آيات من القرآن الكريم

لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ

وسأله رجل، فقال: يا رسول الله، هل في الجنة من إبل؟ قال: إن يدخلك الله الجنة، يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذّت عينك».
٦- إن الظفر بنعيم الجنة يكون بسبب العمل الصالح في الدنيا.
٧- في الجنة ألوان كثيرة من الفواكه المختلفة والثمار الطيبة كلها، رطبها ويابسها، سوى الطعام والشراب، يأكل أهلها منها، دون انقطاع ولا فناء، وهذا تعويض لمن حرم منها في الدنيا، وتكميل للرغبة، وتقوية لدواعي العمل المؤدي إليها.
عذاب أهل النار وأسبابه
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٧٤ الى ٨٠]
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨)
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠)
الإعراب:
فِي عَذابِ جَهَنَّمَ، خالِدُونَ خبران ل إِنَّ أو خالِدُونَ خبر، والظرف متعلق به.
البلاغة:
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ التفات من الخطاب في قوله: لَقَدْ جِئْناكُمْ إلى الغيبة للإشعار بأن الإبرام أسوأ من كراهتهم للحق.

صفحة رقم 187

أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بين السر والنجوى طباق، أي الخفاء والعلانية.
المفردات اللغوية:
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ ذوي الجريمة الكبرى وهم الكفار الذين هم جعلوا في مقابل المؤمنين بالآيات لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ لا يخفف عنهم، بجعل العذاب متقطعا على فترات مُبْلِسُونَ آيسون من النجاة، حزينون من شدة اليأس، من الإبلاس وهو الحزن الناشئ من شدة اليأس، ويصاحبه عادة سكوت.
مالِكُ خازن النار لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ ليمتنا، أي سل ربك أن يقضي علينا، من قضى عليه إذا أماته ماكِثُونَ مقيمون في العذاب دائما، لا خلاص لكم بموت ولا غيره لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ قال تعالى: لقد جئناكم يا أهل مكة بالحق الثابت على لسان الرسول أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً بل أحكموا تدبير أمر في كيد النبي محمد وتكذيب الحق ورده، ولم يقتصروا على كراهيته فَإِنَّا مُبْرِمُونَ محكمون كيدنا في إهلاكهم ومجازاتهم.
سِرَّهُمْ حديث الخفية مع النفس أو الغير في مكان وَنَجْواهُمْ تناجيهم فيما بينهم وهو ما يجهرون به بينهم بَلى نسمع ذلك وَرُسُلُنا والحفظة لَدَيْهِمْ عندهم، ملازمون يَكْتُبُونَ ذلك.
سبب النزول:
نزول الآية (٧٩) :
أَمْ أَبْرَمُوا.. قال مقاتل: نزلت في تدبيرهم في المكر به- بالنبي صلّى الله عليه وسلّم- في دار الندوة.
نزول الآية (٨٠) :
أَمْ يَحْسَبُونَ..: أخرج ابن جرير الطبري عن محمد بن كعب القرظي قال: بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها: قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، فقال واحد منهم، ترون الله يسمع كلامنا؟ فقال آخر: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع، فأنزلت: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ... الآية.

صفحة رقم 188

المناسبة:
لما ذكر اللَّه تعالى أحوال أهل الجنة ذكر أحوال أهل النار أيضا، ليبين فضل المطيع على العاصي، ولما ذكر تعالى الوعد، أردفه بالوعيد، على الترتيب المستمر في القرآن، فبعد أن ذكر ما أعد لأهل الجنة المتقين من ألوان النعيم، ذكر ما أعد لأهل النار الكفار من العذاب الأليم وأسبابه وهي الكفر والمعاصي، مع إحباط مكائدهم ومؤامراتهم لرد الحق المنزل، وإعلامهم بأن اللَّه عليم بذلك، والحفظة الملازمون لهم يكتبون كل ما بدر منهم من قول أو فعل، ليكون عنصر إثبات وحجة عليهم.
التفسير والبيان:
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ أي إن الذين ارتكبوا الكفر بالله في دار الدنيا هم معذبون في عذاب النار، عذابا دائما، مخلّدون فيه أبدا.
لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ، وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ لا يخفف عنهم ذلك العذاب فترة أو لحظة ليستريحوا منه، وهم آيسون من النجاة ومن كل خير، حزينون أشد الحزن.
وسببه ما اقترفوا في الدنيا كما قال تعالى:
وَما ظَلَمْناهُمْ، وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ أي ما عذبناهم بغير ذنب، ولا زدناهم على ما يستحقونه، ولكنهم ظلموا أنفسهم بما ارتكبوا من الذنوب، وبما عملوا من الأعمال السيئة، حيث كفروا بالله ربهم، وكذبوا رسله وعصوا ما جاؤوا به، فجوزوا بذلك جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد.
وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ: إِنَّكُمْ ماكِثُونَ أي ونادى المجرمون للتخلص مما هم فيه من العذاب الشديد: يا مالك- وهو خازن النار-

صفحة رقم 189

ليمتنا اللَّه أو ليقبض أرواحنا، فيريحنا مما نحن فيه من العذاب، فأجابهم بقوله:
إنكم مقيمون في العذاب، لا خروج لكم من النار، ولا محيد لكم عنها. قال المحققون: سمي خازن النار مالكا، لأن الملك علقة، والتعلق من أسباب دخول النار، كما سمي خازن الجنة رضوانا، لأن الرضا بحكم اللَّه سبب كل راحة وسعادة، وصلاح وفلاح.
وذلك كقوله تعالى: لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها [فاطر ٣٥/ ٣٦] وقوله سبحانه: وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى، الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى، ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى [الأعلى ٨٧/ ١١- ١٣]. وقد روي أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، وسألوهم أن يخفف عنهم ربهم يوما واحدا من العذاب، فردت الخزنة عليهم أسوأ رد: وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ: ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ. قالُوا: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ، قالُوا: بَلى، قالُوا فَادْعُوا، وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [غافر ٤٠/ ٤٩- ٥٠].
ثم ذكر اللَّه تعالى سبب عقابهم قائلا:
لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ، وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ أي لقد بينا لكم الحق ووضحناه وفسرناه، وأرسلنا إليكم الرسل، وأنزلنا عليهم الكتب، فدعوكم إلى الصراط المستقيم، فأبيتم وكذبتم وكفرتم وعاندتم، وكان أكثركم أي كلكم كارهين للحق وأهله لا يقبلونه.
ولما ذكر اللَّه تعالى كيفية عذابهم في الآخرة ذكر بعده كيفية مكرهم وفسادهم في الدنيا، فقال بطريق الالتفات عن الخطاب إلى الغيبة لبيان كون تدبيرهم أسوأ من كراهتهم للحق:
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أي بل دبّر مشركو مكة بإحكام كيدا للنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في دار الندوة بمكة ليقتلوه أو يحبسوه أو يطردوه، والمعنى أنهم كلما

صفحة رقم 190

أحكموا أمرا في المكر بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإنا نحكم أمرا في مجازاتهم، وإنا محكمون لهم كيدا، أي نبيّت لهم جزاء وعقابا شديدا، كما قال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل ٢٧/ ٥٠] وقال سبحانه: أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً، فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ [الطور ٥٢/ ٤٢] وكل من الكيد والمكر يراد به العقاب من اللَّه تعالى، جزاء على تحايلهم في رد الحق بالباطل، ورد وبال ذلك عليهم، وإحباطه، ولهذا قال تعالى:
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ، بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ أي بل أيظنون أننا لا نسمع سرهم وعلانيتهم، سواء ما يضمرونه من شر وسوء وكيد، أو ما يتناجون به فيما بينهم علانية لحبك المؤامرة، والتخطيط لإنفاذها؟ بلى، نحن نسمع ذلك ونعلم به تماما، والملائكة الحفظة أيضا يكتبون جميع ما يصدر عنهم من قول أو فعل، صغير أو كبير: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ، ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق ٥٠/ ١٧- ١٨].
قال يحيى بن معاذ: من ستر من الناس ذنوبه وأبداها للذي لا يخفى عليه شيء في السموات، فقد جعله أهون الناظرين إليه، وهو من علامات النفاق.
فقه الحياة أو الأحكام:
أبانت الآيات ما يأتي:
١- إن جزاء الكفار الذين لم يؤمنوا بوجود اللَّه ووحدانيته، ولم يصدقوا بالرسل والكتب الإلهية هو نار جهنم. وقد وصفهم اللَّه تعالى بصفة المجرمين.
٢- وصف تعالى عذاب جهنم بثلاث صفات: هي أولا- الخلود وهو في رأي الرازي: عبارة عن طول المكث، ولا يفيد الدوم، وثانيا- عدم التخفيف من العذاب، وثالثا- الإياس من الرحمة أو السكوت سكوت يأس.

صفحة رقم 191

٣- لا ظلم للكفار بالعذاب يوم القيامة، ولكنهم هم الظالمون لأنفسهم بالشرك، وإن أعظم جريمة في حق اللَّه هي الشرك به، لذا قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء ٤/ ٤٨].
٤- يطلب الكفار من مالك خازن جهنم أن يتخلصوا من العذاب بالموت الأبدي، وهم بالرغم من أنهم عالمون بأنه لا خلاص لهم عن ذلك العقاب، طلبوا ذلك إما على سبيل التمني أو على وجه الاستغاثة، وكلا الأمرين تعبير عن الحيرة والقلق والاضطراب ونحوها مما يفعله اليائس المتخبط في أحواله كلها، فأجيبوا بأنهم مقيمون على الدوام في نار جهنم.
ويذكر المفسرون أن بين سؤالهم هذا وبين جوابهم ثمانين سنة، أو ألف سنة، أو مائة سنة، أو أربعين سنة، الأول قول عبد اللَّه بن المبارك، والثاني قول الأعمش، والثالث قول ابن عباس، والرابع قول عبد اللَّه بن عمرو «١». وكل ذلك يحتاج لدليل أوثق وأثبت، ونفوض العلم فيه إلى اللَّه تعالى.
٥- إن سبب عقاب الكفار أن اللَّه تعالى جاءهم بالحق فلم يقبلوا، وكلهم نافر من محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن القرآن، شديد البغض لقبول الدين الحق، وهو الإسلام ودين اللَّه تعالى.
٦- أحبط اللَّه كل مؤامرات الكفار على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأن اللَّه عاصمه من الناس، قال مقاتل- كما تقدم-: نزلت آية أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ في تدبيرهم بالمكر بالنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في دار النّدوة، حين استقر أمرهم على ما أشار به أبو جهل عليهم أن يبرز من كل قبيلة رجل، ليشتركوا في قتله، فتضعف المطالبة بدمه، فنزلت الآية «٢».

(١) تفسير القرطبي: ١٦/ ١١٧
(٢) المرجع السابق: ١٦/ ١١٨.

صفحة رقم 192
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية