبكم مفعول به

صفحة رقم 212

ومثواكم عطف على متقلبكم ومعناهما متصرفكم ومأواكم وعبارة الزمخشري «والله يعلم أحوالكم ومتصرفاتكم ومتقلبكم في معايشكم ومتاجركم» ويجوز فيهما أن يكون مصدرين ميميين من تقلب وثوى وأن يكونا اسمي مكان أو زمان.
الفوائد:
جاءت مصادر أحوالا بكثرة في النكرات وفيها شذوذ واحد وهو المصدرية وكان الأصل أن لا تقع أحوالا لأنها غير صاحبها في المعنى ولكنهم لما كانوا يخبرون بالمصادر عن الذوات كثيرا واتساعا نحو زيد عدل فعلوا مثل ذلك لأنها خير من الإخبار كطلع زيد بغتة وجاء ركضا وقتلته صبرا فصبرا وهو أن يحبسه حيّا ثم يرمى حتى يقتل حال من مفعول قتلته وذلك كله على التأويل بالوصف فيؤول بغتة بوصف من باغت لأنها بمعنى مفاجأة أي مباغتا أو من بغت أي باغتا يقال بغتة أي فجأة والبغت الفجأة قال:

ولكنهم كانوا ولم أدر بغتة وأعظم شيء حين يفجؤك البغت
ومع كثرة ذلك قال سيبويه والجمهور لا ينقاس مطلقا سواء كان نوعا من العامل أم لا كما لا ينقاس المصدر الواقع نعتا أو خبرا بجامع الصفة المعنوية وقاسه المبرد فيما كان نوعا من العامل فيه لأنه حينئذ يدل على الهيئة بنفسه فأجاز قياسا جاء زيد سرعة لأن السرعة نوع من المجيء ومنع جاء ضحكا لأن الضحك ليس نوعا من المجيء.
قال ابن هشام في الحواشي: «وإنما قاسه المبرد ولم يقسه سيبويه لأن سيبويه يرى أنه حال على التأويل ووضع المصدر موضع الوصف لا ينقاس كما أن عكسه لا ينقاس والمبرد يرى أنه مفعول مطلق حذف

صفحة رقم 213

عامله لدليل فهو عنده مقيس كما يحذف عامل سائر المفاعيل لدليل فهذا الخلاف مبني على الخلاف في أنه حال أو مفعول مطلق».
وقال اللقاني «التمثيل ببغتة وركضا وصبرا لا يدل على تعيّن ذلك فيها بل يجوز جعلها مفاعيل مطلقة إذ هي نوع من عاملها فهي كرجع القهقرى».
وقاس ابن مالك في التسهيل وابنه في شرح الألفية الحال بعد أما نحو أما علما فعالم والأصل في هذا أن رجلا وصف عنده شخص بعلم أو غيره فقال للواصف أما علما فعالم أي مهما يذكر شخص في حال علم فالمذكور عالم كأنه منكر ما وصف به من غير العلم فصاحب الحال على هذا التقدير نائب الفاعل ويذكر ناصب الحال لما تقرر أن العامل في صاحب الحال هو العامل في الحال ويجوز أن يكون ناصب الحال ما بعد الفاء إذا كان صالحا للعمل فيما قبلها وصاحبها ما فيه من ضمير الحال والحال على هذا مؤكدة والتقدير مهما يكن من شيء فالمذكور في حال علم فلو كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها تعين أن يكون منصوبا بفعل الشرط المقدر بعد أما نحو أما علما فلا علم له وأما علما فإن له علما وأما علما فهو ذو علم لأن المصدر يعمل في متقدم فلو كان المصدر التالي أما معرّفا بأل فهو عند سيبويه مفعول له، وذهب الأخفش إلى أن المعرّف بأل والمنكر كليهما بعد أما مفعول مطلق، وذهب الكوفيون إلى أنهما مفعول به بفعل مقدّر والتقدير مهما تذكر علما فالذي وصفت عالم قال ابن مالك في شرح التسهيل: «وهذا القول عندي أولى بالصواب، وأحقّ ما اعتمد عليه في الجواب» وقاسه ابن مالك وابنه أيضا بعد خبر شبّه به مبتدؤه كزيد زهير شعرا فزهير بالتصغير خبر شبّه به مبتدؤه وهو زيد والتقدير مثل زهير في الشعر وإنما حذف مثل ليزول لفظ التشبيه فيكون الكلام أبلغ وشعرا حال في تقدير الصفة

صفحة رقم 214

أي شاعرا والعامل فيها ما في زهير من معنى الفعل إذ معناه مجيد وصاحب الحال ضمير مستتر في زهير لما تقرر من أن الجامد المؤول بالمشتق يتحمل الضمير ويجوز أن يكون شعرا تمييزا لما انبهم في مثل المحذوقة وهي العاملة فيه قاله الخصاف في الإيضاح واستظهره أبو حيان في الارتشاف وابن هشام في المغني ورجحه اللقاني «والأظهر أنه تمييز محوّل عن الفاعل والأصل زيد مماثل شعره شعر زهير».
وقاساه أيضا بعد الخبر المقرون بأل الدالّة على الكمال نحو:
أنت الرجل علما فعلما حال والعامل فيها ما في الرجل من معنى الفعل إذ معناه الكامل، وفي الخاطريات لابن جنّي «أنت الرجل فهما وأدبا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون في قولك أنت الرجل معنى الفعل أي أنت الكامل فهما وأدبا والثاني أن يكون على معنى تفهم فهما وتأدب أدبا» وقال أبو حيان في الارتشاف «يحتمل عندي أن يكون تمييزا كأنه قال أنت الكامل أدبا أي أدبه فهو محوّل عن الفاعل» فتحصل فيه ثلاثة آراء: حال ومفعول مطلق وتمييز ويتحصل من الخلاف في المصدر المنصوب أقوال:
١- مذهب سيبويه إن المصدر هو الحال.
٢- مذهب المبرد والأخفش أنه مفعول مطلق غير منصوب بالعامل قبله وإنما عامله المحذوف من لفظه وذلك المحذوف هو الحال.
٣- مذهب الكوفيين أنه مفعول مطلق وعامله الفعل المذكور وليس في موضع الحال.
٤- وذهب جماعة إلى أنه مصدر على حذف مضاف وتقدير جاء ركضا جاء ذا ركض.
وعلى القول بالحالية مذاهب:

صفحة رقم 215
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية