آيات من القرآن الكريم

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ

وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ تَعْلِيلٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ أَهْلَكْناهُمْ، أَيْ أَهْلَكْنَاهُمْ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ بِسَبَبِ إِجْرَامِهِمْ، أَي شركهم.
[٣٨، ٣٩]
[سُورَة الدُّخان (٤٤) : الْآيَات ٣٨ إِلَى ٣٩]
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٩)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى [الدُّخان: ٣٤، ٣٥] رَدًّا عَلَيْهِمْ كَمَا عَلِمْتَهُ آنِفًا. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْثٌ وَجَزَاءٌ لَكَانَ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا عَبَثًا، وَنَحْنُ خَلَقْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْحَقِّ، أَيْ بِالْحِكْمَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ إِتْقَانُ نِظَامِ الْمَوْجُودَاتِ، فَلَا جَرَمَ اقْتَضَى خَلْقَ ذَلِكَ أَنْ يُجَازَى كُلُّ فَاعِلٍ عَلَى فِعْلِهِ وَأَنْ لَا يُضَاعُ ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ الْمُشَاهَدُ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقْضِي حَيَاتَهُ وَلَا يَرَى لِنَفْسِهِ جَزَاءً عَلَى أَعْمَالِهِ تَعَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ جَزَاءَهُمْ إِلَى حَيَاةٍ أُخْرَى وَإِلَّا لَكَانَ خَلْقُهُمْ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ مِنْ قَبِيلِ
اللَّعِبِ.
وَذِكْرُ اللَّعِبِ تَوْبِيخٌ لِلَّذِينِ أَحَالُوا الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ بِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا مَا يُفْضِي بِهِمْ إِلَى جَعْلِ أَفْعَالِ الْحَكِيمِ لَعِبًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْمُلَازَمَةِ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ [١١٥] وَعِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي سُورَةِ ص [٢٧].
ولاعِبِينَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ خَلَقْنَا، وَالنَّفْيُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى هَذَا الْحَالِ فَاقْتَضَى نَفْيَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ ذَلِكَ فِي حَالَةِ عَبَثٍ فَمِنْ ذَلِكَ حَالَةُ إِهْمَالِ الْجَزَاءِ.
وَجُمْلَةُ مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ.
وَالْبَاءُ فِي بِالْحَقِّ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ خَلَقْنَا ذَلِكَ مُلَابِسًا وَمُقَارِنًا لِلْحَقِّ، أَوِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ بِسَبَبِ الْحَقِّ، أَيْ لِإِيجَادِ الْحَقِّ مِنْ خَلْقِهِمَا.
وَالْحَقُّ: مَا يَحِقُّ وُقُوعُهُ مِنْ عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ، أَيْ يَجِبُ وَيَتَعَيَّنُ لِسَبَبِيَّةٍ أَوْ تَفَرُّعٍ أَوْ

صفحة رقم 310
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية