آيات من القرآن الكريم

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

٧- يخطئ الناس وبخاصة الكفار حين يظنون أن اللَّه لا يسمع سرهم ونجواهم، والسر: ما حدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال، والنجوى:
ما تكلموا به فيما بينهم، فإن اللَّه سميع بصير، يسمع ويعلم كل شيء، والملائكة الحفظة يكتبون عليهم تلك الأحوال، وستكون الكتابة في سجل الأعمال يوم القيامة يحاسبون بناء عليها، وحجة وبرهانا لإثبات معاصيهم ومنكراتهم، وهذا تأكيد لعلم اللَّه.
تنزيه اللَّه سبحانه عن الولد والشريك
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٨١ الى ٨٩]
قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥)
وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)
الإعراب:
إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ إِنْ: إما شرطية على سبيل الافتراض، أي إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده، على أنه لا ولد له، أو على حد قول الرجل لصاحبه: إن كنت كاتبا فأنا حاسب، والمعنى: لست بكاتب، ولا أنا حاسب. أو أن تكون إِنْ بمعنى «ما» وتقديره:
ما كان للرحمن من ولد.

صفحة رقم 193

فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ كل من الجار والمجرور متعلق بما بعده.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللام في لَئِنْ لام القسم. ولَيَقُولُنَّ حذف منه نون الرفع وواو الضمير.
وَقِيلِهِ يا رَبِّ بالجر لكلمة قِيلِهِ عطفا على السَّاعَةِ أي وعنده علم الساعة وعلم قيله، أو بالرفع عطفا على عِلْمُ في قوله: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أي وعلم قيله، فحذف المضاف، أو على أنه مبتدأ وخبره محذوف، تقديره: وقيله: يا رب، مسموع، أو بالنصب على المصدر، أي ويقول قيله، أو عطفا على سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ في قوله: نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ أو عطفا على معنى وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أي ويعلم الساعة ويعلم قيله، أو عطفا على المفعول المحذوف ل يَكْتُبُونَ في قوله: وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ أي يكتبون ذلك ويكتبون قيله.
وَقُلْ: سَلامٌ سَلامٌ: خبر مبتدأ محذوف، أي أمري سلام، أي مسالمة منكم، وليس من السلام بمعنى التحية.
المفردات اللغوية:
قُلْ: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ أي إن وجد له ولد على سبيل الفرض والتقدير، وثبت ذلك بالدليل القاطع، فأنا- أي محمد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أول العابدين أي المعظمين للولد تعظيما للوالد، لكن ثبت ألا ولد له تعالى، فانتفت عبادته وبطلت سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ..
أي تنزيها لله عن كونه ذا ولد وعن كل نقص رَبِّ الْعَرْشِ العرش أو الكرسي: مخلوق عظيم أعظم من السموات والأرض، اللَّه أعلم به عَمَّا يَصِفُونَ يقولون كذبا بنسبة الولد إليه.
فَذَرْهُمْ اتركهم يَخُوضُوا يعبثوا في باطلهم، ويبطلوا مع المبطلين وَيَلْعَبُوا في دنياهم يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ أي يوم القيامة الذي يوعدون فيه العذاب إِلهٌ أي أنه هو معبود في السماء ومعبود في الأرض الْحَكِيمُ في تدبير خلقه الْعَلِيمُ بمصالحهم، وهما دليلان على استحقاق العبادة، والمعنى أن اللَّه في السماء والأرض بالألوهية والربوبية، وليس الاستقرار.
تَبارَكَ تعالى وتعاظم وَما بَيْنَهُما كالهواء وجميع المخلوقات وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أي العلم بالساعة التي تقوم القيامة فيها وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ للحساب والجزاء يَدْعُونَ يعبدون، وهم الكفار مِنْ دُونِهِ من غير اللَّه الشَّفاعَةَ لأحد إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ أي قال: لا إله إلا اللَّه. والاستثناء إما متصل، لأن من جملة من يدعونهم الملائكة وعيسى وعزيرا، أو منقطع، أي لكن من شهد بالتوحيد عن علم وبصيرة وَهُمْ يَعْلَمُونَ يتيقنون بقلوبهم مثلما شهدت به ألسنتهم، وهم عيسى وعزير والملائكة، فهؤلاء هم الذين يشفعون بإذن اللَّه للمؤمنين يُؤْفَكُونَ يصرفون عن عبادة اللَّه.

صفحة رقم 194

وَقِيلِهِ معطوف على السَّاعَةِ أي وعنده علم الساعة وعلم قيله، أي قيل محمد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والقيل والقال والمقالة والقول بمعنى واحد، أي وقوله فَاصْفَحْ عَنْهُمْ أعرض عنهم وَقُلْ: سَلامٌ سلام متاركة وهجران، لا سلام تحية فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ يطلعون على ما أعد لهم من عذاب، وهذا تهديد وتوبيخ لهم أي للكفار.
المناسبة:
بعد بيان أحوال المجرمين الكفار في الآخرة، أردفه تعالى ببيان استحالة نسبة الولد والشريك له، وأنه المعبود بحق في السماء والأرض وأنه الحكيم في صنعه العليم بكل شيء، وأن اللَّه سبحانه مالك السموات والأرض ومالك كل شيء في الكون، وأن الآلهة المعبودة من دون اللَّه ليس لها أي نفع كالشفاعة في الآخرة، وأن المشركين متناقضون حين يقرون بأن الخالق للكون هو اللَّه، ثم يعبدون معه غيره، وأن حسابهم آت يوم القيامة الذي لا يعلم بميقاته أحد غير اللَّه تعالى.
التفسير والبيان:
قُلْ: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ أي قل يا محمد: إن ثبت ببرهان صحيح لله تعالى ولد، فأنا أول من يعبد هذا الولد الذي تزعمون ثبوته، وأول من يعظمه كما يعظّم الرجل ولد الملك لعظم أبيه، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى، ويستحيل أن يكون له ولد فهو محال في ذاته، لأنه يؤدي إلى العجز والحاجة لغيره والنقص، والإله كامل الصفات. والجملة شرطية لفظا ومعنى، مركبة من شرط وجزاء، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل، بقصد المبالغة في نفي الولد، وهو أبلغ وجوه النفي وأقواها، كما تقول لمن يجادلك: إن ثبت ما تقول بالدليل فأنا أول من يعتقد به.
وهو مثل قوله تعالى: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ، سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [الزمر ٣٩/ ٤] وقوله سبحانه: لَوْ

صفحة رقم 195

كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا
[الأنبياء ٢١/ ٢٢] أي لو كان في السموات والأرض أكثر من إله لفسدت.
ويؤكد نفي الولد قوله تعالى:
سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، رَبِّ الْعَرْشِ، عَمَّا يَصِفُونَ أي تنزيها له وتقديسا عما يقولون من الكذب بأن له ولدا، ويفترون عليه تعالى ما لا يليق بجنابه، أو تعالى وتنزه وتقدس خالق الأشياء عن أن يكون له ولد، فهو مالك السموات والأرض، ورب العرش المحيط بالكون، وهو منزه عما يصفه به المشركون كذبا من نسبة الولد إليه.
ثم أمر اللَّه تعالى نبيه بالإعراض عن المشركين المعاندين قائلا:
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ أي فاتركهم أيها النبي يخوضوا في جهلهم وباطلهم وضلالهم، ويلعبوا ويلهوا في دنياهم، حتى يلقوا يوم القيامة الذي يوعدون به. وفي هذا تهديد ووعيد.
ويزيد اللَّه تعالى تأكيده تنزيه نفسه عن الولد قائلا:
١- وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ أي هو اللَّه المعبود بحق في السماء، والمعبود بحق في الأرض، فلا يستحق العبادة سواه، وهو الحكيم في تدبير خلقه، العليم بمصالحهم. والمعنى: كما أنه تعالى ليس له ولد، ليس له مكان يستقر فيه، بل له الألوهية والربوبية في الكون كله، وفي كل مكان، ويستحيل عليه المكان، لأنه يكون محدودا محصورا في جهة معينة، له حجم ونهاية، وتلك صفات الحوادث، واللَّه منزه عنها، فلا يحده زمان ومكان، والحكمة البالغة والعلم الواسع يتنافيان مع إثبات الولد لله.
ثم أبطل اللَّه تعالى قول الكفرة: إن الأصنام تنفعهم، فقال:

صفحة رقم 196

٢- وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما، وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي تعاظم وتعالى وزادت خيراته وبركاته اللَّه مالك السموات ومالك الأرض، وما بينهما من الفضاء والهواء وأنواع الحيوان والإنسان وخالق كل شيء، وهو المختص بعلم الوقت الذي تقوم فيه الساعة، وإليه مرجع ومصير الخلائق كلها، فيجازي كل إنسان بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وهذه صفات تتنافى كلها أيضا مع إثبات ولد لله، لأنه تعالى غير محتاج لمعونة أحد من خلقه، كما أن له السلطان المطلق في الحساب والجزاء في عالم القيامة، ولما نفى اللَّه تعالى الولد أتبعه بنفي الشركاء، فقال مؤكدا عدم نفع الأصنام:
٣- وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ، إِلَّا «١» مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي ولا تملك- ولا تقدر- الأصنام وكل معبود مدعو من دون اللَّه الشفاعة عند اللَّه كما يزعم عبادها أنهم يشفعون لهم، لكن من آمن وشهد بالحق على بصيرة ويقين بأن اللَّه واحد لا شريك له، فإن شفاعته مقبولة عند اللَّه بإذن اللَّه. فقوله وَهُمْ يَعْلَمُونَ معناه: وهم على علم وبصيرة بما شهدوا به. وهذا دليل على أن إيمان المقلّد وشهادته غير معتبرين.
ثم أبان اللَّه تعالى تناقض المشركين قائلا:
٤- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ أي وتا لله لئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره عمن خلقهم؟ لأجابوا بأنه اللَّه، فهم يعترفون بأنه الخالق للأشياء، جميعها، ومع هذا يعبدون معه غيره ممن لا يملك شيئا، ولا يقدر على شيء، فكيف يصرفون عن العبادة الحقه عبادة اللَّه إلى عبادة غيره، مع هذا الاعتراف؟ إنهم في هذا التناقض في غاية الجهل والسفاهة وسخافة

(١) استثناء منقطع بمعنى لكن، ويجوز أن يكون متصلا كما بينا.

صفحة رقم 197

العقل، وهذا مدعاة للعجب من إشراكهم، والغرض من الآية: التعجيب من حالهم أنهم يعترفون بالصانع، ثم يجعلون له أندادا.
ثم أعلن اللَّه تعالى علمه بشكوى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من إعراض قومه قائلا:
٥- وَقِيلِهِ: يا رَبِّ، إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ أي ويعلم اللَّه تعالى علم الساعة وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وشكواه إلى ربه من قومه الذين كذبوه: يا ربّ، إن هؤلاء القوم الذين أرسلتني إليهم قوم لا يؤمنون ولا يصدقون بك ولا برسالتي إليهم، كما أخبر تعالى في آية أخرى: وَقالَ الرَّسُولُ: يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان ٢٥/ ٣٠].
ثم أمر اللَّه تعالى نبيه بالإعراض عنهم ونبذهم لإشراكهم قائلا:
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ: سَلامٌ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أي اصفح عن المشركين صفح المغاضب لا الموافق المجامل، وأعرض عما يقولون وما يرمونك به من السحر والكهانة، واصبر على دعوتهم إلى أن يأتي أمر اللَّه، وقل: أمري معكم مسالمة ومتاركة إلى حين، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم. وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد من اللَّه لهم، ووعد ضمني بنصر الإسلام والمسلمين عليهم، وقد أنجز اللَّه وعده، فأيد رسوله والمؤمنين، وهزم أركان الشرك والمشركين، وطهر جزيرة العرب من فلولهم وآثارهم، ودخل الناس في دين اللَّه أفواجا، وانتشر الإسلام- وللَّه الحمد- في المشارق والمغارب.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات البيّنات إلى ما يأتي:
١- إن إنكار وجود الولد لله تعالى ليس عنادا ولا منازعة، وإنما بدلالة الأدلّة القاطعة على نفي وجود الولد، فالعبرة للدّليل، وقد أثبت الدّليل القاطع

صفحة رقم 198

عدم وجود الولد لله تعالى، لأن صفة الألوهية تقتضي الكمال والقدرة والحكمة والعلم، واتّخاذ الولد دليل العجز والنقص.
وهذا مأخوذ من معنى الآية الأولى: قُلْ: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ.. أي لو كان له ولد كنت أول من عبده، على افتراض أن له ولدا ثابتا بالبرهان، ولكن لا ينبغي ذلك، ولم يقم دليل عليه.
٢- نزّه اللَّه نفسه ربّ السموات والأرض عن كلّ ما يقتضي الحدوث، وأمر النّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالتّنزيه عما يقوله المشركون من الكذب.
٣- أمر اللَّه نبيّه أيضا أن يترك المشركين يخوضون في باطلهم، ويلعبون في دنياهم، حتى يأتيهم إما العذاب في الدنيا أو في الآخرة.
٤- كذب اللَّه المشركين بقوله: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ.. في أن لله شريكا وولدا، فهو وحده المستحق للعبادة في السماء والأرض.
قال الرّازي: هذه الآية من أدلّ الدّلائل على أنه تعالى غير مستقرّ في السماء، لأنه تعالى بيّن بهذه الآية أن نسبته إلى السماء بالألوهية كنسبته إلى الأرض، فلما كان إلها للأرض، مع أنه غير مستقرّ فيها، فكذلك يجب أن يكون إلها للسماء، مع أنه لا يكون مستقرّا فيها «١».
٥- اللَّه تعالى مصدر الخير والبركة، وهو صاحب العظمة، مالك السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات والموجودات والعناصر، وهو العالم بوقت قيام القيامة، وإليه مصير الخلق للحساب والجزاء. وقوله: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ بعد بيان كمال قدرته: هو التّنبيه على أن من كان كامل الذّات والعلم والقدرة، امتنع عليه اتّخاذ ولد كعيسى موصوف بالعجز وعدم الاطّلاع على أحوال العالم.

(١) تفسير الرّازي: ٢٧/ ٢٣٢

صفحة رقم 199

٦- نفى اللَّه تعالى الولد إليه، ثم نفى الشّركاء بقوله: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ.. أي لا يملك عيسى وعزير والملائكة وغيرهم من الأصنام الشّفاعة إلا من شهد بالحقّ وآمن على علم وبصيرة، وهم يعلمون حقيقة ما شهدوا به.
٧- دلّ قوله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ على أمرين:
الأول- أنّ الشفاعة بالحقّ غير نافعة إلا مع العلم، وأن التّقليد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة.
الثاني- أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالما بها،
كما روى البيهقي والحاكم وابن عدي عن ابن عباس- وهو ضعيف- عن النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إذا رأيت مثل الشمس فاشهد، وإلا فدع».
٨- المشركون قوم متناقضون كما ثبت في أول السورة وآخرها، فلما اعتقدوا أن خالق العالم وخالق الحيوانات هو اللَّه تعالى، فكيف أقدموا مع هذا الاعتقاد على عبادة أجسام خسيسة وأصنام جامدة لا تضرّ ولا تنفع؟ الواقع أنهم يكذبون على اللَّه حين يقولون: إن اللَّه أمرنا بعبادة الأصنام.
ودلّ قوله تعالى: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ على أن إفكهم ليس منهم بل من غيرهم.
٩- شكا النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قومه إلى ربّه بأنّهم لا يؤمنون بالله وحده لا شريك له، ولا برسالته ولا بالقرآن المنزل عليه. وهذه الشكوى صدرت منه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد أن ضجر منهم، وعرف إصرارهم على الكفر. وهذا قريب مما حكى اللَّه عن نوح أنه قال: رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي، وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً [نوح ٧١/ ٢١].

صفحة رقم 200

١٠- أمر اللَّه نبيّه بالصّفح عن المشركين صفح الغاضب النّاقم لا الرّاضى بفعلهم، وبالمتاركة حتى حين، فسوف يعلمون ما ينتظرهم من العذاب في الدنيا والآخرة، وهذا تهديد للمشركين، ولا حاجة كما ذكر الرّازي إلى القول بأن هذه الآية منسوخة بآية السّيف، لأن الأمر لا يفيد الفعل إلا مرة واحدة، فإذا أتى به مرة واحدة فقد سقطت دلالة اللفظ، وأما التّكرار فيكون بدليل آخر، كما أن اللفظ قد يتقيّد بقرينة العرف.

صفحة رقم 201

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الدخان
مكيّة، وهي تسع وخمسون آية.
تسميتها:
سمّيت (سورة الدّخان) لما فيها من تهديد المشركين في الماضي بالجدب والقحط الذي يجعل الجائع كأنه يرى في الفضاء دخانا من شدة الجوع، وتهديد الأجيال المقبلة بظهور الدّخان في السماء مدة أربعين يوما والذي يعدّ أمارة من أمارات السّاعة.
مناسبتها لما قبلها:
تتجلّى مناسبة هذه السورة لما قبلها من آل حاميم من وجوه ثلاثة:
١- افتتاح كلتا السّورتين بالقسم بالقرآن العظيم تنويها به، في قوله تعالى:
حم، وَالْكِتابِ الْمُبِينِ.
٢- تشابه خاتمة السّورة المتقدّمة ومطلع هذه السّورة، حيث ختمت سورة الزّخرف بالتّهديد والوعيد في قوله تعالى: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [٨٣] فذكر يوما غير معيّن ولا موصوفا، ثم أبان وصفه في سورة الدّخان في القسم الأول منها حيث أنذر تعالى المشركين في قوله:
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ [١٠].
٣- حكاية ما قاله النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لقومه وما قاله أخوه موسى عليه السّلام لقوم

صفحة رقم 202

فرعون، فقال النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في السّورة المتقدّمة: يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ [٨٨]، ثم قال اللَّه له: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ: سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [٨٩]، وحكى اللَّه عن موسى في هذه السّورة: فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ [٢٢]، وقال موسى: وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ، وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ [٢٠- ٢١]، والتّشابه واضح في الموقفين.
ما اشتملت عليه السّورة:
موضوع سورة الدّخان المكيّة كسائر موضوعات السّور المكيّة وسور آل حاميم السّبع، وهو بيان أصول العقيدة الإسلاميّة: التوحيد، والنّبوة والرّسالة، والبعث.
بدئت السورة ببيان تاريخ بدء إنزال القرآن في ليلة القدر من رمضان، رحمة من اللَّه بعباده، وأن منزله هو مالك الكون كله والمخلوقات جميعها، وأنه هو الإله الحقّ الواحد الذي لا شريك له، غير أن المشركين في شكّ وارتياب من أمر القرآن.
ثم أعدتهم بالعذاب الشديد، وبالدّخان المخيف الذي ينذرهم بأسوأ العواقب، ولكنهم مع ذلك لم يؤمنوا.
وأردفت ما سبق بعظتهم بقصة فرعون وقومه مع موسى عليه السّلام، حيث نجّى اللَّه المؤمنين، وأغرق الكافرين في البحر.
ثم وصفت مشركي مكة بأنهم قوم منكرون للبعث في قوله تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى، وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ [٣٥]، وهدّدتهم بالإهلاك كما أهلك المجرمين الأشدّاء من قبلهم، مثل قوم تبّع الحميري، مع إيراد الدّليل على قدرة اللَّه عزّ وجلّ على كلّ شيء.

صفحة رقم 203
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية