
كان لا يدري ما يفعل به ولا بهم في الآخرة لكان ذلك حجة لهم لأنهم يقولون له: فعلى ما نتبعك إذا كنت لا تدري على أي حال نصير غداً في القيامة.
وقوله: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ﴾ أي: ما اتبع فيما أمركم به وفيما أفعله إلا وحي الله تعالى إلي وأمره إياي.
﴿وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ أي: أنذركم عقاب الله تعالى على كفركم.
﴿مُّبِينٌ﴾ أي: قد بينت لكم إنذاري لكم ونصحي إياكم.
قال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ﴾ أي: قل يا محمد لهؤلاء القائلين للقرآن لما جاءهم هذا سحر مبين، إن كان هذا القرآن من عند الله أنزله علي وكفرتم به.
﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ على مِثْلِهِ﴾ يعني موسى عليه السلام شهد على مثل القرآن، فالتصديق أنه من عند الله هو التوراة.

فشهد على التوراة أنها من عند الله سبحانه، والقرآن مثلها. قاله مسروق.
وقال الشعبي: زعم قوم أنه عبد الله بن سلام، وإنما أسلم عبد الله بالمدينة، والحواميم مكية، ولكنه موسى عليه السلام، وروى مالك عن أبي هريرة عن عامر بن

سعد بن أبي وقاص أنه قال: " ما سمعت النبي ﷺ يقول لأحد يمشي على الأرض [إنه] من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، قال: وفيه نزلت ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ﴾ ".
وقال ابن عباس: " كان رجلاً من أهل الكتاب آمن بمحمد ﷺ [ قال]: إنّا نجده في التوراة، وكان أفضل رجل فيهم وأعلمهم فخاصم اليهود النبي ﷺ، وتراضوا بحكم عبد الله بن سلام وقالوا: إن شهد لك آمنا بك، فقال له النبي ﷺ: أتشهد أني رسول الله مكتوباً في التوراة والإنجيل؟

فقال: نعم فاعترضت اليهود وأسلم عبد الله، وهو قوله: ﴿فَآمَنَ واستكبرتم﴾ ".
قال مجاهد: هو عبد الله بن سلام، وهو قول قتادة وابن زيد والحسن.
وعن الشعبي أنه قال: هو رجل من أهل الكتاب غير عبد الله بن سلام.
وذهب ابن سيرين إلى أن هذه الآية مدنية جعلت في سورة مكية فيصح أنه عبد الله بن سلام لأن إسلامه (كان بالمدينة).
ثم قال: ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾ أي: جعل جزاؤهم على كفرهم ترك توفيقهم للهدى.

وقيل: في الآية تقديم وتأخير، والتقدير:
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ على مِثْلِهِ فَآمَنَ واستكبرتم﴾.
فقوله: " وَاسْتَكْبَرْتُمْ " معطوف على وكفرتم. وقوله: " على مثله ": معناه عليه، كما قال:
﴿فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ﴾ [البقرة: ١٣٧]: أي: فإن آمنوا / بمثل القرآن وجواب " أرأيتم " محذوف.
دلّ عليه ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾ والتقدير / أضلكم الله بفعلكم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين.
وقيل التقدير فآمن واستكبرتم أليس قد ظلمتم، إن الله لا يهدي [القوم] الظالمين.
و ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ لفظ موضوع للسؤال والاستفتاء، ويكون للتنبيه ولذلك لا يقتضي مفعولاً به.