آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

الله موصوفين بالصمم والعمى، لكونهم في ضلال مبين. ولم يقدّر هؤلاء المغترون بالدنيا من عرب قريش منزلة القرآن الكريم الذي هو سبب لرفعة النبي وقومه. وتخليد سمعتهم، ولسوف يحاسبهم الله تعالى عن إهمال القرآن، وترك التوحيد وعبادة الله.
والدعوة إلى كلمة التوحيد ونبذ عبادة الأصنام ليست مختصة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، بل كل الأنبياء والرسل كانوا مجتمعين على إنكار الوثنية وعبادة الأصنام، وقد حذّر القرآن الكريم هؤلاء وأمثالهم من عاقبة الإعراض عن دينه، فقال الله تعالى:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٦ الى ٤٥]
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠)
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)
«١» «٢» «٣» [الزخرف: ٤٣/ ٣٦- ٤٥].
آية وَمَنْ يَعْشُ نزلت- كما أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي- في قريش قالوا: قيّضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلا يأخذه، فقيّضوا لأبي بكر طلحة بن عبيد الله، فأتاه وهو في القوة، فقال أبو بكر: إلام تدعوني؟ قال: أدعوك إلى عبادة اللات والعزى، قال أبو بكر: وما اللات؟ قال: ربنا، قال: وما العزى؟
قال: بنات الله، قال أبو بكر: فمن أمهم؟ فسكت طلحة فلم يجبه، فقال طلحة لأصحابه: أجيبوا الرجل، فسكت القوم، فقال طلحة: قم يا أبا بكر، أشهد أن لا

(١) يتغافل ويتعام، وذكر الرحمن: مصدر مضاف إلى الفاعل.
(٢) أي إن الشياطين يصدون الغاشين عن طريق الهدى.
(٣) أي تبين أنكم ظلمتم أنفسكم ولن ينفعكم أنكم في العذاب مشتركون.

صفحة رقم 2364

إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فأنزل الله هذه الآية: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ.. الآية.
والمعنى: من يتغافل أو يتعام عن النظر في القرآن في القرآن والعمل به، ومن يعرض عن شرع الله تعالى، ويقلّ نظره في تذكير الرحمن الذي ذكّر به عباده، نيسر له شيطانا يلازمه ويغويه، فيكون له قرينا مصاحبا له على الدوام، أي إن هذا عقاب على الكفر بالطبع على القلب وعدم الفلاح، وهذا كما يقال: إن الله تعالى يعاقب على المعصية بالتزيد في المعاصي، ويجازي على الحسنات بالتزيّد في الحسنات، وقد روي هذا المعنى مرفوعا، ونقيض له شيطانا: نهيّئ ونضم ونيسر له.
وإن الشياطين الذين يقيضهم الله تعالى لكل معرض عن ذكر الرحمن، ليمنعونهم بالوسواس عن سبيل الحق والرشاد، ويحسب الكفار بسبب تلك الوسوسة أنهم مهتدون إلى الحق والصواب.
ثم يتبرأ الكافر في الآخرة من قرينه الشيطان، فإنه إذا وافى الله يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به، ويتمنى البعد عنه كما بين المشرق والمغرب، فبئس الصاحب الملازم للإنسان شيطانه.
ويقال للكافرين في الآخرة توبيخا: لن ينفعكم في هذا اليوم شيء، إذ تبين أنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا، ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب، أي لن يفيدكم مواساة الآخرين في أنكم وهم متساوون في العذاب، إذ التأسي أو المواساة راحة لكل مصاب في الدنيا في الأغلب، فهي أي المواساة تخفف ألم المصابين.
ثم أخبر الله نبيه مواساة له أن دعوته لا تؤثر في قلوب قومه، بالاستفهام، فقال له: أتستطيع أيها الرسول إسماع الصمّ والعمي والغارقين في ضلال واضح؟ وهذه أوصاف ثلاثة بعد وصفهم بالعشا، أي التعامي عن القرآن.

صفحة رقم 2365

واقتضى هذا الإعراض تهديدهم بالانتقام، فإذا أمتناك أيها الرسول قبل نزول العذاب بهم، فإننا منتقمون منهم في الدنيا أو في الآخرة، وإن أبصرناك الذي وعدناهم به من العذاب قبل موتك، فنحن قادرون عليه أيضا، ومتى شئنا عذبناهم.
فتمسك أيها الرسول بالقرآن الذي أوحينا لك به، فإنك على الطريق القويم، والمنهج السليم، الذي يوصلك إلى سعادة الدنيا، ونجاة الآخرة وعزها.
ومنزلة القرآن الكريم عظيمة جدا لك ولقومك، فإنه لشرف عظيم لك ولقريش وللعرب قاطبة، لنزوله بلغتهم العربية، وسوف تسألون عن هذا القرآن، كيف عملتم به؟ كما جاء في آية أخرى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الأنبياء: ٢١/ ١٠] أي شرفكم وسمعتكم العالية.
ثم أفاد الله تعالى أن الدعوة إلى توحيد الله وترك الشرك أمر قديم فاسأل سلالات من أرسلنا قبلك من الرسل: هل أذن الله بعبادة الأوثان في ملة من الملل؟ فجميع الرسل دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام، ولم يجعل الله آلهة معبودة من دون الرحمن.
الاعتبار بقصة موسى عليه السّلام
أنكر الله تعالى في آيات سابقة على المشركين جعلهم الثروة أساس اختيار الأنبياء، وضرب لهم مثلا حسيا بفرعون الذي قال: إنني غني كثير المال والجاه، وكان جدال موسى عليه السّلام له مفحما، ومعجزاته مبطلة لكل إفك فرعون. وأظهر القرآن الكريم مدى تأثير سلطة فرعون على قومه، فإنه استخف عقولهم حينما دعاهم إلى تكذيب موسى عليه السّلام، فأطاعوه لضلالهم، فانتقم الله تعالى منهم أشد

صفحة رقم 2366
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية