آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

هذا المعنى قول النبي عليه السلام: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» ثم يتركب معنى الآية على معنى هذا الحديث. واللام في قوله: لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لام الملك.
واللام في قوله: لِبُيُوتِهِمْ لام تخصيص، كما تقول: هذا الكساء لزيد لدابته، أي هو لدابته حلس ولزيد ملك. قال المهدوي: ودلت هذه الآية على أن السقف لرب البيت الأسفل لا لصاحب العلو، إذ هو منسوب إلى البيوت، وهذا تفقه واهن.
وقرأ جمهور القراء: «سقفا» بضم السين والقاف. وقرأ مجاهد: «سقفا» بضم السين وسكون القاف على الإفراد.
والمعارج: الأدراج التي يطلع عليها، قاله ابن عباس وقتادة والناس. وقرأ طلحة: «معاريج» بزيادة ياء. و: يَظْهَرُونَ معناه يعلون، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها: والشمس في حجرتها لم تظهر.
والسرر: جمع سرير.
واختلف الناس في الزخرف، فقال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي: الزخرف: الذهب نفسه وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: «إياكم والحمزة فإنها من أحب الزينة إلى الشيطان».
قال القاضي أبو محمد: الحسن أحمر، والشهوات تتبعه.
وقال ابن زيد: الزخرف: أثاث البيت وما يتخذ له من الستور والنمارق ونحوه. وقالت فرقة:
الزخرف: التزاويق والنقش ونحوه من التزيين وشاهد هذا القول: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ [يونس: ٢٤].
وقرأ جمهور القراء: «وإن كل ذلك لما» بتخفيف الميم من «لما» ف «إن» مخففة من الثقيلة، واللام في: «لما» داخلة لتفصل بين النفي والإيجاب. وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه، والحسن وطلحة والأعمش وعيسى: «لمّا متاع» بتشديد الميم من «لمّا» فإن «لمّا» نافية بمعنى ما. ولَمَّا: بمعنى: إلا، وقد حكى سيبويه نشدتك الله لما فعلت، وحمله على إلا. وفي مصحف أبي بن كعب: «وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا». وقرأ أبو رجاء: «لما» بكسر اللام وتخفيف، الميم، ف «ما» بمعنى الذي، والعائد عليها محذوف، والتقدير: وإن كل ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا.
وفي قوله تعالى: وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ وعد كريم وتحريض على التقوى، إذ في الآخرة هو التباين في المنازل.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)
مَنْ في قوله: وَمَنْ يَعْشُ شرطية، وعشى يعشو، معناه: قل الإبصار منه كالذي يعتري في

صفحة رقم 54

الليل، وكذلك هو الأعشى من الرجال، ويقال أيضا: عشى الرجل يعشي عشاء إذا فسد بصره فلم ير، أو لم ير إلا قليلا.
وقرأ قتادة ويحيى بن سلام البصري: «ومن يعش» بفتح الشين، وهي من قولهم: عشى يعشي، والأكثر عشى يعشو، ومنه قول الشاعر [الحطيئة] :[الطويل]

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد
وفي شعر آخر [عبد الله بن الحر] :
تجد حطبا جزلا وجمرا تأججا وقرأ الأعمش: «ومن يعش عن الرحمن»، وسقط: ذِكْرِ.
فالمعنى في الآية: ومن يقل نظره في شرع الله ويغمض جفونه عن النظر في ذكر الرحمن، أي فيما ذكر به عباده، فالمصدر إلى الفاعل، نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً أي نيسر له ونعد، وهذا هو العقاب على الكفر بالحتم وعدم الفلاح، وهذا كما يقال: إن الله يعاقب على المعصية بالتزيد في المعاصي، ويجازي على الحسنة بالتزيد من الحسنات، وقد روي هذا المعنى مرفوعا.
وقرأ الجمهور: «نقيض» بالنون. وقرأ الأعمش: «يقيض»، بالياء «شيطانا»، أي يقيض الله. وقرأ ابن عباس: «يقيّض له شيطان»، بفتح الياء الثانية وشدها ورفع النون من «شيطان».
والضمير في قوله: وَإِنَّهُمْ عائد على الشياطين. وفي: «يصدونهم» على الكفار.
و: السَّبِيلِ هي سبيل الهدى والفوز. والضمير في: يَحْسَبُونَ للكفار.
وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر وأبو جعفر وشيبة وقتادة والزهري والجحدري: «حتى إذا جاءانا» على التثنية، يريد العاشي والقرين، قاله سعيد الجريري وقتادة. وقرأ أبو عمرو والحسن وابن محيصن والأعرج وعيسى والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي: «جاءنا» يريد العاشي وحده. وفاعل: قالَ هو العاشي.
وقوله: بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ يحتمل ثلاثة معان، أحدهما: أن يريد بعد المشرق من المغرب، فسماهما مشرقين، كما يقال: القمران والعمران، قال الفرزدق:
لما قمراها والنجوم الطوالع والثاني: أن يريد مشرق الشمس في أطول يوم، ومشرقها في أقصر يوم، فكأنه أخذ نهايتي المشارق. والثالث: أن يريد بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ من المغربين، فاكتفى بذكر الْمَشْرِقَيْنِ.
وقوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ الآية حكاية عن مقالة تقال لهم يوم القيامة، وهي مقالة موحشة حرمتهم روح التأسي، لأنه يوقفهم بها على أنهم لا ينفعهم التأسي، وذلك لعظم المصيبة وطول العذاب واستمرار مدته، إذ التأسي راحة كل شيء في الدنيا في الأغلب، ألا ترى إلى قول الخنساء: [الوافر]

صفحة رقم 55
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية