آيات من القرآن الكريم

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

يمتنعوا من العذاب لما أتاهم. فكذلك نصنع بقومك - على نقص قوتهم عمن تقدمهم - والتقدير: فأهلكنا أمماً أشد من قريش بطشاً، فقريش أحرى ألا يقدروا على الامتناع إذا حلت بهم العقوبة لضعفهم ونقص حالهم عمن تقدم.
ثم قال: ﴿ومضى مَثَلُ الأولين﴾، أي: ومضى لهؤلاء المشركين المستهزئين بك، يا محمد مثل (ما مضى للأمم) قبلهم من العقوبات إن أقاموا على شركهم وتكذيبهم لك. قال قتادة: ﴿مَثَلُ الأولين﴾: عقوبتنا لهم. وقال مجاهد: سنتنافيهم.
وقيل: " مثل " هنا، بمعنى: صفة، أي: صفتهم بأنهم أهلكوا على كفرهم.
قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض﴾ إلى قوله: ﴿لَكَفُورٌ مُّبِينٌ﴾.
أي: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك، من خلق السماوات

صفحة رقم 6630

والأرض؟ ﴿لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم﴾، أي: العزيز في انتقامه وسلطانه، العليم بكل شيء.
ثم قال تعالى: ﴿الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً﴾، أي بساطاً فسهل عليكم / التصرف فيها من بلد إلى بلد.
﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً﴾، أي: طرقاً.
﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾، أي: كي تهتدوا في تصرفكم بتلك الطرق فتتوجهوا حيث شئتم. ولولا ذلك (لم يطق) أحد برَاحاً من موضعه ومنشئه.
قوله: ﴿الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً﴾ ليس بمتصل بما قبله، لأن ما قبله من جواب المشركين - حكاه الله عنهم.
ولو اتصل بما قبله لكام: " الذي جعل لنا الأرض ".
لكن معناه: إن الله جل ذكره وصف نفسه بنعمه بعد جواب المشركين.
فثم إضمار " هو "، هو الذي جعل لكم الأرض مهاداً، ثم وصف نعمه -

صفحة رقم 6631

نعمةً (بعد نعمةٍ) - تنبيه وتقرير.
ثم قال تعالى: ﴿والذي نَزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ﴾، أي: مطر بمقدار الحاجة بكم إليه. ولم يجعله كالطوفان فيكون عذاباً بغرق، (ولا جعله) قليلاً (لا ينبت) به الزرع والنبات، ولكنه جعله بمقدار حاجتكم إليه.
وقوله تعالى: ﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾، أي: فأحيينا بذلك المطر بلداً لا نبات فيه ولا زرع فأنبت، فهو كالحياة له.
فكما أحيى الأرض بالمطر فأنبتت ولم يكن فيها نبات يحيي الموتى بالمطر فيخرجون من قبورهم (إلى ربهم).
وروى ابن مسعود أنه قال: يرسل الله جل ثناؤه ماء مثل مني الرجال، وليس شيء مما خلق الله من الأرض إلا وقد بقي منه شيء، فينبت بذلك الماء: الجسمان واللحوم، تنبت من (الثرى والمطر)، ثم قرأ ابن مسعود:

صفحة رقم 6632

﴿والذي نَزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ - إلى - ﴿تُخْرَجُونَ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿والذي خَلَقَ الأزواج كُلَّهَا﴾، أي: الأجناس والأصناف من الخلق.
وقيل: معنى خلق كل شيء فزوجه، بأن خلق الذكور من الإناث أزواجاً، وخلق الإناث من الذكور أزواجاً.
وواحد الأزواج على " فَعْل " وكان بابه أن يجمع على " أَفْعُلٌ " إلا أنهم استثقلوا الضمة في الواو فنقلوه إلى جمع " فعل " فجمعوه على " أفعال " (وبابه " أفعال ") فشبه فعلاً بفعل إذ عدد الحروف متساوية، وعلى ذلك (أيضاً شبهوا) " فَعَلاً " بـ " فَعْل " وجمعوه على " أَفْعُل " وبابه " أَفْعَال " قالوا: زَمَنٌ وَأَزْمُنٌ.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ﴾ يعني: السفن في البحر، والإبل والخيل والبغال والحمير في البر، تركبون ذلك حيث شئتم.

صفحة رقم 6633

ثم قال تعالى: ﴿لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ﴾، (أي: على ظهور) ما تركبون، فلذلك وحدت الهاء.
وقال الفراء: معناه: على ظهور هذا الجنس، فهو عنده بمنزلة " كَثُرَ الدِّرْهَمُ.
والأحسن أن تكون مردودة على لفظ " ما " في قوله: ﴿مَا تَرْكَبُونَ﴾ و " ما " مذكرة اللفظ موحدة. ومثله الهاء في قوله: ﴿إِذَا استويتم عَلَيْهِ﴾. وإنما أتى " ظهوره " بالجمع، لأنه رد على المعنى الواحد فيه بمعنى الجمع، ورجعت الهاء على " ما " على اللفظ.
وهذا نادر قدم فيه الحمل على المعنى (على الحمل على اللفظ وباب " من " و " ما " أن يقدم فيه الحمل على اللفظ قبل الحمل على المعنى) ونظيره قوله

صفحة رقم 6634

تعالى: ﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أزواجنا﴾ [الأنعام: ١٣٩] (فقدم الحمل على المعنى قبل الحمل على اللفظ. وهذا على قراءة من قرأ) خالصة بتاء التأنيث، ونظيره أيضاً: ﴿كُلُّ ذلك كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً﴾ [الإسراء: ١٣٩] فأنث " سيئة " حملاً على معنى " كل "، ثم قال: " مكروهاً " فذكَّر، حملاً على لفظ " كل ". وهو كله (نادر لم أجد) له نظيراً.
ثم قال تعالى: ﴿ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ﴾، أي: نعمة ربكم التي أنعم عليكم بها إذا سخر لكم ما تركبون في البر والبحر.
ثم قال: ﴿وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا﴾، أي: وتقولوا تنزيها لله (وبراءة له) من السوء الذي سخر لنا هذا الذي ركبناه.
قال قتادة: علمكم الله كيف تقولون إذا ركبتم الفلك: تقولون:

صفحة رقم 6635

﴿بِسْمِ الله مجراها وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [هود: ٤١]، وإذا ركبتم الإبل تقولون: ﴿سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾.
وعلمكم (ما تقولون) إذا نزلتم من الفلك والأنعام جميعاً، تقولون: اللهم انزلنا ﴿مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين﴾ [المؤمنون: ٢٩].
وكان طاوس إذا ركب يقول: اللهم هذا من فضلك ومنك ثم يقول: ﴿سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾.
ومعنى ﴿مُقْرِنِينَ﴾: مطيقين، قاله ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد، أي لم نطق على الانتفاع بهذه الأنعام إلا بك.
وحكى أهل اللغة: أقرن له، إذا أطاقه. وحكوا أنا مقرن لهذا أي: مطيق له.

صفحة رقم 6636

وقال أبو عبيدة، مقرنين: ضابطين له.
وحكى أنه يقال: فلان مقرن لفلان، أي: ضابط له ".
وقد روي عن علي بم أبي طالب رضي الله عنهـ أنه كان (إذا جعل رجله في الركاب يقول): بسم الله، فإذا استوى راكباً قال: الحمد لله، ثم يقول: ﴿سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ اللهم لا إله إلا أنت قد عملت سوءاً (وظلمت نفسي) فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ثم يقول: رأيت رسول الله ﷺ فعل كفعلي.
وقال مجاهد: من ركب ولم يقل: ﴿سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا...﴾ الآية، قال له الشيطان تَغَنَّهْ؛ فإن لم يحسن قاله تَمَنَّهْ.

صفحة رقم 6637

وقوله: ﴿وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾، أي: ويقولون أيضاً هذا. ومعناه: راجعون بعد الموت، مبعوثون.
وهذا كله في معنى الأمر بذكر نعم الله تعالى على خلقه وشكره عليها.
وقد قيل: إن التقدير: ليأمركم إذا استويتم على ظهوره أن تذكروا نعمته، وهو مثل قوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، أي: لأمرهم أن يعبدون، فقد أمرهم تعالى ذكره بذلك.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾، يعني: ما أضاف المشركون إلى الله جل ذكره من البنات تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
ومعنى ﴿وَجَعَلُواْ﴾ (ها هنا:) قالوا ووصفوا، وهو قولهم: الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى، قاله مجاهد والسدي.
قال قتادة: الجزء هنا: العدل، أي: جعل له المشركون عدلاً، وهي الأصنام.
وقال عطاء: جزءاً، أي: نصيباً، شريكاً وهو قول الضحاك والربيع بن أنس،

صفحة رقم 6638

وهو معنى قول ابن عباس. وقال زيد بن أسلم: هي الأصنام.
وذكر الزجاج أن الجزء هنا: البنات وأنشد:

إِن أَجْزَتْ (حُرَّةُ) يَوْماً فَلاَ عَجَبَ قَدْ (تُجْزِئُ الحُرَّةُ المِذْكَارُ أَحْيَاناً
أي: إن ولدت إناثاً.
وقال المبرد: الجزء: البنت.
وقوله تعالى بعد الآية: ﴿أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ [الزخرف: ١٦]، وقوله: {وَجَعَلُواْ الملائكة الذين

صفحة رقم 6639
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية