
الثمار من فواكه وغيرها. ومع ذلك مغفرة من ربهم لسائر ذنوبهم فهل يستوي من هذه حالهم بحال من هو خالد في النار لا يخرج منها وسقوا ماء حميما حارا شديد الحرارة فلما سقوه وشربوه قطع أمعاءهم١ أي مصارينهم فخرجت من أدبارهم والعياذ بالله من النار وحال أهل النار اللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- التقوى هي السبب المورث للجنة هكذا جعلها الله عز وجل، والتقوى هي بعد الإيمان فعل المأمورات وترك المنهيات من سائر أنواع الشرك والمعاصي.
٢- بيان بعض نعيم الجنة من الشراب والفواكه.
٣- بيان بعض عذاب النار وهو الخلود فيها وشرب الحميم.
٤- تقرير عقيدة البعث والجزاء، وأن لا مماثلة بين أهل السعادة وأهل الشقاء.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (١٩)
شرح الكلمات:
ومنهم من يستمع إليك: أي ومن الكفار المنافقين من يستمع إليك في خطبة الجمعة.
ماذا قال آنفا: أي الساعة أي استهزاء منهم وسخرية يعنون أنه شيء لا يرجع إليه ولا يعتد به لعدم فائدته.

طبع الله على قلوبهم: أي بالكفر فلذا هم لا يعون.
واتبعوا أهواءهم: أي في الكفر والنفاق.
والذين اهتدوا: أي المؤمنون.
زادهم هدى: أي زادهم الله هدى.
وآتاهم تقواهم: أي ألهمهم ما يتقون به عذاب الله تعالى.
فهل ينظرون إلا الساعة: أي ما ينتظر أهل مكة إلا الساعة.
أن تأتيهم بغتة: أي فجأة.
فقد جاء أشراطها: أي علاماتها كبعثة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانشقاق القمر والدخان.
فأنى لهم إذ جاءتهم ذكراهم: أي أنى لهم إذا جاءتهم التذكر الذي ينفعهم إذ قد أغلق باب التوبة.
فاعلم أنه لا إله إلا الله: أي فبناء على ما تقدم لك يا نبينا فاعلم أنه لا يستحق العبودية إلا الله فاعبده وتوكل عليه.
واستغفر لذنبك: أي قل استغفر الله أو اللهم اغفر لي.
وللمؤمنين والمؤمنات: أي واستغفر للمؤمنين والمؤمنات.
والله يعلم متقلبكم: أي متصرفكم في النهار وأنتم تتصرفون في أمور دنياكم.
ومثواكم: أي مكان ثواكم وإقامتكم ونومك بالليل.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿ومنهم من يستمع﴾ إلي هذه الآية (١٦) والآية التي بعدها مدنيتان لا شك لأنهما نزلت في شأن النافقين قال تعالى مخبراً رسوله عن بعض المنافقين ﴿وَمِنْهُمْ﴾ أي ومن بعض المنافقين ﴿مَنْ يَسْتَمِعُ١ إِلَيْكَ﴾ أي إلى حديثك يوم الجمعة وأنت تخطب الناس على المنبر ﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ﴾ أي من المسجد ﴿قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ٢ من أصاحبك كعبد الله بن مسعود ﴿مَاذَا قَالَ آنِفاً﴾ ٣، وقولهم هذا ظاهر عليه الخبث إذا لو كانوا مؤمنين محبين لقالوا
٢ هم نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم عبد الله بن مسعود، وأبوا الدرداء وابن عباس وإن كان يومها صغيراً فإنه لا مانع أن يسأل ويجيب لما هو مؤهل له من طلب العلم والكمال فيه.
(آنفاً) : أي الآن وهو أقرب الأوقات، وسؤالهم هذا سؤال استهزاء، وآنفاً لم يسمع إلا ظرفاً هكذا، وقيل هو مشتق من الأنف لأنه أول ما يظهر من البعير فأطلق على أقرب الوقت، ومنه أمر أنف، ورقة أنف لم ترع بعد قال الشاعر:
ويحرم سر جارتهم عليهم
ويأكل جارهم أنف القصاع

ماذا قال رسول الله آنفا، ولكن قالوا ماذا قال آنفا، وهم يعنون أن ما قاله الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بشيء مفيد يرجع إليه. قال تعالى ﴿أُولَئِكَ﴾ أي البعداء في الشر والنفاق الذين طبع الله على قلوبهم أي بالكفر والنفاق وذلك لكثرة تلوثهم بأوضار الكفر والنفاق حتى ران على قلوبهم ذلك فكان ختما وطابعا على قلوبهم، واتبعوا أهواءهم فهما علتان الأولى الطبع المانع من طلب الهداية والثانية اتباع الهوى وهو يعمي ويصم، فلذا هم لا يهتدون، وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا﴾ إلى الإيمان الصحيح والعمل الصالح زادهم الله هدى حسب سنته في نماء الأشياء وزكاتها وزيادتها، وآتاهم تقواهم١ أي ألهمهم ما يتقون وأعانهم على ذلك فهم يتقون مساخط الله تعالى ومن أعظمها الشرك والمعاصي. وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (١٨) فهل ينظرون أي كفار قريش٢ من زعماء الكفر في مكة إلا الساعة أي ما ينظرون إلا الساعة أي القيامة أن تأتيهم بغتة أي فجأة إن كانوا ما ينظرون بإيمانهم إلا الساعة فالساعة قد جاء أشراطها وأول أشراطها بعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثانيها الدخان، وثالثها انشقاق القمر. وقوله تعالى ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ٣﴾ أي أنى لهم التذكر الذي ينفعهم إذا جاءت الساعة بل شروطها أي بظهور علاماتها الكبرى٤ لا تقبل التوبة من أحد لم يكن مؤمناً لقوله تعالى من سورة الأنعام ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾. على كل حال فالآية تستبطئ إيمان كفار مكة وتنكر عليهم تأخر إيمانهم الذي لا داعي له مع ظهور أدلة العقل والنقل ووضوح الحجج والبراهين الدالة على توحيد الله ووجوب عبادته وحده دون سواه ولذا قال تعالى فاعلم٥ أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين٦ والمؤمنات أي فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي له العبادة وتصلح له إلا الله الذي هو خالق كل شيء ومالكه واستغفر أي اطلب من ربك المغفرة لك وللمؤمنين والمؤمنات، وهذا الكلام وإن وجه للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالمراد منه على الحقيقة أو بالأصالة غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكأنما قالب تعالى يا عباد الله أيها الناس والرسول على
٢ يبدو أنه ما هناك حاجة إلى تخصيص كفار قريش بهذا الخطب وإن كانوا داخلين فيه لأن السورة مدنية.
٣ أي: من أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة.
٤ في صحيح مسلم عن حذيفة والبراء قالا: كنا نتذاكر الساعة إذا أشرف علينا رسول الله صلى عليه وسلم فقال: "بما تتذاكرون؟ قلنا نتذاكر الساعة. قال: إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات،: الدخان ودابة الأرض وخسفاً بالمشرق وخسفاً بالمغرب وخسفاً بجزيرة العرب، والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى وناراً تخرج من عدن".
٥ هذه الآية من أدلة وجوب العلم قبل القول والعمل، وهو ما بوب به البخاري رحمه الله تعالى.
٦ لا ذنب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعصمته، وإنما هو من باب قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنه ليغان على قلبي وإني استغفر الله في اليوم مائة مرة".

رأسكم اعلموا أنه لا إله إلا الله واستغفروا لذنوبكم مؤمنين ومؤمنات والله يعلم متقلبكم أي تصرفكم في النهار في مصالح معاشكم ومعادكم ويعلم مثواكم١ في فرشكم نائمين فهو يعلمكم على ما أنتم عليه في كل ساعة من ليل أو نهار فاخشوه واتقوه حتى تفوزوا برضاه في جنات النعيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- من الجائز أن تكون السورة مكية وبها آية أو أكثر مدنية.
٢- التحذير من اتباع الهوى فإنه يعمي ويصم والعياذ بالله.
٣- بيان أن لقيام الساعة أشراطاً أي٢ علامات تظهر قبلها فتدل على قربها.
٤- وجوب العلم بأنه لا إله إلا الله، وذلك يتم على الطريقة التالية:
الاعتراف بأن الإنسان مخلوق كسائر المخلوقات حوله، وكل مخلوق لابد له من خالق فمن خالق الإنسان والكون إذاً؟ والجواب قطعا: الله. فما دام الله هو الخالق فمن عداه مخلوق مفتقر إلى الله خالقه في حفظ حياته، ومن يؤله ويعبد إذاً الخالق أم المخلوق؟ والجواب: الخالق. إذا تعين أنه لا معبود إلا الله وهو بمعنى لا إله إلا الله ولما كانت العبادة لا تعرف إلا بالوحي وجب الإيمان برسول الله فكان لابد من زيادة محمد رسول الله فنقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (٢٠) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣)
٢ روى مسلم وغيره عن أنس رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بعثة أنا والساعة كهاتين وضم السبابة والوسطى".