
السابق. وكل ما هناك أن الكلام يكون قد نقل من قبيل الاستطراد إلى ذكر مواقف المنافقين.
وننبه على أن المفسرين لم يرووا مناسبة ما لهاتين الآيتين أيضا كما هو الأمر بالنسبة للآيات السابقة. حيث يصحّ أن يقال إن السياق جميعه من أول السورة عرض عام لمواقف المؤمنين والكفار والمنافقين وما يجب على المؤمنين أن يفعلوه مع الكفار الصادين عن سبيل الله. والله أعلم.
[سورة محمد (٤٧) : آية ١٨]
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨)
. (١) أشراطها: علاماتها. والكلمة جمع شرط بمعنى العلامة والأمارة.
في الآية: سؤال استنكاري عما إذا كان الذين هم موضوع الكلام السابق أي الكافرين أو الكافرين والمنافقين. ينتظرون قيام الساعة حتى يخافوا ويؤمنوا مع أنها لا تأتي إلّا بغتة وقد جاءت أشراطها. وحينما تأتي لا ينفعهم التذكر والارعواء.
تعليق على الآية فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها... إلخ
والآية متصلة بالسياق كما هو المتبادر. وقد أورد المفسرون قولا لابن عباس «١» جاء فيه إن بعثة النبي ﷺ من أشراط الساعة ومعالمها. وحديثا رواه الشيخان والترمذي أيضا جاء فيه إن رسول الله ﷺ قال: بعثت أنا والساعة هكذا،
انظر إذا شئت التاج ج ٥ ص ٢٧٣ وما بعدها.

ويشير بأصبعيه فيمدّهما، وفي رواية أنه ضمّ السبابة والوسطى، بقصد بيان تقارب بعثته وقيام الساعة «١».
ولقد أوردوا بالإضافة إلى ذلك أحاديث أخرى عن أشراط الساعة منها حديث عن أنس رواه قرب وفاته قال «ألا أحدّثكم حديثا عن النبي ﷺ لا يحدثكم به أحد غيري سمعت رسول الله يقول: لا تقوم الساعة أو قال من أشراط الساعة:
أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويفشو الزنا ويذهب الرجال ويبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيّم واحد» «٢» وثان عن أبي هريرة جاء فيه «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ من أشراط الساعة أن يتقارب الزمان وينقص العلم وتظهر الفتن ويبقى الشحّ ويكثر الهرج قالوا: وما الهرج؟ قال القتل» «٣» وثالث عن أبي هريرة جاء فيه «أن أعرابيا جاء إلى النبي فقال له متى الساعة وكان يتكلّم فمضى حتى أتمّ كلامه ثم سأل عن السائل، فقال: ها أنا ذا يا رسول الله، فقال إذا ضيّعت الأمانة فانتظر الساعة. قال وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» «٤» ولما كان ما جاء في هذه الأحاديث لم يكن قد تحقق حين نزول الآية، فالأولى أن يكون هدفها على ضوء قول ابن عباس والحديث النبوي الأول ما هو متحقق من الأشراط حين نزولها، وهو بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى كل حال فإن الآية بسبيل التنديد بالمنافقين والكافرين لارتكاسهم في الضلال والغواية وعدم استجابتهم إلى دعوة الله قبل فوات الفرصة لأنها إذا فاتتهم ندموا حيث لا ينفع الندم. وبعبارة أخرى بسبيل الحثّ على الارعواء والاستجابة بدون إبطاء وإضاعة وقت. وهذا المعنى قد تكرر في آيات كثيرة مرت أمثلة عديدة منها لنفس الغاية والهدف.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) المصدر نفسه.