آيات من القرآن الكريم

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتِ: طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الْأَنْصَارُ على سكنى المهاجرين عثمان بن مظعون رضي الله عنه فاشتكى عثمان رضي الله عنه عِنْدَنَا فَمَرَّضْنَاهُ، حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ أَدْرَجْنَاهُ فِي أثوابه فدخل عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ شَهَادَتِي عليك لقد أكرمك الله عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وما يدريك أن الله تعالى أَكْرَمَهُ» فَقُلْتُ:
لَا أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وأنا رسول الله ﷺ ما يُفْعَلُ بِي».
قَالَتْ: فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ لعثمان رضي الله عنه عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذلك عَمَلُهُ» فَقَدِ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ «مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ الله ﷺ ما يفعل بي» «١» وَهَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَحْفُوظُ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ، وَفِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِمُعَيَّنٍ بِالْجَنَّةِ إِلَّا الَّذِي نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى تَعْيِينِهِمْ كَالْعَشَرَةِ وَابْنِ سَلَامٍ وَالْغُمَيْصَاءِ «٢» وَبِلَالٍ وَسُرَاقَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَالِدِ جَابِرٍ، وَالْقُرَّاءِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وجعفر وابن رواحة وما أشبه هؤلاء رضي الله عنهم، وَقَوْلُهُ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ أَيْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُنَزِّلُهُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الْوَحْيِ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَيْ بَيِّنُ النِّذَارَةِ وَأَمْرِي ظَاهِرٌ لِكُلِّ ذِي لب وعقل، والله أعلم.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١٠ الى ١٤]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤)
يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْكَافِرِينَ بِالْقُرْآنِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ أَيْ مَا ظَنُّكُمْ أَنَّ اللَّهَ صَانِعٌ بِكُمْ إِنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي جئتكم به قد أنزل عَلَيَّ لِأُبَلِّغَكُمُوهُ، وَقَدْ كَفَرْتُمْ بِهِ وَكَذَّبْتُمُوهُ. وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ أَيْ وَقَدْ شَهِدَتْ بِصِدْقِهِ وَصِحَّتِهِ الْكُتُبُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْمُنَزَّلَةُ على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قَبْلِي، بَشَّرَتْ بِهِ وَأَخْبَرَتْ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ هذا القرآن به.

(١) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٣، والتعبير باب ١٣.
(٢) وقيل: هي الرميصاء بنت ملحان بن خالد بن زيد، أم أنس بن مالك. انظر كتاب الثقات لابن حبان ٣/ ١٣٢.

صفحة رقم 255

وقوله عز وجل: فَآمَنَ أَيْ هَذَا الَّذِي شَهِدَ بِصِدْقِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَعْرِفَتِهِ بِحَقِّيَّتِهِ وَاسْتَكْبَرْتُمْ أَنْتُمْ عَنِ اتِّبَاعِهِ، وَقَالَ مَسْرُوقٌ: فَآمَنَ هَذَا الشَّاهِدُ بِنَبِيِّهِ وَكِتَابِهِ وَكَفَرْتُمْ أَنْتُمْ بِنَبِيِّكُمْ وَكِتَابِكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وَهَذَا الشَّاهِدُ اسْمُ جنس يعم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ قَبْلَ إسلام عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهذه كقوله تبارك وتعالى: وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [الْقَصَصِ: ٥٣] وَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا قَالَ مَسْرُوقٌ وَالشَّعْبِيُّ: لَيْسَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ هَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ، وَإِسْلَامُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ. رَوَاهُ عَنْهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إلا لعبد الله بن سلام رضي الله عنه «١».
قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ بِهِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَيُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَهِلَالُ بْنُ يَسَافٍ وَالسُّدِّيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ زَيْدٍ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ أَيْ قَالُوا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا هَؤُلَاءِ إِلَيْهِ، يَعْنُونَ بِلَالًا وعمارا وصهيبا وخبابا رضي الله عنهم، وَأَشْبَاهَهُمْ وَأَقْرَانَهُمْ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، وَمَا ذلك إِلَّا لِأَنَّهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَجَاهَةً وَلَهُ بِهِمْ عِنَايَةً. وَقَدْ غَلِطُوا فِي ذَلِكَ غَلَطًا فَاحِشًا وَأَخْطَئُوا خَطَأً بينا كما قال تبارك وتعالى: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا [الْأَنْعَامِ: ٥٣] أَيْ يَتَعَجَّبُونَ كَيْفَ اهْتَدَى هَؤُلَاءِ دُونَنَا وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَيَقُولُونَ: فِي كُلِّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم هُوَ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَيْرًا لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الخير إلا وقد بادروا إليها.
وقوله تعالى: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ أَيْ بِالْقُرْآنِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ أي كذب قديم أي مأثور عن الناس الْأَقْدَمِينَ فَيَنْتَقِصُونَ الْقُرْآنَ وَأَهْلَهُ، وَهَذَا هُوَ الْكِبْرُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(١) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب مناقب عبد الله بن سلام، ومسلم فضائل الصحابة حديث ١٤٧، ١٤٨، ١٤٩، ١٥٠.

صفحة رقم 256
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية