آيات من القرآن الكريم

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ

الدهرية وإنكار البعث وأهوال القيامة
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٢٤ الى ٢٩]
وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)
هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)
الإعراب:
بَيِّناتٍ حال.
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَوْمَ الأول: منصوب ب يَخْسَرُ ويَوْمَئِذٍ:
للتأكيد.
كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا كُلَّ بالرفع: مبتدأ، وخبره: تُدْعى إِلى كِتابِهَا ويقرأ بالنصب على أنه بدل من كُلَّ الأولى، وتُدْعى في موضع نصب على الحال، إن جعلت تَرى من رؤية العين، أو في موضع المفعول الثاني إذا جعلته من رؤية القلب.
هذا كِتابُنا يَنْطِقُ مبتدأ وخبر، ويَنْطِقُ حال من (الكتاب) أو من (ذا) ويجوز جعله خبرا ثانيا ل (ذا). ويجوز جعل كِتابُنا بدلا من هذا ويَنْطِقُ: خبر المبتدأ.

صفحة رقم 280

البلاغة:
نَمُوتُ وَنَحْيا بينهما طباق.
هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ يَنْطِقُ: استعارة تصريحية، أي يشهد عليكم بالحق، وهذا أبلغ من شهادة اللسان، لأن شهادة الكتاب ببيانه أقوى من شهادة الإنسان بلسانه.
المفردات اللغوية:
وَقالُوا: أي المشركون منكر والبعث. ما هِيَ أي الحياة. إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا أي إلا حياتنا التي في الدنيا. نَمُوتُ وَنَحْيا أي يموت بعضنا ويحيا بعضنا بأن يولدوا. وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ أي إلا مرور الزمان، والدهر في الأصل: مدة بقاء العالم، مأخوذ من دهره:
غلبه. وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ ليس لهم بذلك المقول من دليل علمي. إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ أي ما هم إلا يظنون، إذ لا دليل لهم عليه، وإنما قالوه بناء على التقليد.
آياتُنا من القرآن الدالة على قدرتنا على البعث. بَيِّناتٍ واضحات. حُجَّتَهُمْ متشبث. ائْتُوا بِآبائِنا أحياء. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أننا سنبعث، وإنما سماه حجة على حسبانهم. يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ بناء على ما هو معروف من الحجج. ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ أحياء.
لا رَيْبَ فِيهِ لا شك فيه، فإن من قدر على الابتداء في الخلق قادر على الإعادة، لحكمة معروفة هي إقامة العدل التام والجزاء. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لقلة تفكرهم وقصور نظرهم على المحسوسات أمامهم.
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تعميم أو إعمام للقدرة بعد تخصيصها. الْمُبْطِلُونَ الكافرون. كُلَّ أُمَّةٍ أهل دين. جاثِيَةً باركة على الرّكب، أو مجتمعة من الجثوة وهي الجماعة، وقرئ «جاذية» أي جالسة على أطراف الأصابع. إِلى كِتابِهَا صحيفة أعمالها.
الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي يقال لهم ذلك.
هذا كِتابُنا ديوان الحفظة الذي كتبناه عليكم، وأضافه إلى نفسه لأنه أمر الكتبة أن يكتبوا فيها أعمالهم. يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ يشهد عليكم بما عملتم بلا زيادة ولا نقصان.
نَسْتَنْسِخُ نستكتب الملائكة، ونثبت ونحفظ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أعمالكم.
سبب النزول: نزول الآية (٢٤) :
وَقالُوا: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا..: أخرج ابن المنذر عن أبي هريرة رضي

صفحة رقم 281

اللَّه عنه قال: كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، فأنزل اللَّه:
وَقالُوا: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ.
المناسبة:
بعد بيان حجب المشركين عن الوصول إلى الحق والخير، بسبب كفرهم وعنادهم، ذكر اللَّه تعالى بعض مفاسد اعتقاداتهم وهي إنكار البعث، وإنكار الإله القادر، معتمدين على مجرد الظنون والأوهام والتخمينات، والتقليد، مطالبين بإعادة إحياء آبائهم للدلالة على البعث، وتلك شبهة ضعيفة جدا.
فرد اللَّه عليهم بالتنبيه على ما هو الدليل القاطع في الواقع ونفس الأمر، وليس مجرد إثبات الإله بقول الإله، وهو قدرة اللَّه على الإعادة بناء على ثبوت قدرته على الإحياء الأول، ثم عمم تعالى الدليل ببيان قدرته على جميع الممكنات في السموات والأرض. ثم ذكر تعالى بعض أهوال يوم القيامة من الجثو على الركب بسبب المخاوف، والاحتكام إلى صحائف الأعمال المسجلة في الدنيا، والشاهدة على أصحابها.
التفسير والبيان:
وَقالُوا: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا، وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ هذا قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب وأمثالهم في إنكار المعاد أو القيامة، فقال منكر والبعث هؤلاء المشركون: ما الحياة الحاصلة إلا الحياة التي نحن فيها في الدنيا، فليس ثم دار إلا هذه الدار، يموت قوم، ويعيش آخرون، ولا معاد ولا قيامة، وليس وراء ذلك حياة. وهذا تكذيب واضح للبعث، وإنكار صريح للقيامة. وما يميتنا إلا مرور الأيام والليالي، فمرورها هو المفني والمهلك للأنفس، أي بالطبيعة. وهذا إنكار بيّن للإله الفاعل المختار.

صفحة رقم 282

وكان العرب في الجاهلية يعتقدون أن الدهر هو الفاعل، فكانوا إذا أصابهم ضر أو ضيم أو مكروه، نسبوا ذلك إلى الدهر، فقيل لهم: لا تسبوا الدهر، فإن اللَّه هو الدهر، أي إن اللَّه هو الفاعل لهذه الأمور التي تنسبونها إلى الدهر، فيرجع السب إليه سبحانه.
أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يقول اللَّه تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلّب الليل والنهار».
وفي رواية: «لا تسبوا الدهر، فإن اللَّه تعالى هو الدهر»
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: «كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، فقال اللَّه في كتابه: وَقالُوا: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا.. الآية.
وذكر محمد بن إسحاق عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «يقول اللَّه تعالى: استقرضت عبدي، فلم يعطني، وسبني عبدي، يقول:
ووا دهراه، وأنا الدهر»
.
وفي الموطأ عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر، فإن اللَّه هو الدهر».
وفسر الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا تسبوا الدهر فإن اللَّه هو الدهر»
بقولهم: كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: يا خيبة الدهر، فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو اللَّه تعالى، فكأنهم إنما سبوا اللَّه عز وجل، لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار، لأن اللَّه تعالى هو الدهر الذي يعنونه، ويسندون إليه تلك الأفعال «١».
ثم فنّد اللَّه تعالى قولهم مبينا عدم اعتماده على دليل، فقال:

(١) تفسير ابن كثير: ٤/ ١٥١

صفحة رقم 283

وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ أي ما قالوا هذه المقالة، إلا شاكين غير عالمين بالحقيقة، فلا دليل لهم من نقل أو عقل، وما مستندهم إلا الظن والتخمين من غير حجة أصلا.
قال الرازي: وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن القول بغير حجة وبينة قول باطل فاسد، وأن متابعة الظن والحسبان منكر عند اللَّه تعالى «١».
ثم ذكر تعالى شبهتهم ودليلهم على إنكار البعث قائلا:
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا: ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي إذا تليت عليهم بعض آيات القرآن واضحات الدلالة على قدرة اللَّه والبعث، واستدل عليهم، وبيّن لهم الحق، وأن اللَّه تعالى قادر على إعادة الحياة إلى الأنفس بعد فنائها، لم يكن لهم حجة إلا طلب إعادة إحياء آبائهم الذين ماتوا، إن كنتم أيها المؤمنون صادقين في إمكان البعث، وأحيوهم إن كان ما تقولونه حقا، ليشهدوا لنا بصحة البعث.
وهذا كلام ساقط، فإن البعث يكون بعد نهاية الدنيا، ولا يلزم من عدم حصول الشيء في الحال امتناع حصوله في المستقبل يوم القيامة.
ثم ذكر اللَّه تعالى دليل إمكان البعث قائلا:
قُلِ: اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، لا رَيْبَ فِيهِ أي قل أيها النبي لهؤلاء المشركين منكري البعث: إن اللَّه أحياكم في الدنيا، ثم يميتكم عند انقضاء آجالكم، ثم يجمعكم جميعا يوم القيامة جمعا لا شك فيه، فإن الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى، كما قال: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم ٣٠/ ٢٧].

(١) تفسير الرازي: ٢٧/ ٢٧٠ [.....]

صفحة رقم 284

وهذا إشارة إلى الآية المتقدمة: وهو أن كونه تعالى عادلا منزها عن الجور والظلم، يقتضي صحة البعث والقيامة.
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي أكثر الناس وهم مشركو العرب حينذاك ينكرون البعث، من غير تأمل وتدبر وروية، ولا يدركون الحقيقة العلمية، ويقصرون نظرهم على المحسوسات، دون تفكر بالغيبيات، فاستبعدوا قيام الأجساد أحياء، كما قال تعالى: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً، وَنَراهُ قَرِيباً [المعارج ٧٠/ ٦- ٧]. كذلك لا يعلمون دلالة حدوث الإنسان والحيوان والنبات على وجود الإله القادر الحكيم.
ثم ذكر اللَّه تعالى دليلا أعم على قدرته بعد التخصيص، فقال:
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ أي إن اللَّه مالك السموات والأرض، والحاكم فيهما والمتصرف بهما وحده في الدنيا والآخرة، من غير مشاركة أحد من عباده، ولا من الأصنام المعبودة.
وبعد بيان إمكان القول بالحشر والنشر، بدأ تعالى بذكر أحوال القيامة، وأولها وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ.. أي ويوم تقوم القيامة يخسر المكذبون الكافرون المتعلقون بالأباطيل، بدخول جهنم، يظهر خسرانهم في ذلك اليوم، لصيرورتهم إلى النار.
ثم أبان اللَّه تعالى أهوال يوم القيامة قائلا:
١- وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً أي وتنظر أصحاب كل ملة ودين واحد جاثين على الركب من شدة الخوف والرعب، فالناس لشدة الأمر يجثون بين يدي اللَّه عند الحساب.
٢- كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا أي كل أمة تدعى إلى كتابها المنزل على

صفحة رقم 285

رسلهم، أو إلى صحيفة أعمالها، كما قال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتابُ، وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ، وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الزمر ٣٩/ ٦٩].
٣- الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي في يوم القيامة يجزيكم اللَّه بما عملتم في الدنيا من خير وشر، تجازون بها من غير زيادة ولا نقص.
٤- هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي هذه صحيفة الأعمال التي أمرنا الملائكة الحفظة بكتابتها، تشهد عليكم، وتذكر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص، كقوله تعالى: وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ، وَيَقُولُونَ: يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها، وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف ١٨/ ٤٩].
إنا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم وتثبتها وتحفظها عليكم. قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما وغيره: تكتب الملائكة أعمال العباد، ثم تصعد بها إلى السماء، فيقابلون الملائكة الذين هم في ديوان الأعمال على ما بأيدي الكتبة، مما قد أبرز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة في القدم على العباد، قبل أن يخلقهم، فلا يزيد حرفا ولا ينقص حرفا، ثم قرأ: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
١- هذا خبر صريح يتضمن إنكار المشركين والدّهرية للآخرة، وتكذيبهم للبعث، وإبطالهم للجزاء، مأخوذ من قولهم: نَمُوتُ وَنَحْيا أي يموت بعضنا ويحيا بعضنا، أو نموت نحن، وتحيا أولادنا، وما يفنينا إلا السنون والأيام.

صفحة رقم 286

٢- ليس لهم دليل نقلي أو عقلي على إنكار الآخرة، فما هم قوم إلا يتكلمون بالظن والتخمين.
قال القرطبي: وكان المشركون أصنافا، منهم هؤلاء منكر والبعث، ومنهم من كان يثبت الصانع وينكر البعث، ومنهم من كان يشك في البعث ولا يقطع بإنكاره. وحدث في الإسلام أقوام ليس يمكنهم إنكار البعث خوفا من المسلمين، فيتأولون ويرون القيامة موت البدن، ويرون الثواب والعقاب خيالات تقع للأرواح بزعمهم، فشرّ هؤلاء أضرّ من شر جميع الكفار، لأن هؤلاء يلبسون على الحق، ويغتّر بتلبيسهم الظاهر، والمشرك المجاهر بشركه يحذره المسلم «١».
٣- إذا قرئت على المشركين آيات اللَّه المنزلة في جواز البعث لم يكن لهم دفع وحجة أو شبهة إلا أن قالوا: ائتوا بآبائنا الموتى نسألهم عن صدق ما تقولون.
فرد اللَّه عليهم بأن اللَّه يحييكم بعد أن كنتم نطفا أمواتا، ثم يميتكم، ثم يجمعكم يوم القيامة كما أحياكم في الدنيا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن اللَّه يعيدهم كما بدأهم، ومن كان قادرا على ذلك، كان قادرا على الإتيان بآبائهم، وكان أهون شيء عليه.
وسمي قولهم حجة على سبيل التهكم، أو لأنه في حسبانهم وتقدير هم حجة، أو لأنه أسلوب يراد به: ما كان حجتهم إلا ما ليس حجة. والمراد نفي أن تكون لهم حجة أصلا.
٤- ومن أدلته تعالى على قدرته الفائقة وإمكان البعث خلق السموات والأرض وملكها والتصرف بها، ويوم تقوم القيامة يظهر خسران الكافرين الجاحدين.

(١) تفسير القرطبي: ١٦/ ١٧٢

صفحة رقم 287
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية