آيات من القرآن الكريم

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ

أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ كَاهِنًا يقْضِي بَين الْيَهُود فِيمَا يتنافرون فِيهِ فتنافر إِلَيْهِ نَاس من الْمُسلمين
فَأنْزل الله ﴿ألم ترَ إِلَى الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم آمنُوا﴾ إِلَى قَوْله ﴿إحساناً وتوفيقاً﴾
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْجلاس بن الصَّامِت قبل تَوْبَته ومعتب بن قُشَيْر وَرَافِع بن زيد وَبشير كَانُوا يدَّعون الْإِسْلَام فَدَعَاهُمْ رجال من قَومهمْ من الْمُسلمين فِي خُصُومَة كَانَت بَينهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدعوهم إِلَى الْكُهَّان حكام الْجَاهِلِيَّة
فَأنْزل الله فيهم ﴿ألم تَرَ إِلَى الَّذين يَزْعمُونَ﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ بَين رجل من الْيَهُود وَرجل من الْمُنَافِقين خُصُومَة - وَفِي لفظ: وَرجل مِمَّن زعم أَنه مُسلم - فَجعل الْيَهُودِيّ يَدعُوهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ قد علم أَنه لَا يَأْخُذ الرِّشْوَة فِي الحكم ثمَّ اتفقَا على أَن يتحاكما إِلَى كَاهِن فِي جُهَيْنَة
فَنزلت ﴿ألم ترَ إِلَى الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم آمنُوا﴾ الْآيَة
إِلَى قَوْله ﴿ويسلموا تَسْلِيمًا﴾
وَأخرج ابْن جرير عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ قَالَ: زعم حضرمي أَن رجلا من الْيَهُود كَانَ قد أسلم فَكَانَت بَينه وَبَين رجل من الْيَهُود مدارأة فِي حق
فَقَالَ الْيَهُودِيّ لَهُ: انْطلق إِلَى نَبِي الله
فَعرف أَنه سيقضي عَلَيْهِ فَأبى فَانْطَلقَا إِلَى رجل من الْكُهَّان فتحاكما إِلَيْهِ
فَأنْزل الله ﴿ألم ترَ إِلَى الَّذين يَزْعمُونَ﴾ الْآيَة

صفحة رقم 580

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار وَرجل من الْيَهُود فِي مدارأة كَانَت بَينهمَا فِي حق تدارآ فِيهِ فتحاكما إِلَى كَاهِن كَانَ بِالْمَدِينَةِ وتركا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعاب الله ذَلِك عَلَيْهِمَا وَقد حَدثنَا أَن الْيَهُودِيّ كَانَ يَدعُوهُ إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ لَا يعلم أَنه لَا يجوز عَلَيْهِ وَكَانَ يَأْبَى عَلَيْهِ الْأنْصَارِيّ الَّذِي زعم أَنه مُسلم
فَأنْزل الله فيهمَا مَا تَسْمَعُونَ عَابَ ذَلِك على الَّذِي زعم أَنه مُسلم وعَلى صَاحب الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ نَاس من الْيَهُود قد أَسْلمُوا ونافق بَعضهم وَكَانَت قُرَيْظَة وَالنضير فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا قتل الرجل من بني النَّضِير قتلته بَنو قُرَيْظَة قتلوا بِهِ مِنْهُم فَإِذا قتل رجل من بني قُرَيْظَة قتلته النَّضِير أعْطوا دِيَته سِتِّينَ وسْقا من تمر فَلَمَّا أسلم أنَاس من قُرَيْظَة وَالنضير قتل رجل من بني النَّضِير رجلا من بني قُرَيْظَة فَتَحَاكَمُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النضيري: يَا رَسُول الله إِنَّا كُنَّا نعطيهم فِي الْجَاهِلِيَّة الدِّيَة فَنحْن نعطيهم الْيَوْم الدِّيَة فَقَالَت قُرَيْظَة: لَا وَلَكنَّا إخْوَانكُمْ فِي النّسَب وَالدّين ودماؤنا مثل دمائكم وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُم تغلبونا فِي الْجَاهِلِيَّة فقد جَاءَ الْإِسْلَام فَأنْزل الله تَعَالَى يعيرهم بِمَا فعلوا فَقَالَ (وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ) (الْمَائِدَة الْآيَة ٤٥) يعيرهم ثمَّ ذكر قَول النضيري: كُنَّا نعطيهم فِي الْجَاهِلِيَّة سِتِّينَ وسْقا ونقتل مِنْهُم وَلَا يقتلُون منا فَقَالَ (أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ) (الْمَائِدَة الْآيَة ٥٠) فَأخذ النضيري فَقتله بِصَاحِبِهِ
فتفاخرت النَّضِير وَقُرَيْظَة فَقَالَت النَّضِير: نَحن أقرب مِنْكُم
وَقَالَت قُرَيْظَة: نَحن أكْرم مِنْكُم
فَدَخَلُوا الْمَدِينَة إِلَى أبي بَرزَة الكاهن الْأَسْلَمِيّ فَقَالَ المُنَافِقُونَ من قُرَيْظَة وَالنضير: انْطَلقُوا بِنَا إِلَى أبي بَرزَة ينفر بَيْننَا فتعالوا إِلَيْهِ فَأبى المُنَافِقُونَ وَانْطَلَقُوا إِلَى أبي بَرزَة وسألوه فَقَالَ: أعظموا اللُّقْمَة
يَقُول: أعظموا الْخطر
فَقَالُوا لَك عشرَة أوساق قَالَ: لَا بل مائَة وسق ديتي فَإِنِّي أَخَاف أَن أنفر النَّضِير فتقتلني قُرَيْظَة أَو أنفر قُرَيْظَة فتقتلني النَّضِير
فَأَبَوا أَن يعطوه فَوق عشرَة أوساق وأبى أَن يحكم بَينهم فَأنْزل الله ﴿يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت﴾ إِلَى قَوْله ﴿ويسلموا تَسْلِيمًا﴾

صفحة رقم 581

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت﴾ قَالَ: الطاغوت
رجل من الْيَهُود كَانَ يُقَال لَهُ كَعْب بن الْأَشْرَف وَكَانُوا إِذا مَا دعوا إِلَى مَا أنزل الله وَإِلَى الرَّسُول ليحكم بَينهم قَالُوا: بل نحاكمهم إِلَى كَعْب
فَذَلِك قَوْله ﴿يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت﴾
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: تنَازع رجل من الْمُنَافِقين وَرجل من الْيَهُود فَقَالَ الْمُنَافِق: اذْهَبْ بِنَا إِلَى كَعْب بن الْأَشْرَف وَقَالَ الْيَهُودِيّ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله ﴿ألم ترَ إِلَى الَّذين يَزْعمُونَ﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: كَانَ رجلَانِ من أصَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا خُصُومَة أَحدهمَا مُؤمن وَالْآخر مُنَافِق فَدَعَاهُ الْمُؤمن إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدعَاهُ الْمُنَافِق إِلَى كَعْب بن الْأَشْرَف
فَأنْزل الله ﴿وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا إِلَى مَا أنزل الله وَإِلَى الرَّسُول رَأَيْت الْمُنَافِقين يصدون عَنْك صدوداً﴾
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿ألم تَرَ إِلَى الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم آمنُوا﴾ الْآيَة قَالَ: نزلت فِي رجل من الْمُنَافِقين يُقَال لَهُ بشر خَاصم يَهُودِيّا فَدَعَاهُ الْيَهُودِيّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدعَاهُ الْمُنَافِق إِلَى كَعْب بن الْأَشْرَف ثمَّ إنَّهُمَا احْتَكَمَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضى لِلْيَهُودِيِّ فَلم يرض الْمُنَافِق
وَقَالَ: تعال نَتَحَاكَم إِلَى عمر بن الْخطاب
فَقَالَ الْيَهُودِيّ لعمر: قضى لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يرض بِقَضَائِهِ
فَقَالَ لِلْمُنَافِقِ: أَكَذَلِك قَالَ: نعم
فَقَالَ عمر: مَكَانكُمَا حَتَّى أخرج إلَيْكُمَا
فَدخل عمر فَاشْتَمَلَ على سَيْفه ثمَّ خرج فَضرب عنق الْمُنَافِق حَتَّى برد ثمَّ قَالَ: هَكَذَا أَقْْضِي لمن لم يرض بِقَضَاء الله وَرَسُوله: فَنزلت
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله ﴿يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت﴾ قَالَ: هُوَ كَعْب بن الْأَشْرَف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: الطاغوت والشيطان فِي صُورَة إِنْسَان يتحاكمون إِلَيْهِ وَهُوَ صَاحب أَمرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: سَأَلت جَابر بن عبد الله عَن الطواغيت الَّتِي كَانُوا يتحاكون إِلَيْهَا قَالَ: إِن فِي جُهَيْنَة وَاحِدًا وَفِي أسلم

صفحة رقم 582

وَاحِدًا وَفِي هِلَال وَاحِدًا وَفِي كل حَيّ وَاحِدًا وهم كهان تنزل عَلَيْهِم الشَّيَاطِين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج ﴿وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا إِلَى مَا أنزل الله وَإِلَى الرَّسُول﴾ قَالَ: دَعَا الْمُسلم الْمُنَافِق إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليحكم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي قَوْله ﴿يصدون عَنْك صدوداً﴾ قَالَ: الصدود: الْإِعْرَاض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد ﴿فَكيف إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة﴾ فِي أنفسهم وَبَين ذَلِك مَا بَينهمَا من الْقُرْآن هَذَا من تَقْدِيم الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله ﴿أَصَابَتْهُم مُصِيبَة﴾ يَقُول: بِمَا قدمت أَيْديهم فِي أنفسهم وَبَين ذَلِك مَا بَين ذَلِك قل لَهُم قولا بليغاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن ﴿فَكيف إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة بِمَا قدمت أَيْديهم﴾ قَالَ: عُقُوبَة لَهُم بنفاقهم وكرههم حكم الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج ﴿فَأَعْرض عَنْهُم﴾ ذَلِك لقَوْله ﴿وَقل لَهُم فِي أنفسهم قولا بليغا﴾
الْآيَة ٦٤

صفحة رقم 583
الدر المنثور في التأويل بالمأثور
عرض الكتاب
المؤلف
جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي
الناشر
دار الفكر - بيروت
سنة النشر
1432 - 2011
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية