
وقراءة من قرأ السلام يدل على أن ما روي أنه كان رجل معه غنيمة لقيه سرية من المسلمين، فقال: السلام عليكم، وكانت جُنَّة لا يقتل من قالها، فقتل الرجل وأخذ ما معه.
وحجة من قرأ السلام ما روي أنه قال لهم: إني مسلم وما روي أنه قال: إني مسلم لا إله إلا الله.
قوله: ﴿[إِنَّ الله] كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ أي: خبيراً بما تصنعون في طلبكم الغنيمة، ولم تقبلوا منه ما قال لكم.
قوله: ﴿لاَّ يَسْتَوِي القاعدون مِنَ المؤمنين غَيْرُ أُوْلِي الضرر﴾ الآية.
من قرأ: غيرَ بالنصب فعلى الاستثناء بمعنى [إلا] أولي الضرر، فإنهم يستوون مع المجاهدين، ويجوز النصب على الحال بمعنى لا يستوي القاعدون في حال صحتهم.
ومن رفع على النعت للقاعدين بمعنى لا يستوي القاعدون الأصحاء عن

الجهاد يوم بدر والمجاهدون.
وقدره أبو إسحاق: ﴿لاَّ يَسْتَوِي القاعدون﴾ الذين هم ﴿غَيْرُ أُوْلِي الضرر﴾، وهو بمعنى [الصفة] التي ذكرنا وقرأه أبو حيوة غيرِ مخفوض على النعت للمؤمنين. وقال المبرد: هو بدل لأنه نكرة والأول معرفة.
﴿دَرَجَةً﴾ نصب على البدل من قوله ﴿أَجْراً﴾.
وقيل: إن فيه معنى التأكيد كما تقول علي ألف درهم عرفاً.
ومعنى الآية: لا يعتدل من جاهد في ذات الله، ومن قعد عن ذلك، إلا أن يكون القاعدون من أولي الضرر، فإنه يستوي مع المجاهد. هذا على قراءة النصب، والنصب في الآية أحسن لما روى البراء رضي الله عنهـ أن رسول الله ﷺ قال: " " إيتوني بكتف أو لوح فكتب " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون " وعمر بن أم مكتوم خلف

ظهره فقال: هل لي من رخصة يا رسول الله؟ فنزلت ﴿غَيْرُ أُوْلِي الضرر﴾ " على الاستثناء.
وقال زيد بن ثابت: املى علي رسول الله ﷺ.
﴿ لاَّ يَسْتَوِي القاعدون مِنَ المؤمنين غَيْرُ أُوْلِي الضرر والمجاهدون فِي سَبِيلِ الله﴾.
قال: فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت، قال: فأنزل الله عليه، وفخذه على فخذه، فثقلت حتى خشيت أن تسترض فخده [ثم] سرى عنه فقال: ﴿غَيْرُ أُوْلِي الضرر﴾.
وهذا في غزاة بدر، وقد قال ذلك عطاء وقتادة والسدي والزهري ذكروا أن الاستثناء نزل في ابن أم مكتوم.
قوله: ﴿فَضَّلَ الله المجاهدين بأموالهم وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القاعدين دَرَجَةً﴾، أي: فضيلة يريد القاعدين من أولى الضرر، فضل الله المجاهدين على القاعد للضرر درجة واحدة لجهاده بنفسه وماله ﴿وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى﴾ أي: المجاهد والقاعد من أولي الضرر، وعدهم الله الحسنى، وهي الجنة لأنهم كلهم مؤمنون.
وذكر الأموال في هذا الموضع، وتفضيل الذين ينفقونها في سبيل الله يدل على تفضيل الغنى على الفقر، وهو في القرآن كثير، فلا يستوي في الفضل من أعطاه الله

مالاً، فأنفقه في سبيله، ومن لم يعطه الله مالاً، فود لو كان معه مال فأنفقه في سبيل الله، لا يستوي [من نوى] ففعل، مع من نوى ولم يفعل، فقد أنفق عثمان رضي الله عنهـ على جيش العسرة وبان بفضل ذلك، وود أصحابه أن يقدروا على مثل فعله. وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أيسر من كثير من أصحاب رسول الله ﷺ.
وأجمع المسلمون أنهم أفضل ممن هو أفقر منهم في ذلك الوقت من الصحابة.
وحديث النبي ﷺ " إن فقراء أمتي يدخلون الجنة قبل اغنيائهم بنصف يوم من أيام الآخرة " معناه الفقراء من أصحاب النبي ﷺ يدخلون الجنة قبل الأغنياء من غير أصحاب محمد ﷺ لفضل الصحابة لا للفقر.
ويدل على ذلك ما " روي عن رسول الله ﷺ أنه سئل: من أول الناس وروداً الحوض؟ فقال: " نفر من المهاجرين الشعثة رؤوسهم الدنسة ثيابهم، الذين لا

تفتح لهم السدود، ولا ينكحون المتنعمات " ".
قوله: ﴿وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين أَجْراً عَظِيماً﴾ يعني: على القاعدين من المؤمنين من غير أولي الضرر.
وقوله: و " درجات منه " أي فضائل منه، ومنازل من منازل الكرامة.
وقال قتادة: الدرجات كان يقال: الإسلام درجة، والهجرة في الإسلام درجة، والجهاد في الإسلام درجة، والقتل في الجهاد درجة.
وقال [ابن] زيد: الدرجات التي فضل بها المجاهد على القاعد تسع، وهي التي ذكرها الله تعالى في براءة، قوله: ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكفار وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ [التوبة: ١٢٠]. فذلك خمسة، والسادسة والسابعة قوله تعالى: ﴿وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٢١].
وقيل الدرجات: سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد