آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ

قوله تعالى: وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: يكتبه في الأعمال التي تثبتها الملائكة، قاله مقاتل في آخرين. والثاني: ينزله إِليك في كتابه. والثالث: يحفظه عليهم ليجازوا به، ذكر القولين الزجاج. قال ابن عباس: فأعرض عنهم: فلا تعاقبهم، وثق بالله عز وجل، وكفى بالله ثقة لك. قال: ثم نسخ هذا الإِعراض، وأُمِر بقتالهم.
فإن قيل: ما الحكمة في أنه ابتدأ بذكرهم جملة، ثم قال: بَيَّتَ طائِفَةٌ، والكل منافقون؟
فالجواب من وجهين، ذكرهما أهل التفسير: أحدهما: أنه أخبر عمن سهر ليله، ودبَّر أمرهُ منهم دون غيره منهم. والثاني: أنه ذكر من علم أنه يبقى على نفاقه دون من علم أنّه يرجع.
[سورة النساء (٤) : آية ٨٢]
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢)
قوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ قال الزجاج: «التدبّر» : النظر في عاقبة الشيء. و «الدّبْر» النحل، سُمي دبراً، لأنه يُعْقِبُ ما يُنتفع به، و «الدّبْر» : المال الكثير، سُمي دبراً لكثرته، لأنه يبقى للأعقاب، والأدبار. وقال ابن عباس: أفلا يتدبّرون القرآن، فيتفكّرون فيه، فيرون تصديق بعضه لبعض، وأن أحداً من الخلائق لا يقدر عليه. قال ابن قتيبة: والقرآن من قولك: ما قرأت الناقة سلى «١» قط، أي: ما ضمّت في رحمها ولداً، وأنشد أبو عبيدة:
هِجانُ اللّون لم تقرأ جنينا «٢» وإنما سُمي قرآنا، لأنه جمع السور، وضمها.
قوله تعالى: لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه التناقض، قاله ابن عباس، وابن زيد، والجمهور. والثاني: الكذب، قاله مقاتل، والزجاج. والثالث: أنه اختلاف تفاوت من جهة بليغ من الكلام، ومرذول، إِذ لا بدّ للكلام إِذا طال من مرذول، وليس في القرآن إِلا بليغ، ذكره الماورديّ في جماعة.
[سورة النساء (٤) : آية ٨٣]
وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣)
قوله تعالى: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ في سبب نزولها قولان:
(٣١٩) أحدهما: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما اعتزل نساءه، دخل عمر المسجد، فسمع الناس يقولون: طلّق

صحيح. أخرجه مسلم ١٤٧٩ عن ابن عباس عن عمر في أثناء خبر مطول، وكرره لكن دون ذكر الآية.
- وسيأتي باستيفاء في سورة الأحزاب.
__________
(١) في «اللسان» السلى: لفاقة الولد من الدواب والإبل.
(٢) هو عجز بيت لعمرو بن كلثوم كما في اللسان: (قرأ)، وصدره: ذراعي عيطل أدماء بكر.
والعيطل: الناقة الطويلة العنق، في حسن منظر وسمن. الأدماء: البيضاء مع سواد المقلتين. وهجان اللون:
بيضاء كريمة.

صفحة رقم 438

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه، فدخل على النبي عليه السلام فسأله: أطّلقت نساءك؟ قال: «لا». فخرج فنادى:
ألا إِن رسول الله لم يطلّق نساءه. فنزلت هذه الآية. فكان هو الذي استنبط الأمر. انفرد بإخراجه مسلم، من حديث ابن عباس، عن عمر.
(٣٢٠) والثاني: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إِذا بعث سريّة من السرايا فَغَلَبَتْ أو غُلِبَت، تحدثوا بذلك، وأفشوه، ولم يصبروا حتى يكون النبي هو المتحدِّث به. فنزلت هذه الآية. رواه أبو صالح، عن ابن عباس.
وفي المشار إِليهم بهذه الآية قولان: أحدهما: أنهم المنافقون. قاله ابن عباس، والجمهور.
والثاني: أهل النفاق، وضعفة المسلمين، ذكره الزجاج. وفي المراد بالأمن أربعة أقوال: أحدها: فوز السريّة بالظفر والغنيمة، وهو قول الأكثرين. والثاني: أنه الخبر يأتي إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه ظاهر على قوم، فيأمن منهم، قاله الزجاج. والثالث: أنه ما يعزم عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الموادعة والأمان لقومٍ، ذكره الماوردي. والرابع: أنه الأمن يأتي من المأمَن وهو المدينة، ذكره أبو سليمان الدمشقي مُخرجاً من حديث عمر. وفي الْخَوْفِ ثلاثة أقوال: أحدها: أنه النكبة التي تُصيب السريّة، ذكره جماعة من المفسّرين. والثاني: أنه الخبر يأتي أن قوماً يجمعون للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيخاف منهم، قاله الزجاج. والثالث:
ما يعزم عليه النبي من الحرب والقتال، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: أَذاعُوا بِهِ قال ابن قتيبة: أشاعوه. وقال ابن جرير: والهاء عائدة على الأمر. قوله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ يعني: الأمر إِلَى الرَّسُولِ حتى يكون هو المخبر به وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ
وفيهم أربعة أقوال: أحدها: أنهم مثل أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، قاله ابن عباس. والثاني:
أنهم أبو بكر، وعمر، قاله عكرمة. والثالث: العلماء، قاله الحسن، وقتادة، وابن جريج. والرابع:
أمراء السرايا، قاله ابن زيد، ومقاتل. وفي الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ قولان: أحدهما: أنهم الذين يتتبعونه من المذيعين له، قاله مجاهد. والثاني: أنهم أُولو الأمر، قاله ابن زيد. و «الاستنباط» في اللغة:
الاستخراج. قال الزجاج: أصله من النبط، وهو الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر، يقال من ذلك: قد أنبط فلان في غضراء، أي: استنبط الماء من طين حُرّ. والنبط: سُموا نبطاً، لاستنباطهم ما يخرج من الأرض.
قال ابن جرير: ومعنى الآية: وإِذا جاءهم خبر عن سريّة للمسلمين بخير أو بشر أفشوه، ولو سكتوا حتى يكون الرسول وذوو الأمر يتولون الخبر عن ذلك، فيصححوه إِن كان صحيحاً، أو يبطلوه إِن كان باطلاً، لعلم حقيقة ذلك من يبحث عنه من أُولى الأمر.
قوله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. في المراد بالفضل أربعة أقوال: أحدها: أنه رسول الله.
والثاني: الإِسلام. والثالث: القرآن. والرابع: أُولو الأمر. وفي الرحمة أربعة أقوال: أحدها: أنها الوحي. والثاني: اللّطف. والثالث: النعمة. والرابع: التّوفيق.

عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس، وراوية أبي صالح هو الكلبي، وهو ممن يضع الحديث، فالخبر لا شيء.

صفحة رقم 439
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية