آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ، أَيْ يُعْرِضُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يَخَفْ عِقَابَهُ، وَلَمْ يَرْجُ ثَوَابَهُ، يُقَالُ: عشوت إلى النار أعشوا عَشْوًا، إِذَا قَصَدْتُهَا مُهْتَدِيًا بِهَا، وَعَشَوْتُ عَنْهَا أَعْرَضْتُ عَنْهَا، كَمَا يَقُولُ: عَدَلْتُ إِلَى فُلَانٍ وَعَدَلْتُ عَنْهُ وَمِلْتُ إِلَيْهِ وَمِلْتُ عَنْهُ.
قال القرظي: يول ظَهْرَهُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ الْقُرْآنُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: يَظْلِمُ بِصَرْفِ بَصَرِهِ عَنْهُ. قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: أَصْلُ الْعَشْوِ النَّظَرُ بِبَصَرٍ ضَعِيفٍ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَنْ يَعْشُ بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ يَعْمَ، يُقَالُ عَشَى يَعْشَى عشيا إِذَا عَمِيَ فَهُوَ أَعْشَى، وَامْرَأَةٌ عَشْوَاءُ. نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً، قَرَأَ يَعْقُوبُ: يُقَيِّضْ بِالْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِالنُّونِ، نُسَبِّبُ لَهُ شَيْطَانًا وَنَضُمُّهُ إِلَيْهِ وَنُسَلِّطُهُ عَلَيْهِ. فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، لَا يُفَارِقُهُ يُزَيِّنُ لَهُ الْعَمَى وَيُخَيِّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ عَلَى الْهُدَى.
وَإِنَّهُمْ، يَعْنِي الشَّيَاطِينَ، لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ، أَيْ لَيَمْنَعُونَهُمْ عَنِ الْهُدَى وجمع الكنانة لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فِي مَذْهَبٍ جَمْعٌ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ، وَيَحْسَبُ كُفَّارُ بَنِي آدَمَ أنهم على هدى.
حَتَّى إِذا جاءَنا، قَرَأَ أَهْلُ الْعِرَاقِ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ: جاءَنا عَلَى الْوَاحِدِ يَعْنُونَ الْكَافِرَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: جَاءَانَا، عَلَى التَّثْنِيَةِ يَعْنُونَ الكافر وقرينه قد جُعِلَا فِي سِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ. قالَ، الْكَافِرُ لِقَرِينِهِ الشَّيْطَانِ، يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ، أَيْ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَغَلَبَ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا يُقَالُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: الْقَمَرَانِ، وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: الْعُمَرَانِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمَشْرِقَيْنِ مَشْرِقَ الصَّيْفِ وَمَشْرِقَ الشِّتَاءِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: إِذَا بُعِثَ الْكَافِرُ زُوِّجَ بِقَرِينِهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ [١] فَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَصِيرَ إِلَى النَّارِ.
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ، فِي الْآخِرَةِ، إِذْ ظَلَمْتُمْ، أَشْرَكْتُمْ فِي الدُّنْيَا، أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ، يَعْنِي لَا يَنْفَعُكُمُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْعَذَابِ وَلَا يُخَفِّفُ الِاشْتِرَاكُ عنكم الْعَذَابِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكُفَّارِ وَالشَّيَاطِينِ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الِاعْتِذَارُ وَالنَّدَمُ الْيَوْمَ فَأَنْتُمْ وَقُرَنَاؤُكُمُ الْيَوْمَ مُشْتَرِكُونَ فِي الْعَذَابِ كَمَا كُنْتُمْ مُشْتَرِكِينَ فِي الدُّنْيَا فِي الكفر.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤٠ الى ٤٤]
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤)
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠)، يَعْنِي الْكَافِرِينَ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ لَا يُؤْمِنُونَ.
(١) في المطبوع «الشيطان» والمثبت عن ط والمخطوط.

صفحة رقم 161

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ، بِأَنْ نُمِيتَكَ قَبْلَ أَنْ نُعَذِّبَهُمْ، فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، بِالْقَتْلِ بَعْدَكَ.
أَوْ نُرِيَنَّكَ، فِي حَيَاتِكَ، الَّذِي وَعَدْناهُمْ، مِنَ الْعَذَابِ، فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ، قَادِرُونَ مَتَى شِئْنَا عَذَّبْنَاهُمْ وَأَرَادَ بِهِ مُشْرِكِي مَكَّةَ انْتَقَمَ مِنْهُمْ يَوْمَ بدر، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ:
عَنَى بِهِ أَهْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نقمة شديدة [عليهم] [١] فِي أُمَّتِهِ، فَأَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَذَهَبَ بِهِ وَلَمْ يُرِهْ فِي أُمَّتِهِ إِلَّا الَّذِي يَقَرُّ عَيْنَهُ، وَأَبْقَى النِّقْمَةَ بَعْدَهُ.
«١٨٨٤» وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ مَا يُصِيبُ أُمَّتَهُ بَعْدَهُ فما رؤي ضَاحِكًا مُنْبَسِطًا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ لنفسه.
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣).
وَإِنَّهُ، يَعْنِي القرآن، لَذِكْرٌ لَكَ، أي لَشَرَفٌ لَكَ، وَلِقَوْمِكَ، مِنْ قُرَيْشٍ، نَظِيرُهُ: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠]، أَيْ شَرَفُكُمْ، وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ، عَنْ حَقِّهِ وَأَدَاءِ شُكْرِهِ.
«١٨٨٥» رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سُئِلَ لِمَنْ هَذَا الْأَمْرُ بَعْدَكَ لَمْ يُخْبِرْ [٢] بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا سُئِلَ لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ: لِقُرَيْشٍ.
«١٨٨٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ [أَبِي] [٣] شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا علي بن الجعد أنا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ اثْنَانِ».
«١٨٨٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف ثنا

١٨٨٤- ضعيف. أخرجه الطبري ٣٠٨٧٢ عن قتادة مرسلا، فهو ضعيف.
١٨٨٥- لا أصل له. ذكره المصنف تعليقا، وراوية الضحاك هو جويبر بن سعيد ذاك المتروك، حيث روى تفسيرا كاملا عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وهو مصنوع، والضحاك لم يلق ابن عباس.
١٨٨٦- إسناده صحيح على شرط البخاري.
زيد هو ابن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
- وَهُوَ في «شرح السنة» ٣٧٤١ بهذا الإسناد.
- وهو في «الجعديات» ٢١٩٥ عن عاصم بن محمد به.
- أخرجه البخاري ٢١٩٥ و٧١٤٠ ومسلم ١٨٢٠ وأحمد ٢/ ٢٩ و٩٣ و١٢٨ وأبو يعلى ٥٥٨٩ وابن حبان ٦٢٦٦ و٦٦٥٥ والبيهقي في «السنن» ٨/ ١٤١ وفي «الدلائل» ٦/ ٥٢٠- ٥٢١ من طرق عن عاصم بن محمد به.
١٨٨٧- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو اليمان هو الحكم بن نافع، شعيب هو ابن دينار.
- وهو في «صحيح البخاري» ٣٥٠٠ و٧١٣٩ عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٤/ ٩٤ وابن أبي عاصم في «السنة» ١١١٢ من طريق بشر بن شعيب عن أبيه به.
- وأخرجه ابن أبي عاصم ١١١٣ من طريق نعيم بن حماد عن ابن الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ به.
- ونعيم بن حماد، ضعيف لكنه توبع.
- وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري ٣٤٩٥ ومسلم ١٨١٨ وأحمد ٢/ ١٦١ و٢٤٢ وابن حبان ٦٢٦٤ والبغوي في «شرح السنة» ٣٧٣٨ و٣٧٣٩.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «يجب» والمثبت عن المخطوط.
(٣) زيادة عن «شرح السنة» والمخطوط (أ).

صفحة رقم 162
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي -بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية