
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥)
شرح الكلمات:
واذكر أخا عاد: أي نبي الله هودا عليه السلام.
إذ أنذر قومه بالأحقاف: أي خوف قومه عذاب الله بوادي الأحقاف.
وقد خلت النذر: أي مضت الرسل.
من بين يديه ومن خلفه: أي من قبله ومن بعده إلى أممهم.
ألا تعبدوا إلا الله: أي أنذروهم بأن لا يعبدوا إلا الله.
إني أخاف عليكم: أي إن عبدتم غير الله.
عذاب يوم عظيم: أي هائل بسبب شرككم بالله وكفركم برسالتي.
أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا: أي لتصرفنا عن عبادتها.
فأتنا بما تعدنا: أي من العذاب على عبادتها.
إن كنتم من الصادقين: أي في أنه يأتينا قطعا كما تقول.
قل إنما العلم عند الله: أي علم مجيء العذاب ليس لي وإنما هو لله وحده.
وأبلغكم ما أرسلت به إليكم: أي وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلني به ربي إليكم.
ولكني أراكم قوما تجهلون: أي حظوظ أنفسكم وما ينبغي لها من الإسعاد والكمال وإلا كيف تستعجلون العذاب مطالبين به.
فلما رأوه عارضا: أي رأوا العذاب سحابا يعرض في الأفق.
مستقبل أوديتهم: أي متجها نحو أوديتهم التي فيها مزارعهم.
قالوا هذا عارض ممطرنا: أي قالوا مشيرين إلى السحاب هذا عارض ممطرنا.
بل هو ما استعجلتم به: أي ليس هو بالعارض الممطر بل العذاب الذي استعجلتموه.
ريح تدمر كل شيء: أي ريح عاتية تهلك كل شيء تمر به.
بأمر ربها: أي بإذن ربها تعالى.

فأصبحوا لا يرى إلا مساكتهم: أي أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق إلا مساكنهم.
كذلك نجزي القوم المجرمين: أي كذلك الجزاء الذي جازينا به عاداً قوم هود وهو الهلاك الشامل نجزي المجرمين من سائر الأمم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قوم النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال تعالى ﴿وَاذْكُرْ﴾ أي لقومك للعبرة والاتعاظ ﴿أَخَا عَادٍ﴾ وهو هود عليه السلام والأخوة هنا أخوة نسب لا دين. إذ كره ﴿إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ﴾ إذ خوفهم عذاب الله إن لم يتوبوا إلى الله ويوحدوه، والأحقاف وادي القوم١ الذي به مزارعهم ومنازلهم وهو ما بين حضرموت ومهرة وعُمان جنوب الجزيرة العربية. وقوله ﴿وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ٢ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه﴾ أي وقد مضت الرسل من قبله ومن بعده في أممهم. أي لم يكن هود أول نذير، ولا أمته أول أمة أنذرت العذاب وقوله ﴿لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ﴾ أي كل رسول أنذر أمته عاقبة الشرك فأمرهم أن لا يعبدوا إلا الله، وهو بمعنى لا إله إلا الله التي دعا إليها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته فهي أمر بعبادة الله وترك الشرك فيها، وقوله ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ يوم هائل عظيم وهو يوم القيامة، فكان رد القوم ما أخبر تعالى به في قوله ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا٣﴾ أي تصرفنا عن عبادة آلهتنا. ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ أي من العذاب ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ فيما٤ توعدنا به وتهددنا، فأجابهم هود عليه السلام بما أخبر تعالى به عنه بقوله ﴿قَالَ﴾ أي هود ﴿إِنَّمَا ٥الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ﴾ أي علم مجيء العذاب وتحديد وقته هذا ليس لي وإنما هو لله منزله، فمهمتي أن أنذركم العذاب قبل حلوله بكم وأبلغكم ما أرسلت به إليكم من الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك والمعاصي، ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ٦﴾ أي بما يضركم وما ينفعكم في الدنيا والآخرة وإلا كيف تستعجلون العذاب وتطالبون به إذ المفروض أن تطلبوا الرحمة والسعادة لا العذاب والشقاء قوله تعالى٧ ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ أي فلما رأى قوم هود العذاب متجها
٢ جائز أن تكون (النذر) جمع نذارة، وكونها الرسل هو الذي عليه المفسرون.
٣ الاستفهام إنكاري والإفك، بفتح الهمزة الصرف، وبالكسر الكذب أو أسوأه.
٤ جواب الشرط محذوف دل عليه ما تقدمه وهو: (فأتنا بما تعدن) ولفظ الصادقين، أبلغ في الوصف مما لو قالوا، إن كنت صادقاً.
(ال) في (العلم) للاستغراق العرفي أي: علم كل شيء، ومنه علم وقت مجيء العذاب.
٦ أي: تجهلون صفات الله تعالى وحكمة إرسال الرسل، وتجهلون حتى ما ينفعكم وما يضركم وإلا فكيف تطالبون بالعذاب، كما في التفسير.
٧ الفاء هنا: للتفريع فما ذكر بعدها متفرع عما تقدمها من قصة هود مع قومه.

نحو أوديتهم التي بها مزارعهم ومنازلهم ﴿قَالُوا هَذَا عَارِضٌ١ مُمْطِرُنَا﴾ أي هذا سحاب يعرض في السماء ذاهباً صوب وادينا ليسقينا، وهو معنى قوله ﴿قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ أي ممطر أراضينا المصابة بالجفاف الشديد. قال تعالى ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ﴾ أي ليس بالسحاب الممطر بل هو العذاب الذي طالبتم به لجهلكم وخفة أحلامكم، وبينه بقوله ﴿رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي تحمل في ثناياها العذاب الموجع، تدمر كل شيء تمر به فتهلكه ﴿بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ أي بإذنه وقد أتت عليهم عن آخرهم ولم ينج إلا هود والذين آمنوا معه برحمة من الله خاصة، ﴿فَأَصْبَحُوا لا٢ يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ أي لا يرى الرائي إذا نظر إليهم إلا مساكنهم خالية ما بها أحد. قال تعالى ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ٣﴾ أي كهذا الجزاء بالدمار والهلاك نجزي المجرمين أي المفسدين أنفسهم بالشرك والمعاصي.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان سنة الله في الأمم في إرسال الرسل إليهم.
٢- وبيان مهمة الرسل وهي النذارة والبلاغ.
٣- بيان سفه وجهل الأمم التي تطالب بالعذاب وتستعجل به.
٤- بيان أن عاداً أهلكت بالريح الدبور، وأن نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصر بريح الصبا كما في الحديث الصحيح.
٥- بيان سنة الله تعالى في إهلاك المجرمين وهم الذين يصرون على الشرك والمعاصي.
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٢٦) وَلَقَدْ
٢ قرأ الجمهور ومنهم نافع: (لا ترى) بالتاء المفتوحة، وقرأ حفص وغيره (لا يرى) بالياء والبناء للمجهول، والمراد بالمساكن: آثارها وبعض الجدران الشاخصة منها.
٣ في الآية دليل على إفساد الإجرام وأنه سبب كل هلاك، وحقيقته: أنه إفساد الروح بالشرك والمعاصي فعلا وتركاً.