١ - اجتهادهم في صالح الأعمال التي تغسل أدران النفاق، بأن يلتزموا الصدق في القول والعمل، مع الأمانة والوفاء بالوعد، ويخلصوا النصح لله ورسوله، ويقيموا الصلاة مع الخشوع والخضوع، ومراقبة الله في السر والعلن.
٢ - اعتصامهم باللهِ، بأن يكون غرضهم من التوبة وصلاح العمل مرضاة الله مع التمسك بكتابه، والتخلق بآدابه، والاعتبار بمواعظه، والرجاء في وعده، والخوف من وعيده، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، كما قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (١٧٥)﴾.
٣ - إخلاصهم لله بأن يدعوه وحده، ولا يدعوا من دونه أحدًا لكشف ضر، ولا لجلب نفع، بل يكون كل ما يتعلق بالدين والعبادة خالصًا له وحده، كما قال تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾ وكما جاء في قوله: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾.
﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ويعطي ﴿الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ وثوابا جزيلًا في الآخرة، ودرجات عالية في الجنة، لا يقدر قدره، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)﴾.
فائدة: وحذفت (١) الياء من ﴿يُؤْتِ﴾ في الخط مع عدم الجازم كما حذفت في اللفظ لسكونها وسكون اللام بعدها، ومثله: ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾ و ﴿سَنَدْعُ اَلزَبَايَةَ (١٨)﴾ و ﴿يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ﴾ ونحوها، فإن الحذف في الجميع لالتقاء الساكنين، والقراء يقفون عليه دون ياء اتباعًا للخط الكريم، إلا يعقوب: فإنه يقف بالياء نظرًا إلى الأصل، وروي ذلك عن الكسائي وحمزة.
١٤٧ - ثم بين أن تعذيبهم إنما كان لكفرهم بأنعم الله عليهم فقال: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾ والاستفهام فيه إنكاري، بمعنى النفي؛ أي: لا يعذبكم إن حصل منكم الشكر والإيمان، والمعنى: أي منفعة له في عذابكم إن
شكرتم وآمنتم، فإن ذلك لا يزيد في ملكه، كما أن ترك عذابكم لا ينقص من سلطانه، فهل (١) يعذبكم الله لأجل التشفي من الغيظ أم لطلب النفع أم لدفع التفسير، كما هو شأن الملوك، وكل ذلك محال في حقه تعالى، وإنما التعذيب أمر يقتضيه كفركم، فإذا زال ذلك بالإيمان والشكر انتفى التعذيب، وتقديم الشكر على الإيمان لأن الإنسان إذا نظر في نفسه.. رأى النعمة العظيمة حاصلة في تخليقها وترتيبها، فيشكر شكرًا مجملًا، ثم إذا تيمم النظر في معرفة المنعم.. آمن به، ثم شكر شكرًا مفصلًا، فكان ذلك الشكر المجمل مقدمًا على الإيمان.
والخلاصة: أنه تعالى لا يعذب أحدًا من خلقه انتقامًا منه، ولا طلبًا لنفع، ، ولا دفعًا لمضرة؛ لأنه تعالى غني عن كل أحد، منزه عن جلب منفعة له، وعن دفع مضرة عنه، بل ذلك جزاء كفرهم بأنعم الله عليهم، فهو قد أنعم عليهم بالعقل والحواس والجوارح والوجدان، لكنهم استعملوها في غير ما خلقت لأجله من الاهتداء بها، لتكميل نفوسهم بالفضائل والعلوم والمعارف، كما كفروا بخالق هذه القوى، فاتخذوا له شركاء، ولا ينفعهم تسميتهم شفعاء أو وسطاء، حتى فسدت فطرتهم، ودنست أرواحهم، ولو آمنوا وشكروا.. لطهرت أرواحهم، وظهرت آثار ذلك في عقولهم، وسائر أعمالهم التي تصلحهم في معاشهم ومعادهم، واستحقوا بذلك رضوان الله تعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ﴾ ﴿وَكَانَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿شَاكِرًا﴾؛ أي: قابلًا لأعمالكم مثيبًا عليها، موفيًّا أجوركم، وأتى (٢) في صفة الشكر باسم الفاعل بلا مبالغة؛ ليدل على أنه يتقبل ولو أقل شيء من العمل وينميه ﴿عَلِيمًا﴾ بشكركم وإيمانكم، فيجازيكم، وفي قوله: ﴿عَلِيمًا﴾ تحذير وندب إلى الإخلاص لله تعالى.
الإعراب
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب، ﴿الَّذِينَ﴾: في محل النصب اسمها، ﴿آمَنُوا﴾: فعل
(٢) البحر المحيط.
وفاعل، والجملة صلة الموصول، ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿آمَنُوا﴾، ﴿ثُمَّ آمَنُوا﴾: فعل وفاعل، معطوف على ﴿كَفَرُوا﴾، ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿آمَنُوا﴾ الثاني، ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا﴾ فعل وفاعل، معطوف على ﴿كَفَرُوا﴾ الأخير، ﴿كُفْرًا﴾: مفعول به لـ ﴿ازْدَادُوا﴾، وإنما عطفنا كلًّا من المعطوفات على ما قبله جريًا على القاعدة: أن المعطوفان إذا كثرت، وكان العطف بمرتب.. يعطف كل على ما قبله، وإن كان العطف بواو.. كان العطف على الأول دائمًا، ذكره الشيخ الحامدي على "شرح الكفراوي".
﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾.
﴿لَمْ﴾: حرف نفي وجزم، ﴿يَكُنِ﴾: مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، وهو من الأفعال الناقصة، ﴿اللَّهُ﴾: اسمها، ﴿لِيَغْفِرَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وجحود، ﴿يغفر﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد لام الجحود، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، ﴿لَهُمْ﴾: متعلق بـ ﴿يغفر﴾ ومفعول ﴿يغفر﴾ محذوف، تقديره: كفرهم، وجملة ﴿يغفر﴾ صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لم يكن الله لغفرانهم، الجار والمجرور متعلق بواجب الحذف؛ لوقوعه خبرًا لـ ﴿يكن﴾ تقديره: لم يكن الله مريدًا لغفرانهم، هذا على مذهب البصريين وهو الراجح، وجملة ﴿يَكُنِ﴾ من اسمها وخبرها في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة، ﴿وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿لا﴾: زائدة، زيدت لتأكيد نفي ما قبلها، ﴿اللام﴾ حرف جر وجحود، ﴿يهدي﴾ منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد لام الجحود، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، و ﴿الهاء﴾: ضمير الغائبين في محل النصب مفعول أول، ﴿سَبِيلًا﴾: مفعول ثان، وجملة ﴿يهدي﴾ صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، والجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبله، والتقدير: لم يكن الله مريدًا لغفرانهم، ولا مريدًا لهدايتهم سبيلًا.
﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾.
﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمَّد - ﷺ -،
والجملة مستأنفة، ﴿بِأَنَّ﴾ ﴿الباء﴾: حرف جر، ﴿أن﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور، خبر مقدم لـ ﴿أنَّ﴾، ﴿عَذَابًا﴾: اسمها مؤخر، ﴿أَلِيمًا﴾: صفة له، وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر مجرور بالباء، تقديره: يكون عذاب أليم لهم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿بَشِّرِ﴾.
﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (١٣٩)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل النصب صفة لـ ﴿الْمُنَافِقِينَ﴾، ﴿يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة صلة الموصول، ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل ﴿يَتَّخِذُونَ﴾، تقديره: يتخذون الكافرين أنصارًا حالة كونهم متجاوزين في اتخاذهم اتخاذ المؤمنين، ﴿أَيَبْتَغُونَ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري، ﴿يبتغون﴾: فعل وفاعل، والجملة جملة استفهامية إنشائية لا محل لها من الإعراب، ﴿عِنْدَهُمُ﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿يبتغون﴾، ﴿الْعِزَّةَ﴾: مفعول به، ﴿فَإِنَّ﴾ ﴿الفاء﴾: تعليلية، ﴿إن﴾: حرف نصب، ﴿الْعِزَّةَ﴾: اسمها، ﴿لِلَّهِ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾، ﴿جَمِيعًا﴾: حال من الضمير المستكن في ﴿لِلَّهِ﴾ لاعتماده على المبتدأ، وجملة ﴿إن﴾ في محل الجر بلام التعليل المقدرة، المدلول عليها بالفاء التعليلية المتعلقة بمعلول محذوف، مفهوم من الاستفهام الإنكاري، تقديره: لا ينبغي ابتغاء العزة عند غير الله تعالى، لكون العزة لله سبحانه وتعالى جميعًا وفي "الفتوحات" (١) قوله: ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ دخلت ﴿الفاء﴾ لما في الكلام من معنى الشرط، إذ المعنى: إن تبتغوا من هؤلاء عزة اهـ "سمين". وعبارة أبي السعود: وهذه الجملة تعليل لما يفيده الاستفهام الإنكاري من بطلان رأيهم، وخيبة رجائهم، فإن انحصار جميع أفراد العزة في جنابه عز وعلا بحيث لا ينالها إلا أولياؤه الذين كتب لهم العزة والغلبة، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ...﴾ يقتضي
بطلان الاعتزاز بغيره سبحانه جل وعلا، واستحالة الانتفاع به، وقيل: هي جواب شرط محذوف، كأنه قيل: إن تبتغوا عندهم عزة فإن العزة لله جميعًا اهـ.
﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠)﴾.
﴿وَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿قد﴾: حرف تحقيق، ﴿نَزَّلَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾، والجملة مستأنفة، ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿نَزَّلَ﴾، وكذا ﴿فِي الْكِتَابِ﴾ متعلق بـ ﴿نَزَّلَ﴾، ﴿أَنْ﴾: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، تقديره: أنه، ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿سَمِعْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب، ﴿آيَاتِ اللَّهِ﴾: مفعول به ومضاف إليه، ﴿يُكْفَرُ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ﴿بِهَا﴾: جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل أصله: يكفر بها أحد، فحذف الفاعل، وأقيم الجار والمجرور مقامه، والجملة في محل النصب حال من ﴿آيَاتِ اللَّهِ﴾، ﴿وَيُسْتَهْزَأُ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ﴿بِهَا﴾: نائب فاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿يُكْفَرُ بِهَا﴾، على كونها حالًا من ﴿آيَاتِ اللَّهِ﴾؛ أي: حالة كونها مكفورًا بها ومستهزءًا بها، ﴿فَلَا﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب ﴿إذَا﴾ وجوبًا لكون الجواب جملة طلبية، ﴿لا﴾: ناهية، ﴿تَقْعُدُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، ﴿مَعَهُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَقْعُدُوا﴾، والجملة الفعلية جواب ﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إذَا﴾ من فعل شرطها وجوابها في محل الرفع خبر ﴿أَنْ﴾ المخففة، وجملة ﴿أَنْ﴾ المخففة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية على قراءة ﴿نَزَّلَ﴾ بالبناء للفاعل، أو مرفوع على النيابة عن الفاعل على قراءة البناء للمفعول، تقديره: على القراءة الأولى: وقد نزل عليكم في الكتاب عدم قعودكم مع الكفار والمنافقين وقت سماعكم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها، ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية، ﴿يَخُوضُوا﴾: فعل وفاعل، منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد
﴿حَتَّى﴾ الجارة، ﴿فِي حَدِيثٍ﴾: جار ومجرور متعلق به، ﴿غَيْرِهِ﴾: صفة لـ ﴿حَدِيثٍ﴾ علي تأويله بمشتق؛ أي: مغاير إياه، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾، بمعنى إلى، تقديره: إلى خوضهم في حديث غيره، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تَقْعُدُوا﴾ ﴿إِنَّكُمْ﴾ ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿الكاف﴾ اسمها، ﴿إِذًا﴾: هاهنا (١) ملغاة، لوقوعها بين الاسم والخبر، ولذلك لم يذكر بعدها الفعل، ﴿مِثْلُهُمْ﴾: خبر ﴿إِنَّ﴾ ومضاف إليه، وجملة ﴿إن﴾ في محل الجر مسوقة لتعليل النهي المذكور قبله. ﴿إنَّ﴾: حرف نصب، ﴿اللَّهَ﴾: اسمها، ﴿جَامِعُ﴾: خبرها، ﴿الْمُنَافِقِينَ﴾: مضاف إليه، ﴿وَالْكَافِرِينَ﴾: معطوف على ﴿الْمُنَافِقِينَ﴾، ﴿فِي جَهَنَّمَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَامِعُ﴾، ﴿جَمِيعًا﴾: حال من ﴿الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ﴾ وجملة ﴿إنَّ﴾ في محل الجر مسوقة لتعليل ما قبلها؛ أي (٢): معللة لكونهم مثلهم في الكفر ببيان ما يستلومه من شركتهم لهم في العذاب.
﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: في محل النصب بدل من قوله: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ﴾، والمعنى: بشر الذين يتربصون بكم، ﴿يَتَرَبَّصُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، ﴿بِكُمْ﴾: متعلق به، ﴿فَإِنْ﴾ ﴿الفاء﴾: تفصيلية، ﴿إن﴾ حرف شرط، ﴿كاَنَ﴾: فعل ماض ناقص في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿كان﴾، ﴿فَتْحٌ﴾: اسم ﴿كَانَ﴾ مؤخر، ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿فَتْحٌ﴾؛ أي: فإن كان فتح من الله كائنا لكم، ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه جوابًا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية جملة مفصلة لجملة الصلة لا محل لها من الإعراب، ﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالُوا﴾، وإن شئت قلت ﴿أَلَمْ﴾ ﴿الهمزة﴾ للاستفهام التقريري، ﴿لم﴾: حرف نفي وجزم، ﴿نَكُنْ﴾: فعل ناقص مجزوم بـ ﴿لم﴾
(٢) أبو السعود.
واسمها ضمير يعود على ﴿الْمُنَافِقِينَ﴾. ﴿مَعَكُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بمحذوف خبر ﴿نَكُنْ﴾ تقديره: ألم نكن كائنين معكم، والجملة في محل النصب مقول القول.
﴿وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾.
﴿وَإِنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿إن﴾: حرف شرط، ﴿كاَنَ﴾: فعل ماض ناقص في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾: جار ومجروو خبر مقدم لـ ﴿كان﴾، ﴿نَصِيبٌ﴾: اسم ﴿كَانَ﴾ مؤخر، ﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه جوابا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿إن﴾ التي قبلها. ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قَالُوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَلَمْ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التقريري، ﴿لم﴾ حرف جزم، ﴿نَسْتَحْوِذْ﴾: فعل مضارع مجزوم لـ ﴿لم﴾ وفاعله ضمير يعود على ﴿الْمُنَافِقِينَ﴾، ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب مقول القول، ﴿وَنَمْنَعْكُمْ﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿نَسْتَحْوِذْ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْمُنَافِقِينَ﴾، ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: متعلق به، ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ ﴿الفاء﴾: استئنافية، ﴿الله﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَحْكُمُ﴾ خبره، والجملة الإسمية مستأنفة، ﴿بَيْنَكُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَحْكُمُ﴾، ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: متعلق أيضا بـ ﴿يَحْكُمُ﴾، ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ﴾: ناصب وفعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ﴾، ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾: متعلق بـ ﴿يَجْعَلَ﴾، ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾: متعلق أيضًا بـ ﴿يَجْعَلَ﴾ أو حال من ﴿سَبِيلًا﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها فيعرب حالًا ﴿سَبِيلًا﴾: مفعول به.
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾: ناصب واسمه، ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول،
والجملة في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾ وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة، ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿يُخَادِعُونَ﴾ أو من مفعوله. ﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿قَامُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها. ﴿إِلَى الصَّلَاةِ﴾: متعلقان بـ ﴿قَامُوا﴾ الأولى. ﴿قَامُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب، ﴿كُسَالَى﴾: حال من فاعل ﴿قَامُوا﴾، وجملة ﴿إذا﴾ من فعل شرطها وجوابها في محل الرفع معطوفة على خبر ﴿إنَّ﴾ أخبر عنهم بهذه الصفات الذميمة، ﴿يُرَاءُونَ النَّاسَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من الضمير المستكن في ﴿كُسَالَى﴾، أو بدل من ﴿كُسَالَى﴾، كما قاله أبو البقاء، وفيه نظر لأن الثاني ليس كلا للأول ولا بعضه، ولا مشتملًا عليه، أو الجملة مستأنفة، ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿يُرَاءُونَ﴾، ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ، ﴿قَلِيلًا﴾: نعت لمصدر محذوف، تقديره: إلا ذكرًا قليلًا.
﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾.
﴿مُذَبْذَبِينَ﴾: حال من فاعل ﴿يُرَاءُونَ﴾، أو منصوب على الذم، ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿مُذَبْذَبِينَ﴾، ﴿لَا﴾: نافية، ﴿إِلَى هَؤُلَاءِ﴾ جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في ﴿مُذَبْذَبِينَ﴾، تقديره: حالة كونهم لا منسوبين إلى هؤلاء المؤمنين، ولا منسوبين على هؤلاء الكافرين، ﴿وَلَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿لَا﴾: نافية، ﴿إِلَى هَؤُلَاءِ﴾ معطوف على الجار والمجرور قبله. ﴿وَمَنْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿من﴾: اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو جملة الجواب، ﴿يُضْلِلِ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، مجزوم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿فَلَن﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة الجواب وجوبا، ﴿لن﴾: حرف نصب، ﴿تَجِدَ﴾: منصوب بـ ﴿لن﴾، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، أو على أي مخاطب، ﴿لَهُ﴾: متعلق به، ﴿سَبِيلًا﴾: مفعول به؛ لأنه
من وجدان الضالة، فله مفعول واحد لا من وجد بمعنى علم، وجملة ﴿تَجِدَ﴾ في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿من﴾ الشرطية مستأنفة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾.
﴿يا﴾: حرف نداء، ﴿أي﴾: منادى نكرة مقصودة، ﴿ها﴾: حرف تنبيه زائد، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾: صفة لـ ﴿أي﴾، وجملة النداء مستأنفة، ﴿لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ﴾: ناف وفعل وفاعل ومفعولان، والجملة صلة الموصول، ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل ﴿تَتَّخِذُوا﴾. ﴿أَتُرِيدُونَ﴾ ﴿الهمزة﴾ للاستفهام الإنكاري، ﴿تريدون﴾: فعل وفاعل، والجملة جملة إنشائية مستأنفة، ﴿أَنْ تَجْعَلُوا﴾ ناصب وفعل وفاعل، والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: أتريدون جعلكم لله سلطانا مبينا عليكم، ﴿لِلَّهِ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿تَجْعَلُوا﴾، ﴿عَلَيْكُمْ﴾: جار ومجرور حال من ﴿سُلْطَانًا﴾ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، ﴿سُلْطَانًا﴾: مفعول به، ﴿مُبِينًا﴾ صفة له.
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب، ﴿الْمُنَافِقِينَ﴾: اسمها، ﴿فِي الدَّرْكِ﴾ جار ومجرور خبر ﴿إِنَّ﴾، ﴿الْأَسْفَلِ﴾: صفة لـ ﴿الدَّرْكِ﴾، ﴿مِنَ النَّارِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿الدَّرْكِ﴾، والعامل فيه معنى الاستقرار في الجار والمجرور لاعتماده على المخبر عنه، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة، ﴿وَلَنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿لن﴾: حرف نفي ونصب، ﴿تَجِدَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿لن﴾، ﴿لَهُمْ﴾: متعلق به أو حال من ﴿نَصِيرًا﴾، ﴿نَصِيرًا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على خبر ﴿إن﴾.
﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء، ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل النصب على
الاستثناء من قوله: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾، أو من الضمير المجرور في ﴿لَهُمْ﴾، ﴿تَابُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، ﴿وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا﴾: معطوفان على ﴿تَابُوا﴾، ﴿بِاللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿اعتصموا﴾، ﴿وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿تَابُوا﴾، ﴿لِلَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أخلصوا﴾، ﴿فَأُولَئِكَ﴾: ﴿الفاء﴾: تعليلية لأن الفاء بعد الاستثناء تكون للتعليل غالبًا، ﴿أولئك﴾: مبتدأ، ﴿مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: ظرف ومضاف إليه، خبر المبتدأ، تقديره: فأولئك كائنون مع المؤمنين، والجملة الإسمية في محل الجر بلام التعليل المقدرة، المدلول عليها بالفاء التعليلية المعللة بمعلول محذوف، تقديره: وإنما استثنينا هؤلاء لكونهم مع المؤمنين، والجملة المحذوفة مستأنفة، ﴿وَسَوْفَ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿سوف﴾: حرف تنفيس، ﴿يُؤْتِ﴾: فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، وحذفت الياء في خط المصحف العثماني تبعًا للفظ، ﴿اللَّهُ﴾ فاعل، أو الجملة مستأنفة، ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾: مفعول أول، ﴿أَجْرًا﴾: مفعول ثان لأتى لأن أتى هنا بمعنى أعطى يتعدى إلى مفعولين، ﴿عَظِيمًا﴾: صفة لـ ﴿أَجْرًا﴾.
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾.
﴿مَا﴾: اسم استفهام في محل النصب مفعول مقدم وجوبا لكونه مما يلزم الصدارة، ﴿يَفْعَلُ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والاستفهام هنا للإنكار بمعنى النفي، كما مر في بحث التفسير؛ أَي: لا يفعل الله عذابكم، ﴿بِعَذَابِكُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَفْعَلُ﴾، ﴿إن﴾: حرف شرط، ﴿شَكَرْتُمْ﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿وَآمَنْتُمْ﴾: معطوف عليه، وجواب ﴿إن﴾ معلوم مما قبلها، تقديره: إن شكرتم وآمنتم لا يعذبكم الله، والجملة مستأنفة ﴿وَكاَنَ اللهُ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿كان اللهُ﴾: فعل ناقص واسمها، ﴿شَاكِرًا﴾: خبر أول لها، ﴿عَلِيمًا﴾: خبر ثان لها، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
التصريف ومفردات اللغة
﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ ازداد بمعنى زاد، لازما ومتعديًا، يقال ازداد الشيء إذا طلب منه الزيادة، أصله ازتيد على وزن افتعل، قلبت تاء الافتعال دالًا فصار ازديد، فيقال تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، فصار ازداد. ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ﴾ العزة والعز بكسر أولهما مصدران لعزه يعزه عزًّا وعزة إذا غلبه، والعزة الغلبة والقوة. ﴿حَتَّى يَخُوضُوا﴾ يقال خاض خوضًا من باب قال، والخوض (١) الاقتحام في الشيء، تقول خصت الماء خوضًا وخياضًا، وخضت الغمرات اقتحمتها، وخاضه بالسيف حرك سيفه في المضروب، وتخاوضوا في الحديث إذا تفاوضوا فيه، والمخاضة موضع الخوض، والخوضة بفتح الخاء اللؤلؤة، واختاض بمعنى خاض، وتخوض إذا تكلف الخوض.
﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ﴾ في "المصباح" يقال: تربصت الأمر تربصًا انتظرته، والربصة وزان الغرفة، اسم منه وتربصت الأمر بفلان انتظرت وقوعه به، ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ وقولهم نستحوذ واستحوذ مما شذ قياسًا، وفصح استعمالًا؛ لأن من حقه نقل حركة حرف علته إلى الساكن قبلها، وقلبها ألفًا، كاستقام، واستعان، واستبان، وبابه، والاستحواذ: التغلب على الشيء والاستيلاء عليه، ومنه: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾، يقال: حاذ وأحاذ بمعنى والمصدر الحوذ.
﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته، إذا غلبته وكنت أخدع منه، ﴿كسالى﴾ بضم الكاف على قراءة الجمهور جمع كسلان، كسكارى جمع سكران، والضم لغة أهل الحجاز، وفعلان (٢) هذا يجمع على فعالى كهذا، وعلى فعالى كغضبان وغضابى، والكسل الفتور عن الشيء والتواني فيه، وهو ضد النشاط، وأكسل إذا جامع وفتر ولم ينزل، وقال بعضهم في ذم الفلاسفة:
وَمَا انْتَسَبُوْا إِلَى الإِسْلاَمِ إلا | لِصَوْنِ دِمَائِهِمْ أَنْ لاَ تُسَالاَ |
فَيَأَتُوْنَ الْمَنَاكِرَ في نَشَاطٍ | وَيَأتُوْنَ الصَّلاَةَ وَهُمْ كُسَالَى |
(٢) النهر.
﴿يُرَاءُونَ النَّاسَ﴾ وأصل يراؤون يُرائِيُون، فأُعل كنظائره، والجمهور على أن يراؤون من المفاعلة، قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى: وهي مفاعلة من الرؤية؟
قلت: أن المرائي يريهم عمله، وهم يرونه إستحسانه.
﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ جمع مذبذب اسم مفعول من ذبذب، وفي "المصباح" ذبذبه ذبذبة إذا تركه حيران مترددًا، وفي "أبي السعود": حقيقة المذبذب ما يذب ويدفع عن كلا الجانبين مرة بعد أخرى، وعبارة البيضاوي: والمعنى مرددين بين الإيمان والكفر، من الذبذبة وهي جعل الشيء مضطربًا، وأصل الذب بمعنى الطرد، وقرىء بكسر الذال بمعنى يذبذبون قلوبهم أو دينهم، أو يذبذبون كقولهم: صلصل بمعنى تصلصل، وزلزل بمعنى تزلزل، وفي "الشوكاني": الذبذبة الاضطراب، يقال ذبذبه فتذبذب ومنه قول النابغة:
أَلَمْ ترَ أَنَّ اللهَ أعْطَاكَ سُوْرَةً | تَرَى كُلَّ مُلْكٍ دُوْنَهَا يَتذَبْذَبُ |
﴿سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ السلطان يذكر ويؤنث، فتذكيره باعتبار البرهان، وتأنيثه باعتبار الحجة، إلا أن التأنيث أكثر عند الفصحاء، وقال الفراء: التذكير أشهر، وهي لغة القرآن.
﴿فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ﴾ قرأ الكوفيون بخلاف من عاصم: الدرك بسكون الراء، والباقون بفتحها، وفي ذلك قولان:
أحدهما: أن الدَّرْك والدَّرَك لغتان بمعنى واحد، كالشَّمْع والشَّمَع، والغَّدْر والغدر.
والثاني: أن الدرك بالفتح جمع دركة، على حد بقر وبقرة، والدرك مأخوذ من المداركة وهي المتابعة، والدركات بالكاف منازل أهل النار، والدرجات صفحة رقم 441
بالجيم منازل أهل الجنة، وسميت طبقات النار دركات لأن بعضها مدارك لبعض؛ أي: متابعه، فالدرك ما كان إلى أسفل، والدرج ما كان إلى فوق.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من الفصاحة والبلاغة (١):
فمنها: الجناس المغاير في قوله: ﴿يُخَادِعُونَ﴾ و ﴿خَادِعُهُمْ﴾، وفي قوله: ﴿شَكَرْتُمْ﴾ و ﴿شَاكِرًا﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿جَامِعُ﴾ و ﴿جَمِيعًا﴾، وفي قوله: ﴿كَفَرُوا﴾ و ﴿كَفَرُوا﴾، وفي ﴿وَإِذَا قَامُوا﴾ و ﴿قَامُوا﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿ءَامَنوُا ثُمَّ كَفَرُوا﴾، وفي قوله: ﴿المُنَافِقِينَ﴾.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿ازْدَادُواْ كُفْرًا﴾، وفي قوله: ﴿لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾، وفي قوله: ﴿يَتَرَبَّصُونَ﴾، وفي قوله: ﴿فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ﴾، وفي قوله: ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ﴾، وفي قوله: ﴿سَبِيلًا﴾، وهذه كلها للأجسام استعيرت للمعاني.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿الْكَافِرِينَ﴾ و ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾.
ومنها: الأسلوب التهكمي في قوله: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ﴾ حيث استعمل لفظ البشارة مكان الإنذار تهكمًا.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ﴾ والغرض منه التقريع والتوبيخ.
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ إذا كان الخطاب للمنافقين.
ومنها: التكرار أيضًا في: اسم الله، وفي قوله: ﴿هَؤُلَاءِ﴾ و ﴿هَؤُلَاءِ﴾، وفي قوله: ﴿الْكَافِرِينَ﴾ و ﴿الْكَافِرِينَ﴾.
ومنها: الاختصاص في قوله: ﴿إِلَى الصَّلَاةِ﴾، وفي قوله: ﴿الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ﴾.
ومنها: الإشارة في مواضع.
ومنها: الاستعارة في: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ استعار اسم الخداع للمجازاة، وفي ﴿سَبِيلًا﴾، وفي ﴿سُلْطَانًا﴾ لقيام الحجة، والدرك الأسفل لانخفاض طبقاتهم في النار، واعتصموا للالتجاء.
ومنها: الحذف في مواضع (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم بمعنى كلامه وبمراده به.
* * *
وكان الفراغ من مسودة هذا المجلد السادس في اليوم الرابع والعشرين قبيل المغرب من شهر الله المحرم المبارك، من سنة تسع وأربع مئة وألف من الهجرة النبوية، بحارة الرشد من المسفلة من مكة المكرمة، زادها الله شرفًا، وختم عمرنا فيها، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين آمين.
تم بعون الله تعالى المجلد السادس من شرح حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، ويليه المجلد السابع، وأوله قوله: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ رقم (١٤٨) من الآيات سورة النساء. وما أحسن قول العلامة الحريري في ملحمة الأعراب:
وَإِنْ تَجِدْ عَيبًا فَسُدَّ اَلْخَلَلاَ | فَجَلَّ مَنْ لاَ عَيْبَ فِيْهِ وَعَلَا |
وإِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الخَلَلاَ | وَجَلَّ مَنْ لاَ عَيْبَ فِيْهِ وَعَلاَ |
وَلِبَنِي سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَهْ | مَعْذِرَةٌ مَقْبُولَةٌ مُسْتَحْسَنَهْ |
جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مَنْ تَأَمَّلَ صَنْعَتِيْ | وَقَابَلَ مَا فِيهَا مِنَ السَّهْوِ بالْعَفْوِ |
وَأَصْلَحَ مَا أَخْطَأتُ فِيْهِ بِفَضْلِهِ | وَفِطْنَتِهِ أَستَغْفِرُ اللهَ مِنْ سَهْوِيْ |
الصَّبْرُ مِفْتَاحُ مَا يُرْجَى | وَكُلُّ خَيْرٍ بِهِ يَكُوْنُ |
فَاصْبِرْ وَإِنْ طَالَتِ اللَّيَالِي | فَرُبَّمَا أمْكَنَ الْحَزُوْنُ (١) |
وُرُبَّمَا نِيْلَ بِاصطِبَارِ | مَا قِيْلَ هَيْهَاتَ لاَ تَكُوْن |
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله على إفضاله، والصلاة والسلام على نبيه وآله، سيدنا محمَّد من القرآنُ مِنْ خُلُقِهِ وحالِه.قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (١٤٩) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٥٢) يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (١٥٤) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩)﴾. صفحة رقم 7
المناسبة
قوله تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ إلى قوله: ﴿أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه لما ذكر الله سبحانه وتعالى المنافقين وفضحهم في الآيات السابقة.. ذكر هنا أنه لا يحب إظهار الفضائح والقبائح إلا في حقِّ منْ زاد ضرره وعظم خطره، فلا عجيب أن يكشف الله عن المنافقين الستر. ثم تحدث عن اليهود، وعدد بعض جرائمهم الشنيعة، كطلبهم رؤية الله جهرةً، وعبادتهم للعجل، وادعائهم صلب المسيح، واتهامهم مريم البتول بالفاحشة، إلى غير ما هناك من قبائح وجرائم شنيعة.
وعبارة المراغي هنا قوله تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين كثيرًا من عيوب المنافقين ومفاسدهم لإقامة الحجة عليهم وحذر المؤمنين من مثل أعمالهم وأخلاقهم - كما قال: ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ بين هنا حكم الجهر بالسوء من القول، وإبداء الخير وإخفائه؛ حتى لا يستدل المؤمنون بذكر عيوب المنافقين والكافرين في القرآن على استحباب الجهر بالسوء من القول أو مشروعيته إذا كان حقًّا على الإطلاق، فيفشوا ذلك، وفي هذا من الضرر ما سنذكره. وفي "الجمل": مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن ما تقدم فيه ذكر قبائح المنافقين وإيذائهم للمؤمنين، فالمؤمنون مظلومون، فيجوز لهم ذكر سوئهم جهرًا، وأيضًا تناسب قوله شاكرًا، أي: سواء كان سرًّا أو جهرًا، وهذا ضده. انتهى.
وقال أبو حيان (١): مناسبة هذه الآية لما قبلها هي: أنه تعالى لما ذكر من أحوال المنافقين وذمهم وإظهار فضائحهم ما ذكر وبين ظلمهم واهتضامهم جانب المؤمنين.. سوغ هنا للمؤمنين أن يذكروهم بما فيهم من الأوصاف الذميمة، وقال عليه السلام: "اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس" انتهى.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أن الله سبحانه وتعالى لما بين ما عليه المنافقون من سوء الخليقة ومذموم الطريقة.. أخذ في الكلام على اليهود والنصارى وجعل كفرهم ببعض الرسل كفرًا بجميع الرسل، وكفرهم بالرسل كفرًا بالله.
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٢) بين في سابق الآيات حال الذين يكافرون بالله ورسله ويفرقون بين الله ورسله فيقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض وهم أهل الكتاب.. بين في هذه الآيات بعض حوادث لليهود تدل على شديد تعنتهم وجهلهم بحقيقة الدين.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ...﴾ الآية، سبب نزولها: أن رجلًا استضاف قومًا فلم يحسنوا ضيافته، فلما خرج.. تكلم فيهم جهرًا بسوء. وقيل: إن سبب نزولها أن رجلًا نال من أبي بكر رضي الله عنه والنبي - ﷺ - حاضر، فسكت عنه مرارًا، ثم رد عليه، فقام النبي - ﷺ -، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، شتمني فلم تقل شيئًا، حتى إذا رددت عليه قمت؟! فقال له: "إن ملكًا كان يجيب عنك، فلما رددت عليه.. ذهب الملك وجاء الشيطان، فقمت" فنزلت الآية.
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ...﴾ الآية، سبب نزولها (٣): ما أخرجه ابن جرير عن محمَّد بن كعب القرظي قال: جاء ناسٌ من أهل الكتاب إلى رسول الله - ﷺ - فقالوا: إن موسى جاءنا بالألواح من عند الله، فأتنا بالألواح حتى نصدقك، فأنزل اللهُ عزَّ وجل: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ إلى قوله: ﴿بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ فجثا رجل من اليهود فقال: ما أنزل الله عليك ولا على موسى ولا على عيسى
(٢) المراغي.
(٣) لباب النقول.