آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ

الرفع على العطف على الكتاب مجازه وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ وبشرى، والنصب على معنى لتنذر الّذين ظلموا أو تبشّر. فلمّا جعل مكان وتبشر وَبُشْرى أو وبشارة نصب كما يقال:
أتيتك لأزورك وكرامة لك، وقضاء حقّك يعني لأزورك وأكرمك وأقضي حقّك، فنصبت الكرامة والقضاء بفعل مضمر.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١٣ الى ٢٥]
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦) وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧)
أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠) وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢)
قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥)
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً قرأ العامّة: «حُسْناً» بدون ألف، وقرأ أهل الكوفة: (إِحْساناً) وهي قراءة ابن عبّاس «١».
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً بكره ومشقّة. وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ وفطامه، وقرأ الحسن

(١) قيل: في مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام «حُسْناً» وحجّتهم قوله تعالى في العنكبوت: ٨ (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً)، وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء: «حَسَناً» بفتح الحاء والسين، وأما حجّة العامة فقوله تعالى في سورة الأنعام (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وهي في مصاحف أهل الكوفة، (راجع زاد المسير: ٦/ ١٢١، وتفسير القرطبي: ١٦/ ١٩٢) أقول: في مصاحف المسلمين هذا الزمان (إِحْساناً) وحجتنا قوله تعالى (وَلا تَفَرَّقُوا).

صفحة رقم 11

ويعقوب: «وفصله» بغير ألف. ثَلاثُونَ شَهْراً قال المفسّرون: حمله ستّة أشهر ورضاعه أربعة وعشرون شهرا.
وقال ابن إسحاق: حمله تسعة أشهر وفصاله من اللبن لأحد وعشرين شهرا.
حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ نهاية قوّته وقامته وغاية شبابه واستوائه وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة، فذلك قوله تعالى: وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال السدي والضحاك: نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقّاص. وقد مضت القصة، وقال الآخرون: نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرة، وأمّه أمّ الخير بنت صخر بن عمرو بن عامر، فلمّا بلغ أبو بكر أربعين سنة آمن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وقال لربّه: إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
أخبرنا ابن منجويه، حدّثنا عبيد الله بن محمّد بن شنبه، حدّثنا إسحاق بن صدقة، حدّثنا عبد الله بن هاشم، عن سيف بن عمر، عن عطية، عن أبي أيّوب، عن علي رضي الله عنه في قوله:
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً نزلت في أبي بكر، أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لأحد من أصحاب رسول الله [من] المهاجرين [أسلم] أبواه غيره، أوصاه الله بهما ولزم ذلك من بعده.
قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي ألهمني وأوسعني. أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي أن تجعلهم مؤمنين صالحين. قالوا: فأجاب الله تعالى أبا بكر في أولاده فأسلموا، ولم يكن أحد من الصحابة أسلم هو ووالداه وبنوه وبناته إلّا أبو بكر رضي الله عنه.
إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا يعني أعمالهم الصالحة فيثيبهم عليها.
وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فلا يعاقبهم بها. فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ أي مع أصحاب الجنّة، و (فِي) بمعنى مع وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ وهو قوله: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ «١» وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ إذا دعوه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث والجزاء. أُفٍّ لَكُما وهي كلمة كراهية.
أَتَعِدانِنِي قراءة العامة (بنونين) حقيقيتين، وروى أهل الشام (بنون) واحدة مشدّدة أَنْ أُخْرَجَ من قبري حيّا بعد فنائي وبلائي. وَقَدْ خَلَتِ مضت الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي فلم يبعث منهم أحد. وقرأ الحسن والأعمش وأبو معمر أَنْ أَخْرُجَ بفتح وضم (الراء).
وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ يستصرخان الله ويستغيثانه عليه ويقولان له:

(١) سورة التوبة: ٧٢.

صفحة رقم 12

وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا الذي تعدانني وتدعوانني إليه. إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ قال ابن عبّاس وأبو العالية والسدي ومجاهد: نزلت هذه الآية في عبد الله. وقيل: في عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدّيق. قال له أبواه: أسلم وألحّا عليه في دعائه إلى الإيمان. فقال: أحيوا لي عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشايخ قريش حتّى أسألهم عمّا يقولون.
قال محمّد بن زياد: كتب معاوية إلى مروان حتّى يبايع الناس ليزيد، فقال عبد الرّحمن بن أبي بكر: لقد جئتم بها هرقلية، أتبايعون لأبنائكم؟
فقال مروان: هذا الذي يقول الله تعالى فيه: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي...
الآية. فسمعت عائشة رضي الله عنها بذلك فغضبت، وقالت: والله ما هي به، ولو شئت لسمّيته ولكنّ الله لعن أباك وأنت في صلبه فأنت نضض «١» من لعنة الله.
أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ وجب عليهم العذاب. قالوا: يعني الّذين أشار عليهم ابن أبي بكر، وقال أحيوهم إليّ، هم الّذين حقّ عليهم القول، وهم الماضون بقوله: وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي، فإمّا ابن أبي بكر فقد أجاب الله تعالى فيه دعاء أبيه بقوله: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي فأسلم وحسن إسلامه.
وقال الحسن وقتادة: هذه الآية مرسلة عامة، وهي نعت عبد كافر فاجر عاق لوالديه. فِي أُمَمٍ مع أمم. قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ وَلِكُلٍّ واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين.
دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا منازل ومراتب عند الله يوم القيامة بإعمالهم فيجازيهم عليها، وقال ابن زيد: في هذه الآية درج أهل النار تذهب سفالا، ودرج أهل الجنّة تذهب علوّا.
وَلِيُوَفِّيَهُمْ أجورهم (بالياء) مكي وبصري وهشام، والباقون (بالنون).
أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ فيقال لهم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها قرأ أبو جعفر وابن كثير ويعقوب (أذهبتم طيباتكم) بالاستفهام، واختلف فيه عن أهل الشام، وغيرهم بالخبر، وهما صحيحتان فصيحتان لأنّ العرب تستفهم بالتوبيخ وتترك الاستفهام فيه. فتقول: أذهبت ففعلت كذا وكذا؟، وذهبت ففعلت وفعلت؟
فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ
أخبرنا ابن محمّد بن الحسين بن منجويه، حدّثنا عبد الله بن إبراهيم بن علي بن عبد الله، حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم الكرابيسي، حدّثنا حميد بن الربيع، حدّثنا أبو معمر،

(١) كذا في المخطوط.

صفحة رقم 13

حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا محمّد بن حجارة، عن حميد الشامي، عن سليمان، عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: كان رسول الله إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله وأوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة عليها السلام.
فلمّا قدم من غزوة فأتاها فإذا لمح وقيل: لمح على بابها ورأى على الحسن والحسين قلبين من فضّة، فرجع ولم يدخل عليها، فلمّا رأت ذلك فاطمة ظنّت إنّه لم يدخل عليها من أجل ما رأى، فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصّبيين، فقطعتهما، فبكى الصبيّان، فقسمته بينهما نصفين، فانطلقا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهما يبكيان، فأخذه رسول الله منهما، وقال: «يا ثوبان اذهب بهذا إلى بني فلان- أهل بيت بالمدينة- واشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج» قال: «فإنّ هؤلاء أهل بيتي ولا أحبّ أن يأكلوا طيّباتهم في الحياة الدّنيا» [٥] «١».
أنبأني عقيل بن محمّد، قال: أخبرنا المعافى بن زكريا، أخبرنا محمّد بن جرير، حدّثنا كثير، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيد، عن قتادة، قال: حدّثنا صاحب لنا، عن أبي هريرة، قال: إنّما كان طعامنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأسودان: الماء، والتمر، والله ما كنا نرى سمراكم هذه ولا ندري ما هي.
وبه عن قتادة، عن أبي بردة بن عبد الله بن قيس الأشعري، عن أبيه، قال: أي بني لو شهدتنا ونحن مع نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم إذا أصابتنا السماء حسبت إنّ ريحنا ريح الضأن، إنّما كان لباسنا الصوف.
وبه عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كان يقول: لو شئت كنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا، ولكنّي أستبقي طيباتي. وذكر لنا أنّه لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله. قال: هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟! قال خالد ابن الوليد: لهم الجنّة. فاغرورقت عينا عمر، وقال: لئن كان حظّنا في الحطام وذهبوا فيما أرى أنا بالجنّة لقد باينونا بونا بعيدا.
وذكر لنا أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل على أهل الصفة، مكانا يجتمع فيه فقراء المسلمين- وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ما يجدون لها رقاعا.
قال: أنتم اليوم خير أم يوم يغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى، ويغدى عليه بجفنة ويراح عليه بأخرى، ويستر بيته كما يستر الكعبة؟ قالوا: نحن يومئذ خير.
أخبرنا الحسين بن منجويه، حدّثنا محمّد بن أحمد بن نصرويه، حدّثنا أبو العبّاس أحمد ابن موسى الجوهري، حدّثنا علي بن سهل الرملي، حدّثنا الوليد بن مسلم، حدّثني رزق أبو الهذيل، حدّثني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عبّاس، عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه حدّثه أنّه دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين هجر نساءه فوافاه على سرير رميل، يعني مرمولا مشدودا، قد أثّر الحصير في جنبه، متوسّد وسادة من أدم محشوة ليف.

(١) مسند أحمد: ٥/ ٢٧٥ الدر المنثور: ٦/ ٤٣.

صفحة رقم 14

فقال عمر: والتفتّ في البيت فو الله ما رأيت شيئا يردّ البصر إلّا أهب- يعني جلدا معطوبة- قد سطع ريحها، فبكيت، فقلت: يا رسول الله أنت رسول الله وخيرته، فيما أرى وهذا كسرى وقيصر في الديباج والحرير؟! فاستوى رسول الله جالسا، وقال: «أوفي شك أنت يا ابن الخطّاب؟» «أولئك قوم عجلت لهم طيّباتهم في حياتهم الدّنيا» [٦] «١».
أخبرنا ابن منجويه الدينوري، حدّثنا عبيد الله بن محمّد بن عتبة، حدّثنا الفرماني، حدّثنا أبو أمية الواسطي، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا مبارك بن فضالة، حدّثنا حفص بن أبي العاص، قال: كنت أتغدى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتغدينا الخبز والزيت والخل، والخبز واللبن، والخبز والقديد، وأقلّ ذلك اللحم العريض، وكان يقول: «لا تنخلوا الدقيق فإنّه كلّه طعام» [٧].
فيجيء بخبز منقلع غليظ، فجعل يأكل ويقول لنا: كلوا. فجعلنا نعتذر، فقال: ما لكم لا تأكلون؟! فقلت: لا نأكله والله يا أمير المؤمنين، نرجع إلى طعام ألين من طعامك.
قال: بخ يا بن أبي العاص، ألا ترى أنّي عالم بأن آمر بدقيق أن ينخل بخرقة فيخبز في كذا، وكذا؟ أما ترى أنّي عالم إنّ آمر إلى عناق سمينة فيلقى عنها شعرها، ثمّ تخرج صلاء كأنّه كذا وكذا؟ أما ترى أنّي عالم أن أعمل إليّ صاع أو صاعين من زبيب فاجعله في سقاء ثمّ أرش عليه من الماء فيطبخ كأنّه دم غزال؟
قال: قلت: والله يا أمير المؤمنين إني لأراك عالما بطيب العيش، فقال عمر: أجل، والله الذي لا إله إلّا هو لولا إنّي أخاف أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في العيش، ولكنّي سمعت الله يقول لقوم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها «٢».
أخبرنا ابن منجويه، حدّثنا عبد الله بن يوسف، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز، حدّثنا محمّد بن بكار الريان، حدّثنا أبو معشر، عن محمّد بن قيس، عن جابر بن عبد الله. قال:
اشتهى أهلي لحما، فمررت بعمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقال: ما هذا يا جابر؟ فقلت: أشتهى أهلي لحما، فاشتريت لحما بدرهم. فقال: أوكلّما اشتهى أحدكم شيئا جعله في بطنه؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا؟
أخبرنا ابن منجويه، حدّثنا محمّد بن الحسين، حدّثنا بشر، حدّثنا ابن أبي الخصيب، أخبرني أحمد بن محمّد بن أبي موسى، حدّثنا أحمد بن أبي الحواري، حدّثنا أبي، قال: قال وهب بن الورد: خلق ابن آدم والخبز معه، فما زاد على الخبز ينمو شهوة. قال: فحدّثت به أبا سليمان. فقال: صدق، الملح مع الخبز شهوة.
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ يعني هود (عليه السّلام).

(١) مسند أحمد: ١/ ٣٤.
(٢) كنز العمال: ١٢/ ٦٢٤ ح ٣٥٩٢٤.

صفحة رقم 15

إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ قال ابن عبّاس: الأحقاف واد بين عمان ومهرة. مقاتل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له: مهرة إليها تنسب الجمال، فيقال: إبل مهرية ومهاري، وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم، وكانوا من قبيلة إرم.
وقال الضحّاك: الأحقاف جبل بالشام. مجاهد: هي أرض جساق من حسمى. قتادة: ذكر لنا أنّ عادا كانوا حيّا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها: الشحر. ابن زيد:
هي ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلا «١».
الكلبي: الأحقاف ما نضب عنه الماء زمان الغرق، كان ينضب الماء من الأرض ويبقى أثره. الخليل: هي الرمال العظام. الكسائي: هي ما استدار من الرمل، وواحدها حقف وحقاف، مثل دبغ ودباغ، ولبس ولباس. وقيل: الحقاف جمع الحقف، والأحقاف جمع الجمع.
ونظير حقف أحقاف شبر وأشبار. قال الأعشى:

فبات إلى أرطاة حقف تلفّه حريق شمال يترك الوجه أقتما «٢»
وقال: بنا بطن حرّى ذي حقاف عقنقل. ويقال: حقف أحقف أي رمل متناه في الاستدار.
قال العجاج:
بات إلى إرطاة حقف أحقفا
، والفعل منه أحقف. قال الراجز:
سماوة الهلال حتّى احقوقفا
. أي انحنى واستدار.
وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مضت الرسل. مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أي قبل هود. وَمِنْ خَلْفِهِ وهي في قراءة عبد الله ومن بعده. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا لتصرفنا. عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب. إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ بوقت مجيء العذاب.
عِنْدَ اللَّهِ لا عندي وإنّما أنا مبلّغ. وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ فَلَمَّا رَأَوْهُ يعني العذاب. عارِضاً نصب على الحال، وإن شئت بالتكرير أي رأوه عارضا وهو السحاب، سمّي بذلك لأنّه يعرض أي يبدو في عرض السماء.
قال مجاهد: استعرض بهم الوادي. قال الأعشى:
يا من يرى عارضا قد بتّ أرمقه كإنّما البرق في حافاته الشعل «٣»
قال المفسّرون: ساق الله تعالى السحابة السوداء التي اختار قيل بن عنز رأسه وقد عاد بما
(١) راجع تفسير الدر المنثور: ٦/ ٤٣ مورد الآية.
(٢) تفسير الطبري: ٢٦/ ٢٩. [.....]
(٣) جامع البيان للطبري: ٢٦/ ٣٣.

صفحة رقم 16

فيها من النقمة إلى عاد فخرجت عليهم من واد لهم يقال له: المغيث. وكانوا قد حبس عنهم المطر أيّاما، فلمّا رأوها.
[قالُوا: هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا حتى عرفت أنها ريح امرأة منهم يقال لها مهدر فصاحت وصعقت، فلمّا أفاقت قيل لها: ما رأيت؟ قالت: ريحا فيها كشهب النار] «١».
مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ استبشروا بها.
قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا يقول الله تعالى: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ فجعلت تحمل الفسطاط، وتحمل الظعينة، فترفعها حتّى ترى كأنّها جرادة.
أخبرنا ابن منجويه، حدّثنا عبيد الله بن محمّد بن شنبه، حدّثنا عبيد الله بن أحمد بن منصور الكسائي، حدّثنا الحارث بن عبد الله، حدّثنا هشيم، عن جويبر، حدّثنا أبو داود الأعمى، عن ابن عبّاس في قول الله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ الآية، قال:
لمّا دنا العارض قاموا فمدّوا أيديهم، فأوّل ما عرفوا أنّها عذاب رأوا ما كان خارجا من ديارهم، من رحالهم، ومواشيهم تطير بهم الريح بين السماء والأرض، مثل الرشا، قالوا: فدخلوا بيوتهم، وأغلقوا أبوابهم، فجاءت الريح فغلّقت أبوابهم وصرعتهم، وأمر الله تعالى الريح فأهالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمل سَبْعَ لَيالٍ، وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً لهم أنين، ثمّ أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال ثمّ أمرها فاحتملتهم، فرمت بهم في البحر.
فهم الذين يقول الله تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها مرّت به من رجال عاد وأموالها بأذن ربّها.
أخبرنا ابن منجويه، حدّثنا عمر بن الخطّاب، حدّثنا عبد الله بن الفضل، حدّثنا أبو هشام، حدّثنا حفص، عن ابن جريح، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى الريح فزع، وقال: «اللهم إنّي أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرّها وشر ما فيها، وشرّ ما أرسلت به» [٨] «٢».
فإذا رأى مخيلة قام، وقعد، وجاء، وذهب، وتغيّر لونه، فنقول: يا رسول الله، فيقول:
«إنّي أخاف أن يكون مثل قوم عاد، حيث قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا» [٩] «٣».
فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ قرأ الحسن (لا تُرى) بتاء مضمومة إِلَّا مَساكِنُهُمْ برفع (النون). ومثله روى شعيب بن أيّوب، عن يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عيّاش، عن عاصم.
قال أبو حاتم: هذا لا يستقيم في اللغة إلّا إن أوّل فيه إضمار كما تقول في الكلام: لا ترى

(١) تفسير الثعالبي: ٣/ ٤٦ مورد الآية وتفسير ابن كثير: ٢/ ٢٣٥ وتفسير الطبري: ٨/ ٢٨٥.
(٢) صحيح مسلم: ٣/ ٢٦ السنن الكبرى ٣/ ٣٦٠.
(٣) المصدر السابق.

صفحة رقم 17
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية