آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ

الشهوات واستعمال الطيبات، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه: أتظنون أنا لا نعرف طيب الطعام، ذلك لباب البر بصغار المعزى، ولكني رأيت الله تعالى نعى على قوم أنهم أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، ذكر هذا في كلامه مع الربيع بن زياد. وقال أيضا نحو هذا لخالد بن الوليد حين دخل الشام فقدم إليه طعام طيب، فقال عمر: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير؟ فقال خالد: لهم الجنة، فبكى عمر وقال: لئن كان حظنا في الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا. وقال جابر بن عبد الله: اشتريت لحما بدرهم فرآني عمر، فقال: أو كلما اشتهى أحدكم شيئا اشتراه فأكله؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية، وتلا: أَذْهَبْتُمْ الآية.
وعَذابَ الْهُونِ: العذاب الذي اقترن به هوان، وهذا هو عذاب العصاة المواقعين ما قد نهوا عنه، وهذا بين في عذاب الدنيا، فعذاب المحدود في معصية كالحرابة ونحوها مقترن بهون، وعذاب المقتول في حرب لا هون معه، فالهون والهوان بمعنى؟!.
ثم أمر تعالى نبيه بذكر هود وقومه عاد على جهة المثال لقريش، وهذه الإخوة هي أخوة القرابة، لأن هودا كان من أشراف القبيلة التي هي عاد.
واختلف الناس في هذه «الأحقاف» أين كانت؟ فقال ابن عباس والضحاك: هي جبل بالشام، وقيل كانت بلاد نخيل، وقيل هي الرمال بين مهرة وعدن. وقال ابن عباس أيضا: بين عمان ومهرة. وقال قتادة:
هي بلاد الشحر المواصلة للبحر اليماني. وقال ابن إسحاق: هي بين حضر موت وعمان، والصحيح من الأقوال: أن بلاد عاد كانت باليمن ولهم كانت إرم ذات العماد. و «الأحقاف» : جمع حقف، وهو الجبل المستطيل والمعوجّ من الرمل. (قال الخليل: هي الرمال الأحقاف) وكثيرا ما تحدث هذه الأحقاف في بلاد الرمل في الصحارى، لأن الريح تصنع ذلك.
وقوله تعالى: وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ اعتراض مؤكد مقيم للحجة أثناء قصة هود، لأن قوله: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ هو من نذارة هود. و: خَلَتِ معناه: مضت إلى الخلاء ومرت أزمانها. وفي مصحف عبد الله: «وقد خلت النذر من قبله وبعده». وروي أن فيه: «وقد خلت النذر من بين يديه ومن بعده». والنُّذُرُ: جمع نذير بناء اسم فاعل. وقولهم: لِتَأْفِكَنا معناه: لتصرفنا. وقولهم:
فَأْتِنا بِما تَعِدُنا تصميم على التكذيب وتعجيز منهم له في زعمهم.
قوله عز وجل:
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٢٣ الى ٢٦]
قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦)

صفحة رقم 101

المعنى قال لهم هود: إن هذا الوعيد ليس من قبلي، وإنما الأمر إلى الله وعلم وقته عنده، وإنما عليّ أن أبلغ فقط.
وقرأ جمهور الناس: «وأبلّغكم» بفتح الباء وشد اللام. قال أبو حاتم: وقرأ أبو عمرو في كل القرآن بسكون الباء وتخفيف اللام.
و: أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ أي مثل هذا من أمر الله تعالى وتجهلون خلق أنفسكم. والضمير في:
رَأَوْهُ يحتمل أن يعود على العذاب، ويحتمل أن يعود على الشيء المرئي الطارئ عليهم، وهو الذي فسره قوله: عارِضاً، والعارض ما يعرض في الجو من السحاب الممطر، ومنه قول الأعشى:

يا من رأى عارضا قد بتّ أرمقه كأنما البرق في حافاته الشعل
وقال أبو عبيدة: العارض الذي في أقطار السماء عشيا ثم يصبح من الغد قد استوى. وروي في معنى قوله: مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ أن هؤلاء القوم كانوا قد قحطوا مدة فطلع هذا العارض على الهيئة والجهة التي يمطرون بها أبدا، جاءهم من قبل واد لهم يسمونه المغيث. قال ابن عباس: ففرحوا به وقالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا، وقد كذب هو فيما أوعد به، فقال لهم هود عليه السلام: ليس الأمر كما رأيتم، بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ في قولكم: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا [الأحقاف: ٢٢] ثم قال: رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ.
وفي قراءة ابن مسعود: «قال هود بل هو» بإظهار المقدر، لأن قراءة الجمهور هي كقوله تعالى يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الرعد: ٢٣] أي يقولون سلام. قال الزجاج وقرأ قوم: «ما استعجلتم» بضم التاء الأولى وكسر الجيم. و: رِيحٌ بدل من المبتدأ في قوله: هُوَ مَا.
و: مُمْطِرُنا هو نعت ل عارِضٌ وهو نكرة إضافته غير محضة، لأن التقدير ممطر لنا في المستقبل، فهو في حكم الانفصال.
وقد مضى في غير هذه السورة قصص الريح التي هبت عليهم، وأنها كانت تحمل الظعينة كجرادة.
و: تُدَمِّرُ معناه: تهلك. والدمار: الهلاك، ومنه قول جرير: [الوافر]
وكان لهم كبكر ثمود لمّا رغا دهرا فدمرهم دمارا
وقوله: كُلَّ شَيْءٍ ظاهره العموم ومعناه الخصوص في كل ما أمرت بتدميره، وروي أن هذه الريح رمتهم أجمعين في البحر.
وقرأ جمهور القراء: «لا ترى» أيها المخاطب. وقرأ عاصم وحمزة: «لا يرى» بالياء على بناء الفعل للمفعول «مساكنهم» رفعا. التقدير: لا يرى شيء منهم، وهذه قراءة ابن مسعود وعمرو بن ميمون والحسن بخلاف عنه، ومجاهد وعيسى وطلحة. وقرأ الحسن بن أبي الحسن والجحدري وقتادة وعمرو بن ميمون والأعمش وابن أبي إسحاق وأبو رجاء ومالك بن دينار بغير خلاف عنهما خاصة ممن ذكر: «لا ترى» بالتاء

صفحة رقم 102
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية