آيات من القرآن الكريم

لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

أَنْ تَأْتِيَهُمْ بدل من الساعة. والمعنى: هل ينظرون إلا إتيان الساعة. فإن قلت: أما أدى قوله بَغْتَةً مؤدّى قوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فيستغنى عنه؟ قلت: لا، لأنّ معنى قوله تعالى وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ: وهم غافلون لاشتغالهم بأمور دنياهم، كقوله تعالى تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ويجوز أن تأتيهم بغتة وهم فطنون يَوْمَئِذٍ منصوب بعدوّ، أى: تنقطع في ذلك اليوم كل خلة بين المتخالين في غير ذات الله، وتنقلب عداوة ومقتا، إلا خلة المتصادقين في الله، فإنها الخلة الباقية المزدادة قوّة إذا رأوا ثواب التحاب في الله تعالى والتباغض في الله. وقيل إِلَّا الْمُتَّقِينَ إلا المجتنبين أخلاء السوء. وقيل: نزلت في أبىّ بن خلف وعقبة ابن أبى معيط يا عِبادِ حكاية لما ينادى به المتقون المتحابون في الله يومئذ، والَّذِينَ آمَنُوا منصوب المحل صفة لعبادي، لأنه منادى مضاف، أى: الذين صدّقوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ مخلصين وجوههم لنا، جاعلين أنفسهم سالمة لطاعتنا. وقيل: إذا بعث الله الناس فزع كل أحد، فينادى مناد: يا عبادي فيرجوها الناس كلهم، ثم يتبعها الذين آمنوا فييأس الناس منها غير المسلمين.
وقرئ: يا عباد تُحْبَرُونَ تسرون سرورا يظهر حباره- أى: أثره- على وجوهكم، كقوله تعالى تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ وقال الزجاج: تكرمون إكراما يبالغ فيه. والحبرة:
المبالغة فيما وصف بجميل. والكوب: الكوز لا عروة له وَفِيها الضمير للجنة. وقرئ تشتهي وتشتهيه. وهذا حصر لأنواع النعم، لأنها إما مشتهاة في القلوب، وإما مستلذة في العيون.
وَتِلْكَ إشارة إلى الجنة المذكورة. وهي مبتدأ، والْجَنَّةُ خبر. والَّتِي أُورِثْتُمُوها صفة الجنة. أو الجنة صفة للمبتدإ الذي هو اسم الإشارة. والتي أورثتموها: خبر المبتدإ. أو التي أورثتموها: صفة، وبِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الخبر، والباء تتعلق بمحذوف كما في الظروف التي تقع أخبار. وفي الوجه الأول تتعلق بأورثتموها. وشبهت في بقائها على أهلها بالميراث الباقي على الورثة. وقرئ: ورّثتموها مِنْها تَأْكُلُونَ من للتبعيض، أى: لا تأكلون إلا بعضها، وأعقابها باقية في شجرها، فهي مزينة بالثمار أبدا موقرة بها، لا ترى شجرة عريانة من ثمرها كما في الدنيا. وعن النبي ﷺ «لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها «١» إلا نبت مكانها مثلاها «٢»
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٧٤ الى ٧٨]
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨)

(١). قوله «من ثمرها إلا نبت مكانها» في الخازن: ورد في الحديث «أنه لا ينزع أحد في الجنة من ثمرها ثمرة إلا نبت مكانها مثلاها». (ع)
(٢). أخرجه البزار عن ثوبان. وقد تقدم في البقرة.

صفحة رقم 263

لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ لا يخفف ولا ينقص، من قولهم: فترت عنه الحمى إذا سكنت عنه قليلا ونقص حرّها. والمبلس: اليائس الساكت سكوت يأس من فرج. وعن الضحاك: يجعل المجرم في تابوت من نار ثم يردم عليه فيبقى فيه خالدا: لا يرى ولا يرى هُمْ فصل عند البصريين، عماد عند الكوفيين. وقرئ: وهم فيها، أى: في النار «١» وقرأ على وابن مسعود رضى الله عنهما: يا مال، بحذف الكاف للترخيم، كقول القائل:
والحق يا مال غير ما تصف «٢»
وقيل لابن عباس: إن ابن مسعود قرأ: ونادوا يا مال، فقال: ما أشغل أهل النار عن الترخيم «٣».
وعن بعضهم: حسن الترخيم أنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وعظم ما هم فيه. وقرأ أبو السرار الغنوي: يا مال، بالرفع كما يقال: يا حار «٤» لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ من قضى عليه إذا أمانه فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ والمعنى: سل ربك أن يقضى علينا. فإن قلت: كيف قال وَنادَوْا يا مالِكُ بعد ما وصفهم بالإبلاس؟ قلت: تلك أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة، فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتا لغلبة اليأس عليهم، وعلمهم أنه لا فرج لهم، ويغوّثون «٥» أوقاتا لشدّة ما بهم ماكِثُونَ لابثون. وفيه استهزاء. والمراد: خالدون. عن ابن عباس رضى الله عنهما: إنما يجيبهم بعد ألف سنة «٦». وعن النبي ﷺ «يلقى على أهل

(١). قوله «وقرئ وَهُمْ فِيهِ أى في النار» لعل تأخير الكلام على هذه القراءة عن الكلام على الضمير السابق من تصرف الناسخ. لأنه مخالف لترتيب التلاوة. (ع)
(٢).
يحيى رفات العظام بالية والحق يا مال غير ما تصف
أى: يحيى الله المتفتت من العظام حال كونها بالية، يقال: رفته رفتا، إذا فتته. والرفات: اسم منه كالفتات، قال: والحق غير ما تذكره يا مالك، فرخمه بحذف الكاف، كأنه كان أخبره بموت أحد ثم ظهرت حياته.
(٣). لم أجده بإسناد. وفي البخاري عن يعلى بن أمية «أنه سمع النبي ﷺ يقرؤها كذلك».
(٤). قوله «كما يقال يا حار» في نداء حارث. (ع) [.....]
(٥). قوله «ويغوثون» في الصحاح «غوث الرجل» : قال وا غوثاه. (ع)
(٦). أخرجه الحاكم من رواية سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله وَنادَوْا يا مالِكُ قال: مكث عنهم ألف سنة ثم يقول: إنكم ماكثون، وروى الترمذي من رواية قطبة بن عبد العزيز عن الأعمش عن سمرة بن عطية عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» يلقى على أهل النار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون. فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع- الحديث: وفيه قال الأعمش بين أن ينزل عليهم وإجابة مالك ألف عام» وقال الترمذي: قطبة ثقة.
وبعض أهل الحديث كان يرفع هذا. وهذا أخرجه الطيراني والبيهقي في الشعب ورواه الطبري من رواية شريك عن الأعمش موقوف ولم يفصل الكلام الأخير. ثم رواه من طريق قطبة مرفوعا، ولم يفعل أيضا.

صفحة رقم 264
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية