
من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة، فملؤوا الغرائِر»
رملاً، ثم أتوا إِبراهيم عليه السلام، فأعلموه، فاهتم إِبراهيم لأجل الخلق. فنامَ وجاءت سارة وهي لا تعلم ما كان، ففتحت الغرائر، فاذا دقيق حُواري، فأمرت الخبازين فخبزوا، وأطعموا الناس، فاستيقظ إِبراهيم، فقال: من أين هذا الطعام؟
فقالت: من عند خليلك المصري، فقال: بل من عند خليلي الله عزّ وجلّ، فيومئذٍ اتخذه الله خليلا، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: أنه اتخذه خليلاً لكسره الأصنام، وجداله قومه، قاله مقاتل.
[سورة النساء (٤) : آية ١٢٦]
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (١٢٦)
قوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً أي: أحاط علمه بكل شيء.
[سورة النساء (٤) : آية ١٢٧]
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧)
قوله تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ في سبب نزولها خمسة أقوال:
(٣٧٤) أحدها: أنهم كانوا في الجاهلية لا يورِّثون النساء والأطفال، فلما فرض الله المواريث في هذه السورة، شق ذلك عليهم، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فنزلت هذه الآية، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد.
(٣٧٥) والثاني: أن ولي اليتيمة كان يتزوّجها إِذا كانت جميلةً وهَوِيَها، فيأكل مالها، وإن كانت دميمة منعها الرجال حتى تموت، فاذا ماتت ورثها، فنزلت هذه الآية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٣٧٦) والثالث: أنهم كانوا لا يؤتون النساء صَدُقَاتِهِنَّ، ويتملَّك ذلك أولياؤهنّ، فلما نزل قوله
أخرجه الطبري ١٠٥٧٦ عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به. وأخرجه الطبري ١٠٥٥٤ عن عطية العوفي عن ابن عباس قال: كانت اليتيمة تكون في حجر الرجل فيرغب أن ينكحها أو يجامعها، ولا يعطيها مالها، رجاء أن تموت فيرثها. وأخرجه الطبري ١٠٥٤٩ و ١٠٥٥٠ عن إبراهيم النّخعي مرسلا. وأخرجه برقم ١٠٥٥١ عن أبي مالك مرسلا. فهذه الروايات تتأيد بمجموعها.
صحيح. أخرجه البخاري ٤٦٠٠ ومسلم ٣٠١٨ وأبو داود ٢٠٦٨ والنسائي في «التفسير» ١٤٤ والواحدي ٣٦٨ في «أسباب النزول» والبيهقي ٧/ ١٤١- ١٤٢ والطبري ١٠٥٥٩ كلهم عن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ إلى قوله: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ قالت عائشة: هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها فأشركته في ماله حتى العذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوّجها رجلا فيشركه في ماله بما شركته، فيعضلها فنزلت هذه الآية.
وقوله «فيعضلها» : أي لم يعاملها معاملة الأزواج لنسائهم، ولم يتركها تتصرف في نفسها، فكأنه قد منعها.
__________
(١) في «اللسان» : الغرائر: جمع غرارة: وهي الجوالق التي يوضع فيها التبن والقمح وغيرهما.

تعالى: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فنزلت هذه الآية، هذا قول عائشة عليها السلام.
(٣٧٧) والرابع: أن رجلاً كانت له امرأة كبيرة، وله منها أولاد، فأراد طلاقها، فقالت: لا تفعل، واقسم لي في كل شهر إِن شئت أو أكثر فقال: لئن كان هذا يصلحُ، فهو أحبُ إِليّ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر له ذلك، فقال: «قد سمع الله ما تقول، فإن شاء أجابك»، فنزلت هذه الآية، والتي بعدها، رواه سالم الأفطس عن سعيد بن جبير.
والخامس: أن ولي اليتيمة كان إِذا رغب في مالها وجمالها لم يبسط لها في صداقها، فنزلت هذه الآية، ونهوا أن ينكحوهنّ، أو يبلغوا بهنّ سنتهن من الصداق، ذكره القاضي أبو يعلى.
وقوله تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ أي: يطلبون منك الفتوى، وهي تبيين المشكل من الأحكام. وقيل:
الاستفتاء: الاستخبار. قال المفسّرون: والذي اسْتَفْتَوه فيه، ميراث النساء، وذلك أنهم قالوا: كيف ترث المرأة والصبي الصغير؟
قوله تعالى: وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ قال الزجاج: موضع «ما» رفع، المعنى: الله يفتيكم فيهن، وما يتلى عليكم في الكتاب أيضا يفتيكم فيهنّ. وهو قوله تعالى: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ الآية. والذي تلي عليهم في التزويج قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ «١». وفي يتامى النساء قولان: أحدهما: أنهنّ النساء اليتامى، فأضيفت الصّفة إِلى الاسم، كما تقول: يوم الجمعة. والثاني: أنهن أمهات اليتامى، فأضيف إِليهن أولادهن اليتامى.
وفي الذي كتب لهن قولان: أحدهما: أنه الميراث، قاله ابن عباس، ومجاهد في آخرين.
والثاني: أنه الصداق. ثم في المخاطب بهذا قولان: أحدهما: أنهم أولياء المرأة كانوا يحوزون صداقها دونها. والثاني: ولي اليتيمة، كان إِذا تزوجها لم يعدل في صداقها.
وفي قوله تعالى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ قولان: أحدهما: وترغبون في نكاحهن رغبة في جمالهن، وأموالهن، هذا قول عائشة، وعبَيدة. والثاني: وترغبون عن نكاحِهن لقبحهنّ، فتمسكوهن رغبة في أموالهن، وهذا قول الحسن.
قوله تعالى: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ قال الزجاج: موضع «المستضعفين» خفض على قوله تعالى: وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ المعنى: وفي الولدان. قال ابن عباس: يريد أنهم لم يكونوا يورّثون صغيراً من الغلمان والجواري، فنهاهم الله عن ذلك، وبيّن لكلّ ذي سهم
__________
(١) سورة النساء: ٣.