
كنتم تعملون سببية أي بسبب أعمالكم الصالحة التي زكت نفوسكم وطهرت أرواحكم فاستوجبتم دخول الجنة وإرث منازلها.
وقوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ (١) مِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ أي يقال لهم هذا إكراما لهم وإسعاداً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- كل خلة يوم القيامة تنقطع إلا خلة كانت في الله ولله سبحانه وتعالى، ولذا ينبغي أن تكون المودة في الدنيا لله لا لغيره تعالى.
٢- بيان فضل التقوى وشرف المتقين الذين يتقون الشرك والمعاصي.
٣- بيان أن الرجل يجمع الله بينه وبين زوجته المسلمة في الجنة.
٤- بيان نعيم أهل الجنة من طعام وشراب وسائر المستلذات.
٥- الإيمان والعمل الصالح سبب في دخول الجنة كما أن الشرك والمعاصي سبب في دخول النار.
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠)
شرح الكلمات:
إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون: أي إن الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي في جهنم خالدون لا يخرجون ولا يموتون.
لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون: أي لا يخفف عنهم العذاب وهم فيه ساكتون سكوت يأس.

ونادوا يا ملك ليقض علينا ربك: أي نادوا مالكاً خازن النار قائلين له ليمتنا ربك.
قال إنكم ماكثون: أي أجابهم بعد ألف سنة مضت على دعوتهم بقوله إنكم ما كثون أي مقيمون في عذاب جهنم دائما.
لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون: أي علة بقائكم أنا جئناكم بالحق على لسان رسولنا والحق التوحيد وعبادة الله بما شرع فكره أكثركم الحق.
أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون: أي أحكموا في الكيد للنبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنا محكمون كيدنا في إهلاكهم.
ورسلنا لديهم يكتبون: أي وملائكتنا من الحفظة يكتبون ما يسرون وما يعلنون.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى الجنة ونعيمها ذكر في هذه الآيات النار وعذابها وهذا هو الترغيب والترهيب الذي امتاز به أسلوب القرآن في الدعوة إلى الله تعالى وهداية الخلق إلى الإصلاح قال تعالى ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ (١) ﴾ أي الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك والمعاصي هؤلاء في عذاب جهنم خالدون، لا يفتر عنهم العذاب أي لا يخفف وهم فيه أي في العذاب مبلسون أي ساكتون آيسون قانطون. وقال تعالى ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ﴾ في تعذيبنا لهم بهذا العذاب ولكن كانوا هم الظالمين، حيث داسوا أنفسهم بالشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا (٢) رَبُّكَ﴾ يخبر تعالى أن أصحاب ذلك العذاب الدائم الذي لا يفتر فيخفف نادوا مالكاً خازن النار وقالوا له ليمتنا ربك فنستريح من العذاب فأجابهم مالك بعد ألف (٣) سنة قائلاً قال أي ربي إنكم ماكثون أي في عذاب جهنم، وعلل لهذا الحكم بالمكث أبداً فقال: ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ﴾ أي أرسلنا إليكم رسولنا بالحق يدعوكم إليه وهو الإيمان والعمل الصالح المزكي للنفوس فكره أكثركم (٤) ذلك فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحاً مؤثرين شهوات الدنيا على الآخرة فمتم على الشرك والكفر فهذا جزاء الكافرين.
٢- قال ابن مسعود وأبو الدرداء قرأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ونادوا يا مال أي رخم الاسم المنادى بحذف الحرف الأخير منه وهو شائع في كلام العرب فيقال في مالك مال وفي حارث يا حار وفي فاطمة فاطم قال الشاعر:
يا حار لا أرثين منكم بداهية
لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك
وقال آخر:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
٣- روى هذا الترمذي وهناك رواية أخرى في ذكر المدة التي يجابون بعدها.
٤- الذين كرهوا الحق هم الرؤساء حفاظاً على مراكزهم وأما الأتباع فلم يكرهوا الحق ولكن اتبعوا الرؤساء فماتوا على الشرك والكفر فدخلوا النار معهم.

وقوله تعالى: ﴿أَمْ أَبْرَمُوا (١) أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾ أي بل أبرم هؤلاء المشركون أمراً يكيدون فيه للرسول ودعوته فإن فعلوا ذلك فإنا مبرمون أي محكمون أمراً مضاف لهم بتعذيبهم وإبطال ما أحكموه من الكيد للرسول ودعوته. وقوله: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى﴾ نسمع ذلك ورسلنا وهم الحفظة لديهم يكتبون ما يقولون سراً وجهراً. روي أن ثلاثة نفر قالوا وهم تحت أستار الكعبة فقال أحدهم أترون أن الله يسمع كلامنا؟ فقال أحدهم إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع وقال الثاني إن كان يسمع إذا أعلنتم فإنه يسمع إذا أسررتم فنزلت ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ (٢) وَنَجْوَاهُمْ﴾ أي نسمع سرهم ونجواهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان عقوبة الإجرام على النفس بالشرك والمعاصي.
٢- عذاب الآخرة لا يطاق ولا يقادر قدره يدل عليه طلبهم الموت ليستريحوا منه وما هم بميتين.
٣- أكبر عامل من عوامل كراهية الحق حب الدنيا والشهوات البهيمية في الأكل والشرب والنكاح هذه التي تكرّه إلى صاحبها الدين وشرائعه التي قد تقيد من الإسراف في ذلك.
قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥)
٢- السر: ما يسرونه في أنفسهم من وسائل المكر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبالنجوى ما يتناجون به بينهم في ذلك بحديث خفي.