آيات من القرآن الكريم

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ

هذا كلام أهل اللغة في معنى التأويل. وقول المفسرين غير خارج عن معاني قول أهل اللغة.
قال ابن عباس في قوله: ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾: يريد أصدق تفسيرا (١).
وقال قتادة والسدي وابن زيد: وأحمد عاقبة (٢).
وهذا على قول من يجعل التأويل مشتقًّا من الأَوْل بمعنى الرجوع. والعاقبة تسمى تأويلًا؛ لأنها مآل، بمنزلة ما تفرقت عنه الأشياء ثم رجعت إليه، يقال: إلى هذا مآل هذا الأمر: أي عاقبته (٣).
وهذا القول اختيار الزجاج (٤) وابن قتيبة (٥). قال الزجاج: وجائز أن يكون المعنى: وأحسن من تأولكم أنتم، دون ردكم إياه إلى الكتاب والسنة (٦).
وذكرنا طرفًا من الكلام في معنى التأويل في أول سورة آل عمران.
٦٠ - وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ﴾ الآية. الزَّعم والزُّعم لغتان. وأكثر ما يستعمل الزعم بمعنى القول فيما لا يتحقق (٧).

(١) لم أقف عليه.
(٢) أخرج ذلك عنهم الطبري ٥/ ١٥٢، وذكره الماوردي في "النكت والعيون" ١/ ٥٠٠، وانظر: "بحر العلوم" ١/ ٣٦٣، والبغوي ٢/ ٢٤٢، وابن كثير ١/ ٥٦٩، "الدر المنثور" ٢/ ٣١٨.
(٣) انظر: "مقاييس اللغة" ١/ ١٦٢، "أساس البلاغة" ص ١/ ٢٥ (أول).
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٦٨.
(٥) انظر: "غريب القرآن" ص ١٢٧.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٦٨.
(٧) انظر: "العين" ١/ ٣٦٤، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٤ (زعم)، "زاد المسير" ٢/ ١٢٠.

صفحة رقم 547

قال ابن المظفر: أهل العربية يقولون: زعم فلان. إذا (شك فيه) (١) فلم يدر لعله كذب أو باطل، وكذلك تفسير قوله: ﴿هَذَا الله بِزَعْمِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٦] أي بقولهم الكذب (٢).
قال شمر: روي عن الأصمعي أنه قال: الزعم الكذب وأنشد للكميت:

إذا الإكام اكتست مآليها وكان زعم اللوامع الكذب (٣)
يريد السراب. قال شمر: والعرب تقول: أكذب من يلمع (٤).
وقال شريح: زعموا كنية الكذب (٥). قال (٦) شمر: الزَّعم والتزاعم أكثر ما يقال فيما يشك فيه ولا يحقق (٧).
أبو عبيد عن الأصمعي: الزعوم من الغنم التي لا يُدرى أبها شحم أم لا (٨). ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الزعم القول يكون حقًا ويكون باطلًا (٩).
وأنشد في الزعم الذي هو حق يذكر نوحًا:
نودي قم واركبن بأهلك إن الله موف للنَّاس ما زعما (١٠)
(١) في "العين" ١/ ٣٦٤ (زعم): "شك في قوله".
(٢) "العين" ١/ ٣٦٤، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٢ (زعم).
(٣) في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٣، "اللسان" ٣/ ١٨٣٤ (زعم).
(٤) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٣، وانظر: "اللسان" ٣/ ١٨٣٦ (زعم).
(٥) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٣ (زعم).
(٦) في (ش): قاله، ولعله تصحيف، انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٣ (زعم).
(٧) من "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٣، وانظر: "اللسان" ٣/ ١٨٣٦ (زعم).
(٨) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٣ (زعم).
(٩) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٢ (زعم).
(١٠) البيت للجعدي. "ديوانه" ١٣٦. انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٣، "اللسان" ٣/ ١٨٣٥ (زعم)، "خزانة الأدب" ٩/ ١٣٣، "الجمهرة" ٢/ ٨١٦.

صفحة رقم 548

وهذا بمعنى التحقيق (١).
والذي في هذه الآية المراد به الكذب؛ لأن الآية نزلت في المنافقين.
قال الكلبي وغيره من المفسرين (٢): نازع رجل من المنافقين رجلًا من اليهود، فقال اليهودي: بيني وبينك أبو القاسم، وقال المنافق: بيني وبينك كعب بن الأشرف. وهو الذي يسمى الطاغوت. فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله - ﷺ -، وصار إليه، فحكم لليهودي على المنافق، فقال المنافق: لا أرضى، انطلق بنا إلى أبي بكر، فحكم أبو بكر لليهودي، فلم يرض المنافق، وقال: بيني وبينك عمر، فصارا إلى عمر، فأخبره اليهودي أنَّ المنافق قد حكم عليه النبي - ﷺ - وأبو بكر، فلم يرض بحكمهما، فقال للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم. فقال عمر: اصبرا، إن لي حاجة أدخل فأقضيها وأخرج إليكما فدخل فأخذ سيفه ثم خرج إليهما، فضرب به المنافق حتى برد، وهرب اليهودي. فجاء أهل المنافق، فشكا عمر إلى النبي - ﷺ -، فسأل عمر عن قصته، فقال عمر: إنه رد حكمك يا رسول الله. فقال - ﷺ -: أنت الفاروق (٣).

(١) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٣ (زعم).
(٢) كابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس. انظر الطبري ٥/ ١٥٤ - ١٥٥، والكلبي في هذا الأثر يروي عن أبي صالح عن ابن عباس وهو سند واه وانظر: "أسباب النزول" للمؤلف ص ١٦٦.
(٣) ذكره الزجاج في "معانيه" ٢/ ٦٩، بصيغة التمريض، يُروى، بلفظ المؤلف وأخرجه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٤/ ٨١ أ، من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وكذلك المؤلف في "أسباب النزول" ص ١٦٦، وهذا الطريق من الأسانيد الواهية كما هو مشتهر، وانظر: "تفسير القرطبي" ٥/ ٢٦٤، "الدر المنثور" ٢/ ٣٢٠. وأخرجه بنحوه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي الأسود، =

صفحة رقم 549

وروي أن عمر لما قتل المنافق أتى جبريل رسول الله - ﷺ - فقال: إنَّ الفاروق فرق بين الحق والباطل فدعا رسول الله - ﷺ - عمر وقال: أنت الفاروق (١).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: الطاغوت ههنا حيي بن أخطب (٢)
وقال السدي: الطاغوت ههنا كاهن يقال له أبو بردة هلال بن عويمر (٣)، وذلك أنه وقعت خصومة في دم بين أناس من قريظة والنضير، كانوا قد آمنوا ونافق بعضهم، واختصموا إلى النبي - ﷺ -، ولم يرضوا بحكمه، وقالوا: حتى يحكم بيننا أو بردة الكاهن، ونزلت الآية في شأنهم (٤).
وسنذكر هذه القصة عند قوله: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ الآية [المائدة: ٤٥]، وعند قوله: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ [المائدة: ٥٠] إن شاء الله.

= وسنده ضعيف. انظر: "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" ص ٤٥، "لباب النقول" ص ٧٣.
(١) "الكشف والبيان" (٤/ ٨١/ ب)، وانظر: "أسباب النزول" للمؤلف ص ٦٦٦.
(٢) ذكره النحاس في "معاني القرآن" ٢/ ١١١ مرويًا عن ابن عباس، وذكره بغير نسبة الأزهري في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٩٦ (طغا)، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٤/ ٨٢ أ. وقد أخرج الطبري من رواية عطية العوفي عن ابن عباس أن الطاغوت هنا هو كعب بن الأشرف. "تفسير الطبري" ٥/ ١٥٤، وأخرجه ابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٣٢٠.
(٣) هو أبو بردة الأسلمي، دعاه النبي - ﷺ - فأبى، ثم كلمه أبناؤه في ذلك فأجاب، وكان كاهنًا يقضي بين اليهود. انظر: "الإصابة" ٤/ ١٩.
(٤) ذكر الكلام عن السدي بطوله الثعلبي في "الكشف والبيان" ٤/ ٨١ ب، ٨٢ أ، وأشار إليه ابن الجوزي ونسبه لابن عباس من طريق عكرمة. انظر: "زاد المسير" ٢/ ١١٩.

صفحة رقم 550
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية