
وفي المراد بالتأويل أربعة أقوال: أحدها: أنه الجزاء، والثواب، وهو قول مجاهد، وقتادة.
والثاني: أنه العاقبة، وهو قول السدي، وابن زيد، وابن قتيبة، والزجاج. والثالث: أنه التصديق، مثل قوله تعالى: هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ. قاله ابن زيد في رواية. والرابع: أن معناه: ردّكم إِياه إلى الله ورسوله أحسن من تأويلكم، ذكره الزجّاج «١».
[سورة النساء (٤) : آية ٦٠]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠)
قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا في سبب نزولها أربعة أقوال:
(٣٠٥) أحدها: أنها نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي:
انطلق بنا إِلى محمد، وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف، فأبى اليهودي، فأتيا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقضى لليهودي، فلمّا خرجا، قال المنافق: ننطلق إلى عمر بن الخطاب، فأقبلا إِلَيه، فقصّا عليه القصّة، فقال: رويداً حتى أخرج إليكما، فدخل البيت، فاشتمل على السيف، ثم خرج، فضرب به المنافق حتى برد «٢»، وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله ورسوله، فنزلت هذه الآية. رواه أبو صالح، عن ابن عباس.
- وأخرجه الطبري ٩٩٠٠ عن قتادة مرسلا بنحوه دون ذكر عجزه، أي دون ذكر عمر بن الخطاب وفعله.
- وورد بنحوه عن عتبة بن ضمرة مرسلا كما في «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية. وكذا ذكره السيوطي في «الدر» ٢/ ٣٢٢ عن عتبة بن ضمرة ونسبه للحافظ دحيم في «تفسيره». وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود مرسلا كما في «الدر» ٢/ ٣٢٢ وقال الحافظ ابن كثير ١/ ٥٣٣: وهذا مرسل غريب. وكذا أخرجه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» عن مكحول مرسلا كما في «الدر» ٢/ ٣٢٣.
الخلاصة: أما قتل عمر للمنافق فهو ضعيف، وأما أصل التحاكم من غير ذكر عمر وما بعده، فله شواهد تعضده، راجع تفصيل ذلك في «أحكام القرآن» لابن العربي ٥١٥ بتخريجي. وانظر الآتي.
__________
(١) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله ١/ ٥٣٠- ٥٣١: وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال الله تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى: ١٠]، فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟ ولهذا قال تعالى إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فدل على أن من لا يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر. وقوله: ذلِكَ خَيْرٌ أي: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، والرجوع في فصل النزاع إليهما خير وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي: وأحسن عاقبة ومآلا، كما قاله السدي وغير واحد، وقال مجاهد: وأحسن جزاء وهو قريب.
(٢) حتى برد: أي حتى مات.