
أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه مرّ على قوم وَعَلِيهِ بردة حَمْرَاء حسناء فَقَالَ رجل من الْقَوْم إِن أَنا سلبته بردته فَمَا لي عنْدكُمْ فَجعلُوا لَهُ شَيْئا فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن بردتك هَذِه لي
فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتهَا أمس
قَالَ: قد أعلمتك وَأَنت فِي حرج من لبسهَا
فخلعها ليدفعها إِلَيْهِ فَضَحِك الْقَوْم
فَقَالَ: مَا لكم فَقَالُوا: هَذَا رجل بطال
فَالْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أخي: أما علمت أَن الْمَوْت أمامك لَا تَدْرِي مَتى يَأْتِيك صباحاً أَو مسَاء أَو نَهَارا ثمَّ الْقَبْر ومنكر وَنَكِير وَبعد ذَلِك الْقِيَامَة يَوْم يخسر فِيهِ المبطلون فأبكاهم وَمضى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ ﴿وَترى كل أمة جاثية﴾ قَالَ: متميزة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ ﴿وَترى كل أمة جاثية﴾ قَالَ: تستفز على الركب
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ ﴿وَترى كل أمة جاثية﴾ يَقُول: على الركب عِنْد الْحساب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن باباه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَأَنِّي أَرَاكُم بالكوم دون جَهَنَّم جاثين ثمَّ قَرَأَ سُفْيَان ﴿وَترى كل أمة جاثية﴾

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿وَترى كل أمة جاثية﴾ كل أمة مَعَ نبيها حَتَّى يَجِيء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كوم قد علا الْخَلَائق فَذَلِك الْمقَام الْمَحْمُود
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿كل أمة تدعى إِلَى كتابها﴾ قَالَ يعلمُونَ أَنه يدعى أمة قبل أمة وَقوم قبل قوم وَرجل قبل رجل ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول يمثل لكل أمة يَوْم الْقِيَامَة مَا كَانَت تعبد من حجر أَو وثن أَو خَشَبَة أَو دَابَّة ثمَّ يُقَال: من كَانَ يعبد شَيْئا فليتبعه فَيكون أول ذَلِك الْأَوْثَان قادة إِلَى النَّار حَتَّى تقذفهم فِيهَا فَيبقى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل الْكتاب فَيُقَال للْيَهُود: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله وعزيزا إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم ثمَّ يُقَال لَهُم: أما عُزَيْر فَلَيْسَ مِنْكُم ولستم مِنْهُ فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال فَيَنْطَلِقُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ مكوثاً
ثمَّ يدعى بالنصارى فَيُقَال لَهُم: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله والمسيح بن مَرْيَم إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فَيُقَال: أما الْمَسِيح فَلَيْسَ مِنْكُم ولستم مِنْهُ فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال فَيَنْطَلِقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ مكوثاً
وَتبقى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُقَال: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله وَحده وَإِنَّمَا فارقنا فِي الدُّنْيَا مَخَافَة يَوْمنَا هَذَا فَيُؤذن للْمُؤْمِنين فِي السُّجُود فَيسْجد الْمُؤْمِنُونَ وَيمْنَع كل مُنَافِق فيقصم ظهر الْمُنَافِق عَن السُّجُود وَيجْعَل الله سُجُود الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ توبيخاً وصغاراً وحسرة وندامة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ﴾ قَالَ: هُوَ أم الْكتاب فِيهِ أَعمال بني آدم ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ قَالَ: هم الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام يستنسخون أَعمال بني آدم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ فَقَالَ: إِن أوّل مَا خلق الله الْقَلَم ثمَّ خلق النُّون وَهِي الدواة ثمَّ خلق الألواح فَكتب الدُّنْيَا وَمَا يكون فِيهَا حَتَّى تفنى من خلق مَخْلُوق وَعمل مَعْمُول من بر أَو فَاجر وَمَا كَانَ من رزق حَلَال أَو حرَام وَمَا كَانَ من رطب ويابس ثمَّ ألزم كل شَيْء من ذَلِك شَأْنه دُخُوله فِي الدُّنْيَا حَيّ وبقاؤه فِيهَا كم وَإِلَى كم تفنى ثمَّ وكل بذلك الْكتاب الْمَلَائِكَة ووكل بالخلق مَلَائِكَة فتأتي مَلَائِكَة الْخلق إِلَى مَلَائِكَة ذَلِك الْكتاب فيستنسخون مَا يكون فِي كل يَوْم وَلَيْلَة مقسوم على مَا وكلوا بِهِ ثمَّ يأْتونَ إِلَى النَّاس فيحفظونهم بِأَمْر الله ويسوقونهم إِلَى مَا فِي أَيْديهم

من تِلْكَ النّسخ فَقَامَ رجل يَا ابْن عَبَّاس
ألستم قوما عربا ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ هَل يستنسخ الشَّيْء إِلَّا من كتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن الله خلق النُّون وَهُوَ الدواة وَخلق الْقَلَم فَقَالَ: اكْتُبْ
قَالَ: مَا أكتب قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من عمل مَعْمُول بر أَو فَاجر أَو رزق مقسوم حَلَال أَو حرَام ثمَّ ألزم كل شَيْء من ذَلِك شَأْنه: دُخُوله فِي الدُّنْيَا ومقامه فِيهَا كم وَخُرُوجه مِنْهَا كَيفَ ثمَّ جعل على الْعباد حفظَة وعَلى الْكتاب خزاناً تحفظه ينسخون كل يَوْم من الْخزَّان عمل ذَلِك الْيَوْم فَإِذا فني ذَلِك الرزق انْقَطع الْأَمر وانقضى الْأَجَل أَتَت الْحفظَة الخزنة يطْلبُونَ عمل ذَلِك الْيَوْم فَتَقول لَهُم الخزنة: مَا نجد لصاحبكم عندنَا شَيْئا فترجع الْحفظَة فيجدونهم قد مَاتُوا
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: ألستم قوما عربا تَسْمَعُونَ الْحفظَة يَقُولُونَ ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ وَهل يكون الاستنساخ إِلَّا من أصل
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن لله مَلَائِكَة يتولون فِي كل يَوْم بِشَيْء يَكْتُبُونَ فِيهِ أَعمال بني آدم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أول شَيْء خلق الله الْقَلَم فَأَخذه بِيَمِينِهِ وكلتا يَدَيْهِ يَمِين فَكتب الدُّنْيَا وَمَا يكون فِيهَا من عمل مَعْمُول بر أَو فَاجر رطب أَو يَابِس فأحصاه عِنْده فِي الذّكر وَقَالَ اقرؤوا إِن شِئْتُم ﴿هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ فَهَل تكون النُّسْخَة إِلَّا من شَيْء قد فرغ مِنْهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ قَالَ: هِيَ أَعمال أهل الدُّنْيَا الْحَسَنَات والسيئات تنزل من السَّمَاء كل غَدَاة أَو عَشِيَّة مَا يُصِيب الإِنسان فِي ذَلِك الْيَوْم أَو اللَّيْلَة الَّذِي يقتل وَالَّذِي يغرق وَالَّذِي يَقع من فَوق بَيت وَالَّذِي يتردى من فَوق جبل وَالَّذِي يَقع فِي بِئْر وَالَّذِي يحرق بالنَّار فيحفظون عَلَيْهِ ذَلِك كُله
فَإِذا كَانَ الْعشي صعدوا بِهِ إِلَى السَّمَاء فيجدونه كَمَا فِي السَّمَاء مَكْتُوبًا فِي الذّكر الْحَكِيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: تستنسخ

الْحفظَة من أم الْكتاب مَا يعْمل بَنو آدم فَإِنَّمَا يعْمل الإِنسان على مَا استنسخ الْملك من أم الْكتاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كتب فِي الذّكر عِنْده كل شَيْء هُوَ كَائِن ثمَّ بعث الْحفظَة على آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَذريته فالحفظة ينسخون من الذّكر مَا يعْمل الْعباد ثمَّ قَرَأَ ﴿هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ قَالَ: إِن الله وكل مَلَائِكَة ينسخون من ذَلِك الْعَام فِي رَمَضَان لَيْلَة الْقدر مَا يكون فِي الأَرْض من حدث إِلَى مثلهَا من السّنة الْمُسْتَقْبلَة فيعارضون بِهِ حفظَة الله على الْعباد عَشِيَّة كل خَمِيس فيجدون مَا رفع الْحفظَة مُوَافقا لما فِي كِتَابهمْ ذَلِك لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة وَلَا نُقْصَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿وَقيل الْيَوْم ننساكم كَمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا﴾ قَالَ: تركْتُم ذكري وطاعتني فَكَذَا أترككم ﴿كَمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا﴾ قَالَ: تركْتُم ذكري وطاعتي فَكَذَا تركْتُم فِي النَّار
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عمر بن ذَر عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا قعد قوم يذكرُونَ الله إِلَّا قعد مَعَهم عَددهمْ من الْمَلَائِكَة فَإِذا حمدوا الله حمدوه وَإِن سبحوا الله سبحوه وَإِن كبروا الله كبروه وَإِن اسْتَغْفرُوا الله أمنُوا ثمَّ عرجوا إِلَى رَبهم فيسألهم فَقَالُوا: رَبنَا عبيد لَك فِي الأَرْض ذكروك فذكرناك
قَالَ: مَاذَا قَالُوا: قَالُوا: رَبنَا حمدوك فَقَالَ: أوّل من عبد وَآخر من حمد
قَالُوا: وسبحوك
قَالَ: مدحي لَا يَنْبَغِي لأحد غَيْرِي قَالُوا: رَبنَا كبروك
قَالَ: لي الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَنا الْعَزِيز الْحَكِيم
قَالُوا: رَبنَا استغفروك
قَالَ: أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ رَفعه أَن لله ثَلَاثَة أَثوَاب: اتزر بِالْعِزَّةِ وتسربل الرَّحْمَة وارتدى بالكبرياء فَمن تعزز بِغَيْر مَا أعز الله فَذَلِك الَّذِي يُقَال لَهُ (ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم) (سُورَة الدُّخان الْآيَة ٤٩) وَمن رحم رَحمَه

الله وَمن تكبر فقد نَازع الله الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ فَإِنَّهُ تبَارك وَتَعَالَى يَقُول: لَا يَنْبَغِي لمن نَازَعَنِي أَن أدخلهُ الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله عز وَجل: الْكِبْرِيَاء رِدَائي وَالْعَظَمَة إزَارِي فَمن نَازَعَنِي فِي وَاحِد مِنْهُمَا أَلقيته فِي النَّار وَالله أعلم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (٤٦)
سُورَة الْأَحْقَاف
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَثَلَاثُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الْأَحْقَاف أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة ﴿حم﴾ الْأَحْقَاف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَات ١ - ٣