
من عجائب الصنع الإلهي
ما أحلم الله تعالى على عباده، وما أصبره على مخلوقاته، يخلقهم ويرزقهم وينعم عليهم، ومع ذلك يكفرون به، ويجحدون بوحدانيته، فيتنزل لمستواهم الفكري، ويقيم لهم الأدلة والبراهين الكثيرة على عظمة ذاته وقدرته، ومن أهمها إبداع مصنوعاته وعجائب مخلوقاته، وكثرة نعمه وآلائه، وإذا افتقر الإنسان أو أصيب بمصاب، لم يجد غير الله ملجأ، ولا سواه ملاذا، فيفرّج كربته، ويكشف أزمته أو محنته، وهذه ثمانية أدلة على وجود الله وتوحيده، مما يلمسه كل إنسان. ويحسّ به من مشاهدات الكون:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٩ الى ١٤]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣)
وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)
«١» «٢» «٣» «٤» [الزخرف: ٤٣/ ٩- ١٤].
هذه أوصاف أفعال الله تعالى، وهي نعم منه سبحانه على البشر، تقوم بها الحجة القاطعة على كل كافر مشرك بالله تعالى، وهي هنا ثماني صفات:
١- ٣- تالله لئن سألت أيها الرسول المشركين بالله: من الذي خلق السماوات والأرض؟ لأجابوا بأن الخالق لهما هو الله وحده لا شريك له، وأن الله هو القوي الغالب مما يدل على كمال قدرته، وأنه الواسع العلم، مما يرشد إلى تمام علمه، وهذا احتجاج على قريش، يدل على تناقضهم في أمرهم، وذلك أنهم يقرون أن
(٢) أي السفن.
(٣) أي مطيقين.
(٤) راجعون.

الخالق الموجد لهم وللسماوات والأرض هو الله تعالى، وهم مع ذلك يعبدون أصناما، ويدّعون أنها آلهة لهم، وهي عاجزة عن كل شيء، وأما الله تعالى فهو الموصوف بالقدرة التامة على خلق جميع الممكنات، لتميزه بالقوة والعلم الكاملين.
٤- والله تعالى هو الذي جعل لكم الأرض ممهدة كالفراش والبساط، صالحة للإقامة، والاستقرار عليها، ويتصرّف فيها بسهولة ويسر.
٥- وخلق الله تعالى في الأرض والطرق والمسالك، ليتمكن الإنسان من الاهتداء بسلوكها إلى المقاصد والمنافع، والانتقال بين الأرجاء، للاتجار وطلب الرزق والسياحة ونحوها.
٦- والله سبحانه هو الذي أنزل من السحاب المطر بقدر الحاجة، وبمقتضى المصلحة للزروع والثمار والشرب ومصلحة الإنسان، فأحيا به الأرض الميتة، وأخرج منها النبات، وكما أحيا الله الأرض بعد موتها، يحيي الأجساد يوم القيامة بعد موتها، ويبعث الناس من القبور. ومن حكمته تعالى وفضله: أنه لا ينزل المطر فوق الحاجة، لئلا يؤدي إلى الطوفان والغرق الشامل، وهدم المنازل، وتلف الزروع، ولا يقصر عن الحاجة حتى تتحقق الكفاية في النبات والزرع والناس. فكلمة (بقدر) أي بمقدار الكفاية.
٧- والله تعالى خلق الأزواج، أي الأنواع أو الأصناف كلها من كل شيء، من الزروع، والثمار، والأشجار، والإنسان والحيوان وغير ذلك، مما نعلمه وما لا نعلمه.
٨- والله هو الذي خلق وسائل الركوب والحمل من السفن والأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم. وفي الأنعام فوائد أخرى من اللحوم والألبان والأوبار والأشعار والأصواف. والله تعالى صرح بكيفية الانتفاع بالسفن والأنعام: بأن

تستقروا على ظهورها، ثم تتذكروا نعمة الله التي أنعم بها عليكم، وتقولون بعد الركوب عليها: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ أي تنزه الله تعالى عن كل نقص وعجز، الذي ذلّل لنا هذا المركب، وما كنا مطيقين لتسخيره، لولا أن سخره الله لنا، وإنا لصائرون راجعون إليه بعد مماتنا، فيجازي كل نفس بما عملت من خير أو شر. وهذه الآية خاصة في ركوب الحيوان ويقال عند النزول منها: اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين. ويقال عند ركوب الفلك بما جاء في آية أخرى: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [هود: ١١/ ٤١]. والسنة للراكب إذا ركب أن يقول: الحمد لله على نعمة الإسلام، أو على النعمة بمحمد عليه الصلاة والسّلام، أو على النعمة في كل حال.
وفي دعاء الركوب هذا: إقرار واضح بعجز الإنسان، وأمر بالإقرار بالبعث، وترداد القول به.
روى ابن أبي نجيح والنحاس عن مجاهد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أن الإنسان إذا ركب، ولم يقل ما في هذه الآية سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا جاء الشيطان فقال له: تغنّه، فإن كان يحسن تغنّى، وإلا قال له: تمنّه، فيتمنى الأباطيل، ويقطع زمنه بذلك.
من أباطيل الجاهلية وتناقضات المشركين
على الرغم من اعتراف المشركين بأن الله هو خالق السماوات والأرض، صدرت منهم عدة أباطيل ومتناقضات مع ذلك الاعتراف، منها نسبة الملائكة لله وأنها بنات الله، والزعم بأن عبادة الملائكة بمشيئة الله، وأن الملائكة إناث لا ذكور، وإذا نوقشوا في هذا لم يجدوا جوابا إلا أنهم يقلدون الآباء تقليدا أعمى، مثلما يقول المترفون في غابر الزمان، حتى ولو عارض ذلك العقل أو المنطق، أو رأوا أفضل