أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، أخبرنا أحمد بن شاذان، أخبرنا جيغويه بن محمد، حدثنا صالح بن محمد، حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبان، عن سليمان بن القيس العامري، عن كعب. قال: إنّي لأجد في بعض الكتب: لولا أن يحزن عبدي المؤمن لكللت رأس الكافر بأكاليل فلا يصدع ولا ينبض منه عرق يوجع.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه، حدثنا عبد الله بن محمد بن شنبه، حدثنا الفربابي، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزيدي، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن ثعلبة بن مسلم، عن مسلم بن أبي المجرد، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنّه كان يقول: لو أنّ رجلا هرب من رزقه لاتبعه حتّى يدركه، كما إنّ الموت يدرك من هرب منه له أجل هو بالغه، أو أثر هو واطئة ورزق هو آكله وحرف هو قائله فاتقوا الله واجملوا في الطلب، فلا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله تعالى، فإنّ الله لا ينال ما عنده إلّا بطاعته، ولن يدرك ما عنده بمعصيته. فاتقوا الله واجملوا في الطلب.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٦ الى ٥٠]
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠)
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠)
وَمَنْ يَعْشُ يعرض عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ فلم يخف عقابه ولم يرج ثوابه.
وقال الضحاك: يمض قدما. القرظي: يولّ ظهره على ذكر الرّحمن وهو القرآن. أبو عبيدة والأخفش: أي تظلم عينه، الخليل بن أحمد: أصل العشو النظر ببصر ضعيف، وأنشد في معناه:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره | تجد خير نار عندها خير موقد |
رأت رجلا غائب الوافدين | مختلف الخلق أعشى ضريرا «١» |
قالَ الكافر للشيطان. يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ أي المشرق والمغرب، فقلب اسم أحدهما على الآخر، كما قال الشاعر:
أخذنا بآفاق السّماء عليكم | لنا قمراها والنجوم الطوالع «٢» |
ولن يلبث العصران يوم وليلة | إذا طلبا أن يدركا ما تيمما «٣» |
وبصرة الأزد منا والعراق لنا | والموصلان ومنا المصر والحرم «٤» |
العمران، وللسبطين: الحسنان، وقال بعضهم: أراد بالمشرقين، مشرق الصيف ومشرق الشتاء.
كقوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ «٥».
فَبِئْسَ الْقَرِينُ قال أبو سعيد الخدري: إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشيطان فلا يفارقه حتّى يصير إلى النّار.
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ في الآخرة إِذْ ظَلَمْتُمْ أشركتم في الدّنيا أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ يعني لن ينفعكم إشراككم في العذاب لأنّ لكلّ واحد نصيبه الأوفر منه فلا يخفف عنكم العذاب لأجل قرنائكم.
وقال مقاتل: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الاعتذار والندم الْيَوْمَ لأنّكم أنتم وقرناؤكم مشتركون اليوم في العذاب كما كنتم مشتركين في الكفر.
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعني الكافرين الّذين حقّت عليهم كلمة العذاب فلا يؤمنون.
(٢) لسان العرب: ١٥/ ١٠٧.
(٣) الصحاح: ٢/ ٧٤٨. [.....]
(٤) الصحاح: ٥/ ١٨٤٣.
(٥) سورة الرحمن: ١٧.
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فنميتك قبل أن نعذبهم. فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فنعذبهم في حياتك.
فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ قال أكثر المفسرين: أراد به المشركين من أهل مكّة فانتقم منهم يوم بدر، وقال الحسن وقتادة: عني به أهل الإسلام من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم وقد كان بعد نبي الرحمة نقمة شديدة فأكرم الله نبيه وذهب به، ولم يره في أمته إلّا الّذي تقر عينه، وأبقى النقمة بعده، وليس من نبي إلّا أرى في أمته العقوبة،
وذكر لنا إنّ النبي صلّى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته بعده فما رئي ضاحكا منبسطا حتّى قبضه الله تعالى.
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ يعني القرآن. لَذِكْرٌ لَكَ لشرف لك وَلِقَوْمِكَ من قريش، نظيره قوله: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ «١» أي شرفكم. وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ عن حقّه وأداء شكره.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، حدثنا أبو علي بن حبش المقري، حدثنا أبو بكر ابن محمد بن أحمد بن إبراهيم الجوهري، حدثنا عمي، حدثنا سيف بن عمر الكوفي، عن وائل أبي بكر، عن الزهيري، عن عبد الله وعطية بن الحسن، عن أبي أيوب، عن علي، عن الضحاك، عن ابن عباس. قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل بمكّة، ويعدهم الظهور، فإذا قالوا لمن الملك بعدك، أمسك، فلم يخبرهم بشيء، لأنّه لم يؤمر في ذلك بشيء حتّى نزل وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ. فكان بعد ذلك إذا سئل، فقال: لقريش، فلا يجيبونه، وقبلته الأنصار على ذلك.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، حدثنا نصر بن منصور بن جعفر النهاوندي، حدثنا أحمد بن يحيى بن الجاورد، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من النّاس اثنان» [١٩٤] «٢».
أخبرنا عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد الناهد، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا الحسن بن ناصح ومحمد بن يحيى، قالا: حدثنا نعيم بن عماد، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن محمد بن حسن بن مطعم، عن معاوية، قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلّا كبّ على وجهه ما أقاموا الدّين «٣» » [١٩٥].
(٢) البداية والنهاية: ٦/ ٢٧٩.
(٣) المعجم الكبير: ١٩/ ٣٣٨.
أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو العباس السراج، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم، حدثنا هوذة بن خليفة، حدثنا عوف، عن زياد بن محراق، عن أبي كنانة، عن أبي موسى، قال: قام النبي صلّى الله عليه وسلم على باب البيت وفيه نفر من قريش، فأخذ بعضادي الباب، ثمّ قال:
«هل في البيت إلّا قريشي؟» قالوا: لا يا رسول الله. إلّا ابن أخت لنا، قال: «ابن أخت القوم منهم» ثم قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما داموا إذا حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل ذلك فعليه لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» [١٩٦] «١».
أخبرنا عبيد الله الزاهد، حدثنا أبي العباس السراج، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم، حدثني موسى بن داود وخالد بن خداش، قالا: حدثنا بكير بن عبد العزيز، عن يسار بن سلامة، عن أبي بردة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الأمراء من قريش، لي عليهم حقّ ولهم عليكم حقّ ما فعلوا ثلاثا: ما حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا» «٢».
زاد خالد: «فمن لم يفعل ذلك فعليه لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» [١٩٧].
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا عبيد الله بن محمد بن شنبه، قال: سمعت أبي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: في قول الله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قال: قول الرجل: حدثني أبي، عن جدي.
وَسْئَلْ يا محمد. مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ.
اختلف العلماء في هؤلاء المسؤولين. فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي وعطاء بن أبي رياح والحسن والمقاتلان: هم المؤمنون أهل الكتابين، وقالوا: هي في قراءة عبد الله وأبي (وأسئل الّذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا)، وقال ابن جبير وابن زيد: هم الأنبياء الّذين جمعوا له ليلة أسري به ببيت المقدس.
أخبرنا ابن فنجويه حدثنا موسى بن محمد، حدثنا الحسن بن علوية، حدثنا إسماعيل بن عيسى، حدثنا المسيب، قال: قال: أبو جعفر الدمشقي: سمعت الزهري يقول: لما أسري بالنبي صلّى الله عليه وسلم صلّى خلفه تلك الليلة كلّ نبي كان أرسل فقيل للنبي (عليه السلام) : وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ.
أخبرنا الحسين بن محمد الدينوري، حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين بن محمد بن
(٢) مسند أحمد: ٤/ ٤٢٤.
الحسين الأزدي الموصلي، حدثنا عبد الله بن محمد بن غزوان البغدادي. حدثنا علي بن جابر، حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله ومحمد بن إسماعيل، قالا: حدثنا محمد بن فضل، عن محمد ابن سوقة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله: صلّى الله عليه وسلم «أتاني ملك فقال: يا محمد وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا على ما بعثوا، قال: قلت: على ما بعثوا، قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب «١» » [١٩٨].
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ وبها يستهزؤن ويكذبون.
وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها قرينتها وصاحبتها الّتي كانت قبلها.
وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ بالسنين والطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم. لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَقالُوا لما عاينوا العذاب. يا أَيُّهَا السَّاحِرُ يا أيّها العالم الكامل الحاذق، وإنّما قالوا هذا توقيرا وتعظيما منهم، لأنّ السحر كان عندهم علما عظيما وصفة ممدوحه، وقيل: معناه يا أيّها الّذي غلبنا بسحره، كقول العرب: خاصمته فخصمته، ونحوها.
ويحتمل إنّهم أرادوا به الساحر على الحقيقة عيبا منهم إياه، فلم يناقشهم موسى (عليه السلام) في مخاطبتهم إياه بذلك رجاء أن يؤمنوا.
ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ أي بما أخبرتنا عن عهده إليك إنّا إن آمنا كشف عنا، فاسأله يكشف عنا. إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ مؤمنون.
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ ينقضون عهدهم ويصرّون على كفرهم ويتمارون في غيهم.