
والسرقة وغير ذلك إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً استثناء منقطع، والمعنى: لكن إن كانت تجارة فكلوها، وفي إباحة التجارة دليل على أنه: يجوز للإنسان أن يشتري بدرهم سلعة تساوي مائة، والمشهور إمضاء البيع. وحكي عن ابن وهب أنه يرد إذا كان الغبن أكثر من الثلث.
وموضع أن نصب، وتجارة بالرفع «١» فاعل تكون وهي تامة، وقرئ بالنصب خبر تكون وهي ناقصة عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ أي اتفاق. وبهذا استدل المالكية على تمام البيع وبالعقد، دون التفرق وقال الشافعي: إنما يتم بالتفرق بالأبدان، لقوله صلّى الله عليه واله وسلّم:
«المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا» «٢».
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قال ابن عطية أجمع المفسرون أنّ المعنى: لا يقتل بعضكم بعضا، قلت: ولفظها يتناول قتل الإنسان لنفسه، وقد حملها عمرو بن العاص على ذلك، ولم ينكره رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم إذ سمعه وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ إشارة إلى القتل، لأنه أقرب مذكور، وقيل: إليه وإلى أكل المال بالباطل، وقيل: إلى كل ما تقدّم من المنهيات من أوّل السورة إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ «٣» اختلف الناس في الكبائر ما هي؟ فقال ابن عباس: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب، وقال ابن مسعود:
الكبائر هي الذنوب المذكورة من أول هذه السورة إلى أوّل هذه الآية، وقال بعض العلماء:
كل ما عصي الله به، فهو كبيرة، وعدّها بعضهم سبعة عشر، وفي البخاري عن النبي صلّى الله عليه واله وسلّم: «اتقوا السبع الموبقات: الإشراك بالله والسحر، وقتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات»، فلا شك أنّ هذه من الكبائر للنص عليها في الحديث، وزاد بعضهم عليها أشياء، وورد في الأحاديث النص على أنها كبائر، وورد في القرآن أو في الحديث وعيد عليها، فمنها عقوق الوالدين، وشهادة الزور، واليمين الغموس والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والنهبة، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، ومنع ابن السبيل الماء والإلحاد في البيت الحرام، والنميمة، وترك التحرّز من البول والغلول واستطالة المرء في عرض أخيه، والجور في الحكم نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وعد بغفران الذنوب الصغائر إذا اجتنب الكبائر مُدْخَلًا كَرِيماً اسم مكان وهو هنا الجنة
وَلا تَتَمَنَّوْا الآية: سببها أن النساء قلن: ليتنا استوينا
(٢). رواه أحمد عن ابن عمر ج أول ص: ٦٨.
(٣). ذكره المنذري ج ٣ ص ٤٨ بلفظ: اجتنبوا السبع الموبقات وعزاه للبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي عن أبي هريرة.

مع الرجال في الميراث، وشاركناهم في الغزو. فنزلت نهيا عن ذلك لأن في تمنيهم ردّ على حكم الشريعة، فيدخل في النهي تمني مخالفة الأحكام الشرعية كلها لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا الآية: أي من الأجر والحسنات، وقيل: من الميراث، ويرده لفظ الاكتساب وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ الآية: في معناه وجهان أحدهما: لكل شيء من الأموال جعلنا موالي يرثونه، فمما ترك على هذا بيان لكل، والآخر: لكل أحد جعلنا موالي يرثون مما ترك الوالدان والأقربون، فمما ترك على هذا: يتعلق بفعل مضمر، والموالي: هنا الورثة والعصبة وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ اختلف هل هي منسوخة أو محكمة؟
فالذين قالوا إنها منسوخة قالوا: معناها الميراث بالحلف الذي كان في الجاهلية، وقيل:
بالمؤاخاة التي آخى رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم بين أصحابه، ثم نسخها: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [الأنفال: ٧٥] فصار الميراث للأقارب. والذين قالوا إنها محكمة اختلفوا، فقال ابن عباس: هي المؤازرة والنصرة بالحلف لا في الميراث به، وقال أبو حنيفة: هي في الميراث، وأن الرجلين إذا والى أحدهما الآخر، على أن يتوارثا صح ذلك، وإن لم تكن بينهما قرابة الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ قوّام بناء مبالغة من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه، قال ابن عباس: الرجال أمراء على النساء بِما فَضَّلَ اللَّهُ الباء للتعليل، وما مصدرية، والتفضيل بالإمامة والجهاد، وملك الطلاق وكمال العقل وغير ذلك وَبِما أَنْفَقُوا هو: الصداق والنفقة المستمرة فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ أي النساء الصالحات في دينهن مطيعات لأزواجهن، أو مطيعة لله في حق أزواجهن حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ أي تحفظ كل ما غاب عن علم زوجها، فيدخل في ذلك صيانة نفسها وحفظ ماله وبيته وحفظ أسراره بِما حَفِظَ اللَّهُ أي بحفظ الله ورعايته، أو بأمره للنساء أن يطعن الزوج ويحفظنه، فما مصدرية أو بمعنى الذي وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ قيل: الخوف هنا اليقين فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ هذه أنواع من تأديب المرأة إذا نشزت على زوجها وهي على مراتب: بالوعظ في النشوز الخفيف، والهجران فيما هو أشد منه، والضرب فيما هو أشد ومتى انتهت عن النشوز بوجه من التأديب: لم يتعد إلى ما بعده، والهجران هنا هو ترك مضاجعتها، وقيل: ترك الجماع إذا ضاجعها، والضرب غير مبرح فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أي إذا أطاعت المرأة زوجها فليس له أن يؤذيها