آيات من القرآن الكريم

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ

وَيَرْفَعُ مِنْ صُدُورٍ شَمَرْدَلَاتٍ يَصُكُّ وُجُوهَهَا وَهَجٌ أَلِيمُ
أَيْ مُؤْلِمٌ. وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ عَامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرُ ابْنِ كَثِيرٍ، وَحَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ: مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ، بِخَفْضٍ أَلِيمٍ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِرِجْزٍ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ، بِرَفْعِ أَلِيمٍ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِعَذَابٍ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
قَدْ قَدَّمَنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا الْآيَةَ [١٦ ١٤]. وَفِي سُورَةِ «الزُّخْرُفِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا إِلَى قَوْلِهِ: وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [٤٣ ١٢ - ١٣]. قَوْلُهُ - تَعَالَى -: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا.
قَدْ قَدَّمَنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ الْآيَةَ [١٧ ٧]. وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [٤٥ ١٦].
ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ فَضَّلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» : يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [٢ ٤٧ - ١٢٢] فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَوْلِهِ فِي «الدُّخَانِ» : وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [٤٤ ٣٢]. وَقَوْلِهِ فِي «الْأَعْرَافِ» : قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [٧ ١٤٠].
وَلَكِنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - بَيَّنَ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ الْآيَةَ

صفحة رقم 197

[٣ ١١٠]. فَـ (خَيْرَ) صِيغَةُ تَفْضِيلٍ، وَالْآيَةُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ، بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ.
وَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ إِيضَاحًا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي أُمَّتِهِ: «أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ» : وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ مَعْنَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْمَذْكُورِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ; لِأَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ النَّصُّ الْمَعْصُومُ الْمُتَوَاتِرُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [٣ ١١٠] وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [٢ ١٤٣]. وَقَوْلُهُ: وَسَطًا أَيْ خِيَارًا عُدُولًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَدِلَّةِ - لَا يُعَارِضُ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ آنِفًا فِي تَفْضِيلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
لِأَنَّ ذَلِكَ التَّفْضِيلَ الْوَارِدَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ذُكِرَ فِيهِمْ حَالَ عَدَمِ وُجُودِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَالْمَعْدُومُ فِي حَالِ عَدَمِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يُفَضَّلَ أَوْ يُفَضَّلَ عَلَيْهِ.
وَلَكِنَّهُ - تَعَالَى - بَعْدَ وُجُودِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحَ بِأَنَّهَا خَيْرُ الْأُمَمِ.
وَهَذَا وَاضِحٌ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَفْضِيلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ - إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ ذِكْرُ أَحْوَالٍ سَابِقَةٍ.
لِأَنَّهُمْ فِي وَقْتِ نُزُولِ الْقُرْآنِ كَفَرُوا بِهِ وَكَذَّبُوا، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [٢ ٨٩].
وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ فِي الْقُرْآنِ فَضْلًا إِلَّا مَا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِهِمُ السَّابِقِ، لَا فِي وَقْتِ نُزُولِ الْقُرْآنِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ السَّابِقِ الَّذِي هُوَ ظَرْفُ

صفحة رقم 198
أضواء البيان
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي
سنة النشر
1415
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية