آيات من القرآن الكريم

فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ۚ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

١٨ - قوله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ وتفسير هذا قد تقدَّم في آي كثيرة [الحج: ٥٥، الزخرف: ٦٦]، قال أبو إسحاق: موضع أن نصب على البدل من الساعة، المعنى: فهل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة، وهذا من البدل المشتمل على الأول في المعنى (١). ونحو هذا ذكر الفراء (٢) والكسائي (٣) وزاد المبرد بياناً فقال: (أن تأتيهم) بدل من الساعة والتقدير: فهل ينظرون إلا الساعة إتيانها بغتة، فإذا نحيت الساعة صار المعنى: فهل ينظرون إلا إتيان الساعة بغتة، وهذا كقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٧] أي عن قتال في الشهر الحرام ومثله: ﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ﴾ [الفتح: ٢٥] إنما هو لولا أن تطؤوهم.
قوله تعالى: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ قال أبو عبيد: قال الأصمعي: هي علاماتها، قال: ومنه الاشتراط الذي يشترط الناس بعضهم على بعض، إنما هي علامات يجعلونها بينهم قال: ولهذا سميت الشُّرط لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها.
قال أبو عبيد: وقال غيره في بيت (٤) أوس بن حجر:

فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهْوَ مُعْصِمٌ وأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وتَوكَّلا (٥)
هو من هذا أيضًا، يريد أنه جعل نفسه علماً لهذا الأمر.
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١١.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦١.
(٣) لم أقف على قولي الكسائي والمبرد.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (شرط) ١١/ ٣٠٩، "اللسان" (يشترط) ٧/ ٣٣٠.
(٥) انظر: المرجعين السابقين، "الدر المصون" ٦/ ١٥٢.

صفحة رقم 242

وقال أبو سعيد: أشراط الساعة أسبابها التي هي دون معظمها وقيامها، قال: وأشراط كل شيء ابتداء أوله، ومنه يقال للدون من الناس: الشَّرَط لأنهم دون الذين هم أعظمهم وأنشد للكميت:

وجدتُ الناسَ غيرَ ابْنَي نِزارٍ ولم أَذْمُمْهُم شَرَطاً وَدُونَا (١)
قال الليث: والشرطان كوكبان، يقال إنهما قرنا الحمل، وهو أول نجم من نجوم الربيع، ومن ذلك صار أوائل كل أمر يقع أشراطُه (٢)، وأكثر أهل اللغة على القول الأول: أبو عبيدة (٣) والمبرد والزجاج (٤) كلهم قالوا في الأشراط أنها الأعلام، ونحو ذلك قال المفسرون (٥).
وأنشد أبو عبيدة لابن المفرغ (٦):
وَشَريتُ بُرْداً لَيْتَنِي من بعد بُرْدٍ كنتُ هَامَهْ
وتَبِعْثُ عبد بَنِي عِلاَجٍ تِلكَ أَشْرَاطُ القِيامَهْ (٧)
(١) انظر: ديوانه ٢/ ١١١، "تهذيب اللغة" (شرط) ١١/ ٣٠٩، "المحتسب" لابن جني ١/ ٨٩، "اللسان" (شرط) ١١/ ٣٣١.
(٢) من قوله: قال أبو عبيد: قال الأصمعي.. إلخ. انظره بنصه في "تهذيب اللغة" (شرط) ١١/ ٢٠٩ - ٢١٠.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢١٥، وقول المبرد في "إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ١٨٥.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١١.
(٥) انظر: "جامع البيان" للطبري ١٣/ ٥٢، "تفسير الثعلبي" ١٠/ ١٢٧ أ "تفسير البغوي" ٧/ ٢٨٤.
(٦) هو: يزيد بن زياد بن ربيعة الملقب بمفرغ الحميري أبو عثمان شاعر غزل هو الذي وضع سيرة تبع وأشعاره وكان هجاء مقذعا وله مديح ونظمه سائر كانت وفاته حوالي ٦٩ هـ. انظر: "خزانة البغدادي" ٢/ ١١٢، "الوفيات" ٢/ ٢٨٩، "الأعلام" ٨/ ١٨٣.
(٧) انظر: "مجاز القرآن" الأبي عبيدة ١/ ٤٨، ٣٠٤، وقد أورد البيت الأول فقط، =

صفحة رقم 243

وواحد الأشراط: شَرط بفتح العين، قال ابن عباس: أشراطها: معالمها (١)، يريد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أشراطها، وقد قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين" (٢) "كفرسي رهان" (٣).
وقال الحسن: محمد من أشراطها (٤)، وقال مقاتل: يعني أعلامها من انشقاق القمر والدخان، وخروج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد عاينوا هذا كله (٥).
قوله تعالى ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ قال أبو إسحاق: المعنى: فمن أين لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة، (ذكراهم) في موضع رفع بقوله: (فأنى) (٦) قال ابن عباس: من أين لهم بالتوبة إذا جاءتهم الساعة (٧).
وقال مقاتل: في الآية تقديم، تقول: من أين لهم التذكرة والتوبة عند

= وأورده أيضًا صاحب "اللسان" في مادة (شرى) ١٤/ ٤٢٨.
(١) ذكر ذلك الماوردي في تفسيره لكن بلفظ: (أوائلها) وعلق عليها المحقق، فقال: هكذا في الأصول ولعلها: أدلتها أي: أماراتها ٥/ ٢٩٩.
(٢) أخرج ذلك البخاري عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-. انظر: "صحيح البخاري" كتاب التفسير ٦/ ٧٩ تفسير سورة النازعات، وأخرجه مسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- انظر: "صحيح مسلم"، كتاب الفتن، وأشراط الساعة، باب ٢٧ قرب الساعة ٣/ ٢٢٦٨ رقم ٢٩٥١. وأخرجه البغوي في شرح السنة ١٥/ ٩٨، ورقم ٤٢٩٤.
(٣) أخرج ذلك الإمام أحمد في "المسند" عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-، انظر: "المسند" ٥/ ٣٣١.
(٤) انظر: "تفسير الحسن" ٢/ ٢٨٩، و"تفسير ابن كثير" ٦/ ٣١٧، و"الدر المنثور" ٧/ ٤٦٧.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٨.
(٦) انظر: "معاني القرآن للزجاج" ٥/ ١١.
(٧) ذكر نحوه الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٧ أمن غير نسبة، وكذلك ابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٤٠٤، ونسبه لقتادة، ونسبه في "الوسيط" ٤/ ١٢٤ لعطاء.

صفحة رقم 244
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية