آيات من القرآن الكريم

دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ

وغيره: «السَّلَمَ»، ومعناه: الاِستسلام، أي: ألقى بيده، واستسلَم لكُمْ، وأظهر دعوتكَم، وقرأ باقي السبعة: «السَّلاَمَ» (بالألف)، يريد: سلاَمَ ذلك المَقْتُولِ على السَّريَّة لأن سلامَهُ بتحيَّة الإسلام مُؤْذِنٌ بطاعَتِهِ، وانقياده، وفي بَعْضِ طرق عاصم: «السِّلْمَ» - بكسر السين المشدَّدة، وسكونِ اللامِ-، وهو الصُّلْح، والمعنَى المرادُ بهذه الثلاثةِ مُتَقَارِبٌ، وقرىء:
«لَسْتَ مُؤْمَناً» «١» - بفتح الميم- أي: لَسْنَا نُؤَمِّنُكَ.
وقوله تعالى: فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ: عِدَةٌ منه سبحانه بما يأْتِي به مِنْ فَضْله من الحلال دون ارتكاب محْظُورٍ، أي: فلا تتهافَتُوا.
واختلف في قوله: كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ.
فقال ابنُ جُبَيْرٍ: معناه: كذلكَ كُنْتُمْ مستخْفِينَ مِنْ قومكم بإسلامِكُمْ، فَمَنَّ اللَّه عليكم بإعزازِ دينِكم، وإظهارِ شَرِيعتكم، فَهُمُ الآنَ كذلك كلُّ واحدٍ منهم خَائِفٌ مِنْ قومه، متربِّصٌ أَنْ يَصِلَ إلَيْكم، فلم يصْلُحْ إذا وَصَل أنْ تَقْتُلُوه حتى تتبيَّنوا أَمْرَهُ «٢»، وقال ابنُ زَيْدٍ:
المعنى: كَذَلِكَ كُنْتُمْ كَفَرةً، فَمنَّ اللَّهُ علَيْكُمْ بِأنْ أسلَمْتُمْ، فلا تُنْكِرُوا أَنْ يكُونَ هو كافراً، ثم يسلم لِحِينه «٣»، ثم وَكَّد تبارَكَ وتعالى الوصيَّةَ بالتبيُّن، وأعلم أنَّه خبيرٌ بما يعمَلُه العبادُ، وذلك منه خَبَرٌ يتضمَّن تحذيراً منه سبحانه، أي: فاحفظوا أنْفُسَكم، وجَنِّبوا الزَّلَل المُوبِقَ لكم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٩٥ الى ٩٦]
لاَّ يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٩٦)

- ينظر: «السبعة» (٢٣٦)، و «الحجة» (٣/ ١٧٥، ١٧٦)، و «حجة القراءات» (٢٠٩)، و «العنوان» (٨٥)، و «إعراب القراءات» (١/ ١٣٦، ١٣٧)، و «شرح شعلة» (٣٤٣)، و «شرح الطيبة» (٤/ ٢١٣)، و «إتحاف» (١/ ٥١٨)، و «معاني القراءات» (١/ ٣١٥- ٣١٦).
(١) وقرأ بها محمد بن علي، وابن مسعود، وابن عباس.
ينظر: «الشواذ» ص (٣٤)، و «الكشاف» (١/ ٥٥٢)، ونسبها ابن عطية في المحرر (٢/ ٩٦) إلى أبي جعفر بن القعقاع، وأبي حمزة، واليماني، وزاد أبو حيان في «البحر» (٣/ ٣٤٢) نسبتها إلى عكرمة، وأبي العالية، ويحيى بن يعمر.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٢٨) وابن عطية في «تفسيره» (٢/ ٩٧)، والبغوي في «تفسيره» (٢/ ٤٦٧)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٣٥٩) وعزاه لعبد بن حميد عن قتادة. [.....]
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٢٨) (١٠٢٣٥) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٩٧).

صفحة رقم 282

وقوله تعالى: لاَّ يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ... الآية: في قوله تعالى: لاَ يَسْتَوِي إبهامٌ على السَّامعِ/، وهو أبْلَغُ من تحديدِ المَنْزِلَةِ التي بَيْنَ المجاهد والقاعِدِ، فالمتأمِّل يَمْشِي مع فِكْرته، ولا يَزَالُ يتخيَّل الدرَجَاتِ بينهما، والقاعدُونَ عبارةٌ عن المتخلِّفين.
قلْتُ: وخرج أبو بكر بن الخطيب بسنده، عن عليِّ بْنِ أبي طالب (رضي اللَّه عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ أَعْلاَهَا الحُلَلُ، ومِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ بُلْقٌ مِنْ ذَهَبٍ مُسَرَّجَةٌ مُلْجَمَةٌ بالدُّرِّ واليَاقُوت، لاَ تَرُوثُ، وَلاَ تَبُولُ، ذَوَاتُ أَجْنِحَةٍ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فتطِيرُ بِهِمْ حَيْثُ شَاءُوا، فَيَقُولُ الَّذِينَ أَسْفَلَ مِنْهُمْ: يأهْلَ الجَنَّة، ناصِفُونا، يا ربِّ، ما بَلَّغَ هؤلاءِ هذه الكرامَةَ؟! فَيَقُولُ اللَّه تعالى: إنهم كانُوا يَصُومُونَ، وكُنْتُمْ تُفْطِرُونَ، وَكَانُوا يقُومُونَ باللَّيْلِ وَكُنْتُمْ تَنَامُونَ، وَكَانُوا يُنْفِقُونَ، وَكُنْتُمْ تَبْخَلُونَ، وَكَانُوا يُجَاهِدُونَ العَدُوَّ وَكُنْتُمْ تَجْبُنُونَ» «١». انتهى.
وقرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو «٢» وحمزة: «غَيْرُ» - بالرفع- صفةً للقاعدين، وقرأ نافعٌ وغيره: «غَيْر» - بالنصب- استثناء من القاعدينَ، ورُوِيَ من غيرِ مَا طَرِيقٍ أنَّ الآية نزلَتْ:
«لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُجَاهِدُونَ»، فجاء ابنُ أمِّ مكتومٍ، حين سمعها، فقال:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ مِنْ رُخْصَةٍ، فَإنِّي ضَرِيرُ البَصَرِ، فَنَزَلَتْ عِنْدَ ذلك غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «٣»، ...

(١) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (١/ ٢٦٦- ٢٦٧) من طريق سعد بن طريف عن زيد بن علي عن أبيه عن علي بن أبي طالب مرفوعا.
ومن طريق الخطيب أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (٣/ ٢٥٥).
وقال: هذا حديث موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إحداهن: إرساله، فإن علي بن الحسين لم يدرك علي بن أبي طالب، والثانية: محمد بن مروان وهو السدي الكبير، قال ابن نمير: وهو كذاب، وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا اعتبارا. والثالثة: أظهر، وهو سعد بن طريف وهو المتهم به، قال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الفور.
(٢) ينظر: «السبعة» (٢٣٧)، و «الحجة» (٣/ ١٧٩)، وفيه ذكر رواية عن ابن كثير أنه قرأ بالنصب.
وينظر: «حجة القراءات» (٢١٠)، و «إعراب القراءات» (١/ ١٣٧)، و «العنوان» (٨٥)، و «معاني القراءات» (١/ ٣١٥- ٣١٦).
(٣) أخرجه البخاري (٦/ ٥٣) كتاب «الجهاد»، باب قول الله عز وجل: لاَّ يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ... ، حديث (٢٨٣١)، (٨/ ١٠٨) كتاب «التفسير»، باب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، حديث (٤٥٩٣)، (٤٥٩٤)، (٨/ ٦٣٨- ٦٣٩) كتاب «فضائل القرآن»، باب كاتب-

صفحة رقم 283

..

- النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حديث (٤٩٩٠)، ومسلم (٣/ ١٥٠٨) كتاب «الإمارة»، باب سقوط فرض الجهاد عن المعذورين، حديث (١٤١/ ١٨٩٨)، والترمذي (٥/ ٢٢٥) كتاب «التفسير»، باب سورة النساء، حديث (٣٠٣١)، والنسائي (٦/ ١٠) كتاب «الجهاد»، باب فضل المجاهدين على القاعدين، وأحمد (٤/ ٢٨٢، ٢٨٤، ٢٩٠)، والطيالسي (٢/ ١٧- منحة) برقم (١٩٤٣)، والطبري في «تفسيره» (٥/ ٢٢٩)، وأبو يعلى (٣/ ٢٦٩) برقم (١٧٢٥)، والواحدي في «أسباب النزول»، (ص ١٣١)، والبيهقي (٩/ ٢٣)، باب من اعتذر بالضعف والزمانة، كلهم من طريق أبي إسحاق عن البراء بن عازب به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
والحديث: ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٣٦١)، وزاد نسبته إلى ابن سعد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في «المصاحف»، والبغوي في مجمعه.
تنبيه: فات الإمام السيوطي في هذا الحديث أن يعزوه إلى مسلم وهو في صحيحه كما تقدم في أثناء التخريج.
وللحديث شواهد من حديث سهل بن سعد، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وزيد بن أرقم، والفلتان بن عاصم.
حديث سهل بن سعد:
أخرجه البخاري (٨/ ١٠٨) كتاب «التفسير»، باب (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله)، حديث (٤٥٩٢)، والترمذي (٥/ ٢٢٦) كتاب «التفسير»، باب سورة النساء، حديث (٣٠٣٣)، والنسائي (٦/ ٩) كتاب «الجهاد»، باب فضل المجاهدين على القاعدين، حديث (٣٠٩٩)، والبغوي في «شرح السنة» (٧/ ٨٧- بتحقيقنا) كلهم من طريق الزهري عن سهل بن سعد أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا: أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أملى عليه: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله)، فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي قال: يا رسول الله، والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت- وكان أعمى- فأنزل الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي، ثم سري عنه، فأنزل الله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح هكذا روى غير واحد عن الزهري عن سهل بن سعد نحو هذا، وروى معمر عن الزهري هذا الحديث عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت، وفي هذا الحديث رواية رجل من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن رجل من التابعين، رواه سهل بن سعد عن مروان بن الحكم، ومروان لم يسمع من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. اهـ.
حديث زيد بن ثابت:
أخرجه أبو داود (٢/ ١٤- ١٥) كتاب «الجهاد»، باب في الرخصة في القعود من العذر، حديث (٢٥٠٧)، وأحمد (٥/ ١٩٠- ١٩١)، والحاكم (٢/ ٨١- ٨٢)، والطبراني في «الكبير» (٥/ ١٣٢) برقم (٤٨٥١) كلهم من طريق أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت قال: كنت إلى جنب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فغشيته السكينة، فوقعت فخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، فما وجدت شيئا أثقل من فخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم سري عنه، فقال: اكتب فكتبت في كتف: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين-

صفحة رقم 284

قَالَ الفَلَتَانُ بْنُ عَاصِمٍ «١» (رضي اللَّه عنه) : كنّا قعودا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل علَيْه، وكان إذَا أُوحِيَ إلَيْهِ، دَامَ بَصَرُهُ مَفْتُوحَةً عَيْنَاهُ، وفَرَّغَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ لِمَا يَأْتِيهِ مِنَ اللَّهِ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لِلْكَاتِبِ: اكتب: «لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُجَاهِدُونَ... » إلَى آخر الآية، قال: فقام الأعمى، فقَاَل: يا رسُولَ اللَّهِ، مَا ذَنْبُنَا؟ قَالَ:
فأنزلَ اللَّهُ على رسولِهِ، فقلْنا للأعمى: إنه يَنْزِلُ عليه، قال: فَخَافَ أنْ ينزلَ فيه شيْءٌ، فبقيَ قائماً مكانَهُ، يقولُ: أَتُوبُ إلى رسُولِ اللَّهِ، حتّى فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال للكاتب:

- والمجاهدون في سبيل الله) إلى آخر الآية، فقام ابن أم مكتوم- وكان رجلا أعمى- لما سمع فضيلة المجاهدين فقال: يا رسول الله، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ فلما قضى كلامه غشيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السكينة، فوقعت فخذه على فخذي، ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى، ثم سري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: اقرأ يا زيد، فقرأت: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ الآية كلها.
قاله زيد: فأنزلها الله وحدها فألحقتها، والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٣٦١)، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن سعد، وابن المنذر، وابن الأنباري.
حديث ابن عباس:
أخرجه الترمذي (٥/ ٢٢٥) كتاب «التفسير»، باب سورة النساء، حديث (٣٠٣٢)، والبيهقي (٩/ ٤٧) كتاب «السير»، باب النفير وما يستدل به على أن الجهاد فرض على الكفاية، كلاهما من طريق ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس أنه قال: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ عن بدر والخارجون إلى بدر، لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش، وابن أم مكتوم: إنا أعميان يا رسول الله فهل لنا رخصة؟ فنزلت: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر، وفضل الله المجاهدين على القاعدين درجة) فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس.
حديث زيد بن أرقم:
أخرجه الطبراني في «الكبير» (٥/ ١٩٠) برقم (٥٠٥٣) من طريق أبي إسحاق عن زيد بن أرقم قال: لما نزلت: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) جاء ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله، أما لي رخصة؟ قال: لا، قال ابن أم مكتوم: اللهم إني ضرير فرخص لي فأنزل الله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكتابتها.
وقال الهيثمي في «المجمع» (٧/ ١٢) : ورجاله ثقات.
(١) الفلتان: بفتحتين، ومثناة فوقانية، ابن عاصم الجرمي، خال كليب. يعدّ في الكوفيين. قال البخاريّ:
قال عاصم بن كليب: له صحبة، وكذا قال ابن السّكن، وابن أبي حاتم، وابن حبان- له صحبة، وقال البغوي: سكن المدينة. وقال ابن حبان: عداده في الكوفيين.
وقال أبو عمر: يقال المنقري، والجرمي أصح. ينظر: «الإصابة» (٥/ ٢٨٨- ٢٨٩).

صفحة رقم 285

اكتب: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «١»، وأهْلُ الضررِ: هم أهل الأعذار، إذ قد أضرَّت بهم حتى منعتهم الجهَادَ قاله ابنُ عَبَّاس وغيره «٢».
وقوله تعالى: بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، هي الغايةُ في كمالِ الجهَاد، قال ابن جُرَيْجٍ:
الفَضْلُ بدرجةٍ هو على القَاعِدِينَ مِنْ أهْل العذر.
قال ع «٣» : لأنهم مع المؤمنين بنيَّاتهم كما هو مذكورٌ في الحديثِ الصَّحيحِ.
قال ابنُ جُرَيجٍ: والتفضيلُ بالأجْر العظيمِ والدرجاتِ هُوَ على القَاعِدِينَ مِنْ غير عذر «٤»، والْحُسْنى: الجنةُ التي وَعَدَهَا اللَّهُ المؤمِنِينَ وكذلك قال السُّدِّيُّ وغيره «٥».
وقال ابنُ مُحَيْرِيزٍ «٦» : الدرجاتُ: هي درجاتٌ في الجنَّةِ سَبْعُونَ ما بَيْنَ الدرجَتَيْنِ حُضْرُ الجَوَادِ المُضَمَّرِ سَبْعِينَ سَنَةً «٧»، قُلْتُ: وفي «صحيح البُخاريِّ»، عن أبي هريرةَ، عن رسُولِ الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قَالَ: «إنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنّة» «٨». انتهى.

(١) حديث الفلتان بن عاصم: أخرجه أبو يعلى (٣/ ١٥٦- ١٥٧) برقم (١٥٨٣)، وابن حبان (١٧٣٣- موارد)، والطبراني في «الكبير» (١٨/ ٣٣٤) برقم (٨٥٦)، والبزار (٣/ ٤٥- كشف) برقم (٢٢٠٣) كلهم من طريق عبد الواحد بن زياد ثنا عاصم بن كليب حدثني أبي عن الفلتان بن عاصم به.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٣١) برقم (١٠٢٤٨) وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ٩٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٣٦٢)، وعزاه لابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٩٨).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٣٣) برقم (١٠٢٦٠)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ٩٨).
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٣٣) برقم (١٠٢٥٩)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ٩٨).
(٦) عبد الله بن محيريز بضم أوله وفتح المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة مكسورة ثم تحتانية ثم معجمة، الجمحي أبو محيريز المكي نزيل الشام، عن أبي محذورة، وعبادة بن الصامت، وعنه عبد الملك بن أبي محذورة، ومكحول الزّهري، وثقه العجلي. قال الأوزاعي: من كان مقتديا فليقتد بمثل ابن محيريز، قال خليفة: مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. وقال ضمرة: في خلافة الوليد بن عبد الملك.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٩٨)، «تهذيب الكمال» (٢/ ٧٣٩)، «تهذيب التهذيب» (٦/ ٢٢)، «الكاشف» (٢/ ١٢٨).
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٣٣) برقم (١٠٢٦٣)، وذكره ابن عطية (٢/ ٩٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٣٦٤)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن محيرز بلفظ: قال: الدرجات سبعون درجة، ما بين الدرجتين عدو الجواد المضمر سبعون سنة. [.....]
(٨) تقدم تخريجه.

صفحة رقم 286
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية