آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ

سفلى، وقد فعل ربك ذلك ليوفيهم جزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا، وهم لا يظلمون شيئا بنقص ثواب وزيادة عقاب.
واذكر يوم يعرض الذين كفروا على النار، ويعذبون بها غدوّا وعشيّا، ويقال لهم تأنيبا وتوبيخا: أنتم أذهبتم طيباتكم وملذاتكم في الحياة الدنيا، واستنفدتم حقكم فيها وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ فاليوم تجزون عذاب الهون والهوان، العذاب الذي جعل للمستكبرين المتغطرسين ليذل تلك الأنوف التي طالما شمخت بغير حق، ويخضع تلك الرءوس التي طالما تعالت في سبيل الشيطان، كل ذلك بسبب ما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق، وانظر إلى قوله: تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ نعم وهل يكون التكبر والتعالي إلا في الأرض وبالمادة الحقيرة! وبسبب ما كنتم تفسقون كان جزاؤكم...
وإذا نظرنا إلى قوله تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها وقد وضعت للنعى على الكفار الذين يعذبون بالنار مع قوله: «واستمتعتم بها» أمكننا أن نفهم أن هناك فرقا بين هذه الآية وبين قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [سورة المائدة آية ٧٨].
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف ٣٢].
إذ الآية التي نحن بصددها تشير إلى أن الكفار تمتعوا بطيباتهم وملذاتهم واتبعوا شهواتهم وأفنوا شبابهم في الإثم والفسوق والعصيان والاعتداء وتجاوز الحدود، أما الآيات الأخرى فهي تبيح للمسلم أن يتمتع بطيبات الرزق مع عدم الاعتداء وتجاوز الحد في أى ناحية سواء كانت اقتصادية أم خلقية أم دينية، أقول هذا لأنى رأيت كثيرا من المفسرين ذكروا قصصا تفيد أن الإسلام يحارب التمتع بالرزق الحلال مستندين إلى ظاهر هذه الآية والله أعلم بكتابه.
قصة نبي الله هود مع قومه عاد [سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٢١ الى ٢٨]
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥)
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨)

صفحة رقم 447

المفردات:
أَخا عادٍ عاد: قبيلة، وأخوهم هود من أشرافهم. بِالْأَحْقافِ: ما استطال من الرمل العظيم واعوج ولم يبلغ أن يكون جبلا، وهي رمال باليمن كانت تسكنها قبائل عاد. خَلَتِ: مضت. لِتَأْفِكَنا: لتصرفنا عن عبادة الآلهة،

صفحة رقم 448

يقال: أفك يأفك أفكا بمعنى صرف وقلب عن الشيء، والإفك: الكذب.
عارِضاً العارض: السحاب الذي يعترض في الأفق. تُدَمِّرُ: تهلك، والتدمير: الهلاك كالدمار. وَصَرَّفْنَا الْآياتِ: بيناها لهم. فَلَوْلا نَصَرَهُمُ:
هلا نصرهم. قُرْباناً القربان: كل ما يتقرب به إلى الله من طاعة. إِفْكُهُمْ أى: كذبهم، وقرئ أفكهم أى: صرفهم.
هذه القصة تذكر أهل مكة بقوم هود، وما حل بهم، وقد كانوا أشد منهم قوة وأكثر جمعا فلما كفروا أرسل الله عليهم جنده فأبادهم، فهل من مدكر؟!!
المعنى:
واذكر يا محمد لأهل مكة هودا أخا عاد إذ أنذر قومه، وقد كانوا يسكنون الأحقاف فقال لهم: لا تعبدوا إلا الله الذي خلقكم ورزقكم لأنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم هوله، وأعلمهم أن الرسل الذين بعثوا قبله، والذين سيبعثون بعده كلهم ينذرون قومهم بهذا الإنذار وهو ألا يعبدوا إلا الله.
فماذا كان قولهم إزاء هذا؟ «١» قالوا: أجئتنا يا هود لتأفكنا عن آلهتنا وتصرفنا عن عبادتها، وقد عبدها آباؤنا ومن هم خير منك؟! وإذا أصررت على دعوتك وما تقوله لنا من إنذار فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين. قال لهم: إنما العلم عند الله، فهو وحده الذي يعلم متى يأتى العذاب، وإنما أنا رسول فقط لا علم لي بشيء، وظيفتي البلاغ، أبلغكم ما أرسلت به إليكم، ولكني أراكم قوما تجهلون الحقائق العامة.
ظلوا على هذا الحال، ودام عنادهم حتى حقت عليهم الكلمة وحل بهم ما استعجلوه وأنكروه، فلما رأوه حالة كونه معترضا بين السماء والأرض يملأ الأفق يتهادى

(١) - هذه إشارة إلى أن (قالوا) وقعت جوابا عن سؤال فهو استئناف بيانى.

صفحة رقم 449

كالسحاب المملوء، ماء، وهو في الواقع عذاب شديد، لما رأوه عارضا يستقبل أوديتهم، قالوا فرحين: هذا عارض ممطرنا، بل- إضراب انتقالي- هو ما استعجلتم به وما هو؟ قيل: ريح فيها عذاب مؤلم للغاية، هذه الريح تدمر كل شيء أتت عليه وتهلكه، تدمره بإذن ربها وأمره، وهو على كل شيء قدير.
جاءتهم الريح وأرسلها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما لا خير فيها- فترى القوم بعدها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية؟ فأصبحوا بعد هذا لا يرى من آثارهم إلا مساكنهم فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا [سورة النمل آية ٥٢] مثل ذلك الجزاء الصارم نجزى القوم المجرمين فاحذروا يا آل مكة ما يحل بكم.
وكانت عاد قد أمدها الله بأنعام وبنين، وجنات وعيون، وكانوا يبنون بكل ريع «١» آية يعبثون، ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون، ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه، وأمدهم ربك بما ترى، وجعل لهم سمعا وأبصارا وقلوبا، ولكنهم لم يستعملوها فيما خلقت من أجله، ولم يغن عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء لأنهم كانوا بآيات الله ومظاهر الكون التي تدل على وجود الله واتصافه بكل كمال، كانوا بها يكفرون، وحاق بهم حينئذ ما كانوا به يستهزئون.
يا آل مكة لقد أهلكنا ما حولكم من القرى- كحجر ثمود وقرى قوم لوط وغيرها- وكانت أخبارهم ظاهرة عندهم، وآثارهم يمرون عليها بالليل وبالنهار أفلا تعقلون؟! لقد أهلكنا ما حولكم من القرى بعد أن صرفنا لهم الآيات وبيناها لعلهم يرجعون، فهل تتذكرون بذلك وتتعظون؟! فهلا نصرهم عند نزول العذاب بهم الذين اتخذوهم من دون الله آلهة.
بل في الشدائد ضلت عنهم الآلهة، وغابت فلم تعرفهم لأنها أصنام لا تحس، وذلك كذبهم الذي كانوا به يتشدقون، وهذا جزاء ما كانوا به يفترون على الله.

(١) - أى: مرتفع من الأرض، وقيل: هو الطريق.

صفحة رقم 450
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية