
شرح الكلمات:
قل أرأيتم: أي أخبروني ماذا تكون حالكم.
إن كان من عند الله: أي إن كان القرآن من عند الله.
وكفرتم به: أي وكذبتم به أي بالقرآن.
وشهد شاهد من بني إسرائيل: أي وشهد عبد الله بن سلام.
على مثله فآمن: أي عليه إنه من عند الله فآمن.
واستكبرتم: أي واستكبرتم أنتم فلم تؤمنوا ألستم ظالمين.
لو كان خيرا ما سبقونا إليه: أي لو كان ما جاء به محمد من القرآن والدين خيرا ما سبقنا إليه المؤمنون.
وإذ لم يهتدوا به: أي بالقرآن العظيم.
فسيقولون هذا إفك قديم: أي هذا القرآن إفك قديم أي هو من كذب الأوليين.
وهذا كتاب مصدق: أي القرآن مصدق للكتب التي سبقته.
لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا: أي حال كونه بلسان عربي لينذر به الظالمين المشركين.
وبشرى للمحسنين: وهو أي القرآن بشرى لأهل الإحسان في عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم.
ثم استقاموا: أي فلم يرتدوا واستمروا على فعل الواجبات وترك المحرمات.
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون: أي في الدنيا وفي البرزخ وفي عرصات القيامة.
بما كانوا يعملون: أي جزاهم الله بما جزاهم به ينفي الخوف والحزن عليهم بأعمالهم الصالحة وتركهمالأعمال الفاسدة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قريش الذين ردوا الدعوة وقالوا في كتابها سحر مبين وفي صاحبها مفتر فقال تعالى لرسوله قل يا محمد لأولئك المشركين الذين قالوا في القرآن سحر مبين ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ ١ أي أخبروني ماذا تكون حالكم إن كان القرآن من عند الله. وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام على٢ مثله أي على التوراة أنها نزلت من
٢ المثل: المماثل أي: المشابه في فعل أو صفة، وضمير مثله: عائد على القرآن، وجائز أن يكون المراد بالمثل: التوراة، والشاهد هو موسى عليه السلام أو عبد الله بن سلام كما في التفسير، وجائز أن يكون لفظ (مثل) مقحماً زائد نحو: (ليس كمثله شيء) أي: ليس مثله شيء، ويكون المعنى. وشهد شاهد- وهو عبد الله بن سلام- على صدق القرآن وكونه وحي الله أوحاه إلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عند الله وهي مثل القرآن فلا يستنكر أن يكون القرآن نزل من عند الله لا سيما والكتابان التوراة والقرآن يصدق بعضهما بعضاً، بدلالتهما معا ًعلى أصول الدين كالتوحيد والبعث والجزاء بالثواب والعقاب ومكارم الأخلاق والعدل والوفاء بالعهد. ﴿ِفَآمَنَ﴾ هذا الشاهد١ ﴿وَاسْتَكْبَرْتُمْ﴾ أي وكفرتم أنتم مستكبرين عن الإيمان بالحق ألم تكونوا شر الناس وأظلمهم وتحرمون الهداية إن الله لا يهدي القوم٢ الظالمين أي الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فحرموها الهداية الإلهية وقوله تعالى في الآية (١١) ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ هذا القول جائز أن يقوله يهود المدينة للمؤمنين بها، وجائز أن يقوله المشركون في مكة وفي غيرها من العرب إذ المقصود هو الاعتذار عن عدم قبول الإسلام بحجة انه لا فائدة منه تعود عليهم في دنياهم ولا خير يرجونه منه إن دخلوا فيه إذ لو كان فيه ما يرجون من الفوائد المادية لاعتنقوه ودخلوا فيه ولم يسبقهم إليه الفقراء والمساكين. وهو معنى ما أخبر تعالى به عنهم في قول ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ٣ آمَنُوا﴾ أي في شأن الذين قالوا لو كان الإسلام خيراً ما٤ سبقونا إليه فآمنوا وكفرنا. وقوله تعالى ﴿وإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ أي وإن ظهر عنادهم وعظم عتوهم واستكبارهم فعموا فلم يهتدوا بالقرآن٥ فسيقولون ﴿هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ وقد قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ومعنى إفك قديم كذب أفكه غير محمد وعثر عليه فهو يقول به ما أفسد هذا القول وما أقبحه وأقبح قائله.
وقوله تعالى ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً﴾ أي ومن قبل القرآن الذي أنكر المشركون نزوله كتاب موسى التوراة وقد أنزلناه عليه إماما يؤتم به فيقود المؤتمين به العاملين بهدايته إلى السعادة والكمال وأنزلنا اليوم القرآن هدى ورحمة وبشرى للمحسنين. وهو ما دل عليه قوله هذا كتاب مصدق لما قبله من الكتب لسانا٦ عربيا أي أنزلناه لسانا عربيا لينذر به رسولنا المنزل عليه.
٢ الجملة تعليلية لما هو محذوف في الكلام وهو: ضللتم ضلالا لا يرجى لكم هداية بعده، لأن الله لا يهدي القوم الظالمين.
٣ اللام تعليلية أي: قالوا ما قالوه لأجل الذين آمنوا حتى يردوا دعوتهم ولا يقبلوا الإسلام.
٤ ضمير (سبقونا) عائد إلى غير مذكور وأرادوا به المستضعفين مثل بلال وعمار ووالده وشمية وزنيرة على وزن شريرة، وسكيرة: أمة رومية كانت من السابقين إلى الإسلام.
٥ المضارع هنا مراد به سيديمون قولهم هذا كلما أرادوا رد القرآن: قالوا هذا إفك قديم.
٦ كلمة (لساناً) فيها إيماء إلى أنه عربي اللغة لا الأخلاق والعادات العربية والأحكام القبلية لأنها فسدت بالشرك وانقطاع الوحي وموت العلماء قروناً عديدة.

وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لينذر١ به الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي عذاب الله المترتب على تدسية النفوس بأوضار الشرك والمعاصي وهو بشرى للمحسنين من المؤمنين الذين احسنوا النية والعمل بالفوز العظيم يوم القيامة وهو النجاة من النار ودخول الجنة وقوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا٢﴾ بعد أن ذكر تعالى المبطلين وباطلهم عقب على ذلك بذكر المحسنين وأعمالهم على نهج الترهب والترغيب فأخبر تعالى أن الذين قالوا ربنا الله أي آمنوا وصرحوا بإيمانهم وجاهروا به ثم استقاموا على منهج لا إله إلا الله فعبدوا الله بما شرع وتركوا عبادة غيره حتى ماتوا على ذلك هؤلاء يخبر تعالى عنهم أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة فهم آمنون في الحيوات الثلاث، وبشرهم بالجنة فأخبر أنهم أصحابها الخالدون فيها، وأشار إلى أن ذلك الفوز والبشرى كانا نتيجة أعمالهم في الدنيا من الإيمان والعمل الصالح الذين دل عليها قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- اعتبار الشهادة وانها أداة يتوصل بها إلى احقاق الحق وابطال الباطل فلذا يشترط عدالة صاحبها والعدالة هي إجتناب الكبائر واتقاء الصغائر غالبا.
٢- تقرير قاعدة من جهل شيئا عاداه، إذ المشركون لما لم يهتدوا بالقرآن قالوا هذا إفك قديم.
٣- بيان تآخي وتلاقي الكتابين التوراة والقرآن فشهادة أحدهما للآخر أثبتت صحته.
٤- وجوب تعلم العربية لمن أراد أن يحمل رسالة الدعوة المحمدية فينذر ويبشر.
٥- فضل الإستقامة٣ حتى قيل أنها خير من ألف كرامة، والإستقامة هي التمسك بالإيمان والعبادة كما جاء بذلك القرآن وبينت السنة.
{وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ
٢ ثم للتراخي الرتبي، إذ الإيمان يحصل بالنظر والتأمل دفعة واحدة وأما الإستقامة فتحتاج إلى مراقبة النفس وذكر الوعد والوعيد في كل طاعة من فعل أو ترك..
٣ روى مسلم والترمذي وغيرهما عن عبد الله الثقفي قال: "قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحداً بعدك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" قل آمنت بالله ثم استقم".