آيات من القرآن الكريم

وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ
ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ

السلام - دل أن آية اليد أكبر من آية العصا، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هذا ليس على تحقيق جعل آية أكبر وأعظم من آية العصا، ولكن وصف الكل بالعظم والكبر؛ كقوله - تعالى -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، ليس على إثبات القرب في أحدهما دون الآخر، ولكن وصف قرب كل واحد منها من الآخر على السؤال، وكما يقال في العرف: إن أفراس فلان كل واحد أعدى من الآخر، وإن أصحاب فلان كل واحد أفضل من الآخر، وأنه لا يراد بذلك الترجيح، ولكن إثبات المخبر عنه؛ فعلى ذلك قوله - تعالى -: (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا) وصف لهما جميعًا بالكبر، واللَّه أعلم.
ثم ذكر قوله - تعالى -: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ) وغير ذلك من أمثاله لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ليصبره على أذى قومه، وأنواع ما كانوا يستقبلونه من الاستهزاء به وبأتباعه، والضحك بما أتاهم من الآيات والحجج على رسالته، وعلى ذلك ما قال: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) أخبر أنه إنما قص عليه أنباء الرسل المتقدمة لتسلية فؤاده، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) والإشكال أنهم كيف يسمونه ساحرًا وكانوا يطلبون منه أن يدعو ربه ويسأله حتى يكشف عنهم العذاب؟
فنقول: روي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما -: سموه: ساحرًا؛ لأن الساحر عندهم هو العالم المعظم الذي بلغ في العلم غايته ونهايته؛ لذلك قالوا: يا ساحر، ادع لنا ربك، وإلا لا يحتمل أن يكونوا يسألونه ويطلبون منه أن يدعو ربه ليكشف عنهم العذاب، ثم يسمونه: ساحرًا ويعنون به: سحرًا للكذب والباطل، واللَّه أعلم.
وقال مقاتل: إنهم قالوا: (يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) قال لهم موسى - عليه السلام -: كيف أدعو ربي ليكشف عنكم ما ينزل بكم، وقد تسمونني ساحرًا، فرجعوا عن ذلك فقالوا: (يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ)؛ على ما ذكر في سورة الأعراف: الآية، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكون قولهم: (يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) سموه: ساحرًا على ما كان عندهم أنه ساحر، فيقولون: إنك ساحر، إلا أن تدعو ربك فيكشف عنا الرجز؛ فعند ذلك

صفحة رقم 171
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
عدد الأجزاء
1