آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ

[سورة النساء (٤) : آية ٨٣]

وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَوْعًا آخَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْفَاسِدَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا جَاءَهُمُ الْخَبَرُ بِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ مِنْ بَابِ الْأَمْنِ أَوْ مِنْ بَابِ الْخَوْفِ أَذَاعُوهُ وَأَفْشُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الضَّرَرِ مِنْ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْإِرْجَافَاتِ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْكَذِبِ الْكَثِيرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ فِي جَانِبِ الْأَمْنِ زَادُوا فِيهِ زِيَادَاتٍ كَثِيرَةً، فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الزِّيَادَاتُ أَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً لِلضُّعَفَاءِ فِي صِدْقِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَرْوُونَ تِلْكَ الْإِرْجَافَاتِ عَنِ الرَّسُولِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الْخَوْفِ تُشُوِّشَ الْأَمْرُ بِسَبَبِهِ عَلَى ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَقَعُوا عِنْدَهُ فِي الْحَيْرَةِ وَالِاضْطِرَابِ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْإِرْجَافَاتُ سَبَبًا لِلْفِتْنَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ الْإِرْجَافَ سَبَبٌ لِتَوْفِيرِ الدَّوَاعِي عَلَى الْبَحْثِ الشَّدِيدِ وَالِاسْتِقْصَاءِ التَّامِّ، وَذَلِكَ سَبَبٌ لِظُهُورِ الْأَسْرَارِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُوَافِقُ مَصْلَحَةَ الْمَدِينَةِ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْعَدَاوَةَ الشَّدِيدَةَ كَانَتْ قَائِمَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي إِعْدَادِ آلَاتِ الْحَرْبِ وَفِي انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ فِيهِ، فَكُلُّ مَا كَانَ أَمْنًا لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ كَانَ خَوْفًا لِلْفَرِيقِ الثَّانِي، فَإِنْ وَقَعَ خَبَرُ الْأَمْنِ لِلْمُسْلِمِينَ وَحُصُولُ الْعَسْكَرِ وَآلَاتِ الْحَرْبِ لَهُمْ أَرْجَفَ الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ فَوَصَلَ الْخَبَرُ فِي أَسْرَعِ مُدَّةٍ إِلَى الْكُفَّارِ، فَأَخَذُوا فِي التَّحَصُّنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الِاحْتِرَازِ عَنِ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْهِمْ، / وَإِنْ وَقَعَ خَبَرُ الْخَوْفِ لِلْمُسْلِمِينَ بَالَغُوا فِي ذَلِكَ، وَزَادُوا فِيهِ وَأَلْقَوُا الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الضَّعَفَةِ وَالْمَسَاكِينِ، فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ ذَلِكَ الْإِرْجَافَ كَانَ مَنْشَأً لِلْفِتَنِ وَالْآفَاتِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ذَمَّ اللَّه تِلْكَ الْإِذَاعَةَ وَذَلِكَ التَّشْهِيرَ، وَمَنَعَهُمْ مِنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: أَذَاعَهُ وَأَذَاعَ بِهِ لُغَتَانِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي أُولِي الْأَمْرِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: إِلَى ذَوِي الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ مِنْهُمْ. وَالثَّانِي: إِلَى أُمَرَاءِ السَّرَايَا، وَهَؤُلَاءِ رَجَّحُوا هَذَا الْقَوْلَ عَلَى الْأَوَّلِ، قَالُوا لِأَنَّ أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ لَهُمْ أَمْرٌ عَلَى الناس، وأهل العلم ليسوا كذلك، إنما الْأُمَرَاءُ هُمُ الْمَوْصُوفُونَ بِأَنَّ لَهُمْ أَمْرًا عَلَى النَّاسِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ إِذَا كَانُوا عَالِمِينَ بِأَوَامِرِ اللَّه وَنَوَاهِيهِ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِمْ قَبُولُ قَوْلِهِمْ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُسَمَّوْا أُولِي الْأَمْرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التَّوْبَةِ: ١٢٢] فَأَوْجَبَ الْحَذَرَ بِإِنْذَارِهِمْ وَأَلْزَمَ الْمُنْذَرِينَ قَبُولَ قَوْلِهِمْ، فَجَازَ لِهَذَا الْمَعْنَى إِطْلَاقُ اسْمِ أُولِي الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الِاسْتِنْبَاطُ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِخْرَاجُ يُقَالُ: اسْتَنْبَطَ الْفَقِيهُ إِذَا اسْتَخْرَجَ الْفِقْهَ الْبَاطِنَ بِاجْتِهَادِهِ وَفَهْمِهِ، وَأَصْلُهُ مِنَ النَّبْطِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْبِئْرِ أَوَّلَ مَا تُحْفَرُ، والنبط إنما سموا نبطا لا لِاسْتِنْبَاطِهِمُ الْمَاءَ مِنَ الْأَرْضِ.

صفحة رقم 153

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ هُمْ أُولَئِكَ الْمُنَافِقُونَ الْمُذِيعُونَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الْمُذِيعِينَ رَدُّوا أمر الْأَمْنَ وَالْخَوْفَ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ، وَطَلَبُوا مَعْرِفَةَ الْحَالِ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْمُذِيعُونَ مِنْهُمْ، أَيْ مِنْ جَانِبِ الرَّسُولِ وَمِنْ جَانِبِ أُولِي الْأَمْرِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ لَكَانَ عِلْمُهُ حَاصِلًا عِنْدَ مَنْ يَسْتَنْبِطُ هَذِهِ الْوَقَائِعَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أُولِي الْأَمْرِ فَرِيقَانِ، بَعْضُهُمْ مَنْ يَكُونُ مُسْتَنْبِطًا، وَبَعْضُهُمْ مَنْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، فَقَوْلُهُ: مِنْهُمْ يَعْنِي لِعِلْمِهِ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ الْمَخْفِيَّاتِ مِنْ طَوَائِفِ أُولِي الْأَمْرِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الَّذِينَ أَمَرَهُمُ اللَّه بَرَدِّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَكَيْفَ جَعَلَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ.
قُلْنَا: إِنَّمَا جَعَلَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ عَلَى حَسَبِ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُظْهِرُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ [النساء: ٧٢] وَقَوْلُهُ: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النِّسَاءِ: ٦٦] واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ فِي الشَّرْعِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ صِفَةٌ لِأُولِي الْأَمْرِ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى عَلَى الَّذِينَ يَجِيئُهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَنْ يرجعوا في معرفته إليهم، ولا يخلو إِمَّا أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِمْ فِي مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْوَقَائِعِ مَعَ حُصُولِ النَّصِّ فِيهَا، أَوْ لَا مَعَ حُصُولِ النَّصِّ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَبْقَى الِاسْتِنْبَاطُ لِأَنَّ مَنْ رَوَى النَّصَّ فِي وَاقِعَةٍ لَا يُقَالُ: أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ الْحُكْمَ، فَثَبَتَ أَنَّ اللَّه أَمَرَ الْمُكَلَّفَ بِرَدِّ الْوَاقِعَةِ إِلَى مَنْ يَسْتَنْبِطُ الْحُكْمَ فِيهَا، وَلَوْلَا أَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ حُجَّةٌ لَمَا أَمَرَ الْمُكَلَّفَ بِذَلِكَ، فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ حُجَّةٌ، وَالْقِيَاسُ إِمَّا اسْتِنْبَاطٌ أَوْ دَاخِلٌ فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً. إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ مَا لَا يُعْرَفُ بِالنَّصِّ بَلْ بِالِاسْتِنْبَاطِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ حُجَّةٌ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْعَامِّيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعُلَمَاءِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُكَلَّفًا بِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالرَّدِّ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يُخَصِّصْ أُولِي الْأَمْرِ بِذَلِكَ دُونَ الرَّسُولِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ كُلُّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالِاسْتِنْبَاطِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بقوله: الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ هم أولوا الْأَمْرِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُمُ الْمُنَافِقُونَ الْمُذِيعُونَ عَلَى مَا رَوَيْتُمْ هَذَا الْقَوْلَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ أُولُو الْأَمْرِ لَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْوَقَائِعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحُرُوبِ وَالْجِهَادِ، فَهَبْ أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الِاسْتِنْبَاطِ جَائِزٌ فِيهَا، فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّهُ يَلْزَمُ جَوَازُهُ فِي الْوَقَائِعِ الشَّرْعِيَّةِ؟ فَإِنْ قِيسَ أَحَدُ الْبَابَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَانَ ذَلِكَ إِثْبَاتًا لِلْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، سَلَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ دَاخِلٌ تَحْتَ الْآيَةِ فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ حُجَّةً؟ بَيَانُهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ اسْتِخْرَاجَ الْأَحْكَامِ مِنَ النُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ أَوْ مِنْ تَرْكِيبَاتِ النُّصُوصِ، أَوِ الْمُرَادُ مِنِ اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، أَوْ مِمَّا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْعَقْلِ كَمَا يقول

صفحة رقم 154

الْأَكْثَرُونَ: إِنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ، وَفِي الْمَضَارِّ الْحُرْمَةُ، سَلَّمْنَا أَنَّ الْقِيَاسَ مِنَ الشَّرْعِيِّ دَاخِلٌ فِي الْآيَةِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فَأَخْبَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ/ مِنْ هَذَا الِاسْتِنْبَاطِ، وَلَا نِزَاعَ فِي مِثْلِ هَذَا الْقِيَاسِ، إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي يُفِيدُ الظَّنَّ هَلْ هُوَ حُجَّةٌ فِي الشَّرْعِ أَمْ لا؟ والجواب:
أما في السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: فَمَدْفُوعٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بالذين يستنبطونه المنافقين لكان الأولى أَنْ يُقَالَ: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمُوهُ، لِأَنَّ عَطْفَ الْمُظْهَرِ عَلَى الْمُضْمَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَوْ رَدُّوهُ قَبِيحٌ مُسْتَكْرَهٌ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي: فَمَدْفُوعٌ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرُوبِ وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ الْوَقَائِعِ الشَّرْعِيَّةِ، لِأَنَّ الْأَمْنَ وَالْخَوْفَ حَاصِلٌ فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِبَابِ التَّكْلِيفِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُوجِبُ تَخْصِيصَهَا بِأَمْرِ الْحُرُوبِ. الثَّانِي: هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَكِنْ تُعْرَفُ أَحْكَامُ الْحُرُوبِ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، وَلَمَّا ثَبَتَ جَوَازُهُ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ التَّمَسُّكُ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ فِي سَائِرِ الْوَقَائِعِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ: الْقِيَاسُ حُجَّةٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ لَا فِي بَابِ النِّكَاحِ لَمْ يُلْتَفَتْ اليه، فكذا هاهنا.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ: وَهُوَ حَمْلُ الِاسْتِنْبَاطِ: عَلَى النُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ أَوْ عَلَى تَرْكِيبَاتِ النُّصُوصِ فَجَوَابُهُ: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَنْصُوصًا، وَالتَّمَسُّكُ بِالنَّصِّ لَا يُسَمَّى اسْتِنْبَاطًا. قَوْلُهُ: لِمَ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ؟ قُلْنَا لَيْسَ هَذَا اسْتِنْبَاطًا بَلْ هُوَ إِبْقَاءٌ لِمَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسَمَّى اسْتِنْبَاطًا الْبَتَّةَ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّ هَذَا الِاسْتِنْبَاطَ إِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ حُصُولِ الْعِلْمِ، وَالْقِيَاسُ الشَّرْعِيُّ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ.
قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقِيَاسَ الشَّرْعِيَّ عِنْدَنَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، وذلك لا ن بَعْدَ ثُبُوتِ أَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ مَهْمَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ حُكْمَ اللَّه فِي الْأَصْلِ مُعَلَّلٌ بِكَذَا، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى قَائِمٌ فِي الْفَرْعِ، فَهَهُنَا يَحْصُلُ ظَنٌّ أَنَّ حُكْمَ اللَّه فِي الْفَرْعِ مُسَاوٍ لِحُكْمِهِ فِي الْأَصْلِ، وَعِنْدَ هَذَا الظَّنِّ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِأَنْ يَعْمَلَ عَلَى وَفْقِ هَذَا الظَّنِّ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّنَّ وَاقِعٌ فِي طَرِيقِ الْحُكْمِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فَمَقْطُوعٌ بِهِ، وَهُوَ يَجْرِي مَجْرَى مَا إِذَا قَالَ اللَّه: مَهْمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّكَ كَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْوَاقِعَةِ الْفُلَانِيَّةِ حُكْمِي كَذَا فَإِذَا حَصَلَ الظَّنُّ قَطَعْنَا بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ،
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ»
شَرَطَ الْعِلْمَ فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ، وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ عِنْدَ الظَّنِّ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ، فَثَبَتَ أَنَّ الظَّنَّ قَدْ يُسَمَّى بِالْعِلْمِ واللَّه أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الاستنثاء يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَلِيلَ وَقَعَ لَا بِفَضْلِ اللَّه وَلَا بِرَحْمَتِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ. فَعِنْدَ هَذَا اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَذَكَرُوا وُجُوهًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: أَذاعُوا

صفحة رقم 155

وَقَالَ قَوْمٌ: رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوُجُوهَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْآيَةَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْإِخْبَارِ عَنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ، وَيَصِحُّ صَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُحْتَمَلٌ.
أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: فَالتَّقْدِيرُ: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ إِلَّا قَلِيلًا، فَأَخْرَجَ تَعَالَى بَعْضَ المنافقين عن هذه الْإِذَاعَةِ كَمَا أَخْرَجَهُمْ فِي قَوْلِهِ: بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ [النساء: ٨١].
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الِاسْتِثْنَاءُ عَائِدٌ إِلَى قَوْلِهِ: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ يَعْنِي لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلَ: قَالَ الْفَرَّاءُ وَالْمُبَرِّدُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ مَا يُعْلَمُ بِالِاسْتِنْبَاطِ فَالْأَقَلُّ يَعْلَمُهُ، وَالْأَكْثَرُ يَجْهَلُهُ، وَصَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى مَا ذكره يَقْتَضِي ضِدَّ ذَلِكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ شَيْئًا يَسْتَخْرِجُهُ بِنَظَرٍ دَقِيقٍ وَفِكْرٍ غَامِضٍ، إِنَّمَا هُوَ اسْتِنْبَاطُ خَبَرٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَكْثَرُونَ يَعْرِفُونَهُ، إِنَّمَا الْبَالِغُ فِي الْبَلَادَةِ وَالْجَهَالَةِ هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: كَلَامُ الزَّجَّاجِ إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ حَمَلْنَا الِاسْتِنْبَاطَ عَلَى مُجَرَّدِ تَعَرُّفِ الْأَخْبَارِ وَالْأَرَاجِيفِ، أَمَّا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ كَمَا صَحَّحْنَا ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ كَانَ الْحَقُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ وَالْمُبَرِّدُ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى مَا يَلِيهِ وَيَتَّصِلُ بِهِ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إِلَى الشَّيْءِ الْبَعِيدِ عَنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَتَمَشَّى إِلَّا إِذَا فَسَّرْنَا الْفَضْلَ وَالرَّحْمَةَ بِشَيْءٍ خَاصٍّ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، أَنَّ الْمُرَادَ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ وَبِعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّقْدِيرُ:
وَلَوْلَا بِعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وإنزال القرآن لا تبعتم الشَّيْطَانَ وَكَفَرْتُمْ باللَّه إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْقَلِيلَ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَمِ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ مَا كَانَ يَتَّبِعُ الشَّيْطَانَ، وَمَا كَانَ يَكْفُرُ باللَّه، وَهُمْ مِثْلُ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ باللَّه قَبْلَ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُسْلِمٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ نُصْرَتُهُ تَعَالَى وَمَعُونَتُهُ اللَّذَانِ عَنَاهُمَا الْمُنَافِقُونَ بِقَوْلِهِمْ: فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً [النِّسَاءِ: ٧٣] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْلَا حُصُولُ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى سَبِيلِ التَّتَابُعِ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ وَتَرَكْتُمُ الدِّينَ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْكُمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْبَصَائِرِ النَّاقِدَةِ وَالنِّيَّاتِ الْقَوِيَّةِ وَالْعَزَائِمِ الْمُتَمَكِّنَةِ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ حَقًّا حُصُولُ الدَّوْلَةِ فِي الدُّنْيَا، فَلِأَجْلِ تَوَاتُرِ الْفَتْحِ وَالظَّفَرِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ حَقًّا، وَلِأَجْلِ تَوَاتُرِ الِانْهِزَامِ وَالِانْكِسَارِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ بَاطِلًا، بَلِ الْأَمْرُ فِي كَوْنِهِ حَقًّا وَبَاطِلًا عَلَى الدَّلِيلِ، وَهَذَا أَصَحُّ الْوُجُوهِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى التَّحْقِيقِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الشَّيْطَانَ فَقَدْ مَنَعَهُمُ اللَّه فَضْلَهُ وَرَحْمَتَهُ، وَإِلَّا مَا كَانَ يُتَّبَعُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّه رِعَايَةُ الْأَصْلَحِ فِي الدِّينِ. أَجَابَ الْكَعْبِيُّ عَنْهُ بِأَنَّ فَضْلَ اللَّه وَرَحْمَتَهُ عَامَّانِ فِي حَقِّ الْكُلِّ، لَكِنَّ الْمُؤْمِنِينَ انْتَفَعُوا بِهِ، وَالْكَافِرِينَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ، فَصَحَّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلْكَافِرِ مِنَ اللَّه فَضْلٌ وَرَحْمَةٌ فِي الدِّينِ.

صفحة رقم 156
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية