آيات من القرآن الكريم

لَعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

أولهما- تضامن الأمة كلها في سرها وعلنها في أعمال الخير والبناء والمعروف، والعمل على تقوية الأواصر الاجتماعية، وتحقيق تكافل الجماعة، وتمتين الروابط، وتوجيه الجهود والطاقات نحو تحقيق النفع العام، وإشاعة المحبة والمودة والإصلاح بين الناس، وإصلاح أهل الفساد، والأخذ بيد الضعفاء.
والأمر الثاني- وجوب التفاف الأمة حول الوحدة: وحدة العقيدة والفكر، واتباع النبي صلّى الله عليه وسلّم، واتباع ما تسير عليه الجماعة والأكثرية في دروب الخير والنفع، ومقاومة كل ألوان الشر والفساد، وإضعاف المسيرة الخيرة في الجهاد وتحرير البلاد، وتقدم المجتمع، وبناء صرح العزة والحضارة.
خطر الشرك والشيطان
لقد حذر القرآن الكريم من أخطر شيئين على الإنسان، لما فيهما من عاقبة سيئة وآثار وخيمة، ألا وهما الشرك والشيطان، أما الشرك بالله بنسبة الولد والصاحبة والصنم والملك له فهو أعظم الجرائم في الإسلام لأنه وكر الخرافات والأباطيل، وأما الشيطان هو مخلوق حي موجود فإنه أعدى أعداء الإنسان لأنه لا يوسوس له إلا بالشر، ولا يزين له إلا بالسوء، والوقوع في المهالك من طريق المال أو الجاه أو النساء أو فساد العقيدة والعمل.
قال الله تعالى مبينا هذين الخطرين:
[سورة النساء (٤) : الآيات ١١٦ الى ١٢٢]
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠)
أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (١٢٢)
«١» «٢»

(١) أصناما يجعلونها كالنساء.
(٢) متمردا. [.....]

صفحة رقم 380

«١» «٢» «٣» «٤» «٥» [النساء: ٤/ ١١٦- ١٢٢].
الشرك: هو منتهى فساد الروح، وضلال العقول، والانحراف عن أخطر قضية في هذا العالم وهو الإيمان بالله الواحد الأحد، فهو ظلم وافتئات على الحقيقة، وإيغال في الكفر وجحود نعمة الله على المخلوقات جميعا. لذا أعلن القرآن الكريم أن الله عز وجل لا يغفر جريمة الشرك بالله أصلا، ويغفر غيره من الذنوب والخطايا لمن يشاء، وهذا تحذير لأهل الضلال، وإطماع لأهل الإيمان بفضل الله وإحسانه، ومن أشرك بالله بالقول أو الفعل أو الاتجاه أو التقديس، فقد ضل ضلالا بعيدا عن الخير والرشد.
وأما الشيطان: فهو داعية الشر والفساد، ورأس الكفر والضلال، طرده الله من رحمته، وعباد الأوثان والأصنام لا يعبدون بدعائهم إياها إلا أسماء مؤنثة كاللات والعزى، ومناة، ونائلة، وهي مؤنثات ضعيفات لا تعقل، وجمادات وأخشاب لا تدرك، وما يعبدون بتعظيمها إلا شيطانا متمرنا على الإيذاء، متدربا على الخبائث، متمردا على القيم الخيرة، فهو الذي أمر الوثنيين بعبادة تلك الأصنام، فكانت طاعتهم للشيطان عبادة له.

(١) مقطوعا لي به.
(٢) أي يقطعن آذان الأنعام لتميزها للآلهة.
(٣) خداعا.
(٤) أي مهربا ومخلصا.
(٥) أي قولا.

صفحة رقم 381

ومهام الشيطان كثيرة كما ذكرت الآيات: أولها: محاولة اتخاذ جزء معلوم من الناس تلامذة له، وخلصاء وأعوانا بإغوائه وإضلاله، وهم الكفرة والعصاة.
ثانيا: إضلال الناس، أي صرفهم عن الحق وطريق الهدى وعن الاعتقاد الصحيح.
ثالثا: الوعد بالأماني الباطلة، والعيش في خيال الآمال الوهمية، والأمر بالتسويف والتأخير، وتزيين اللذات، وترك التوبة.
رابعا: الأمر بتقطيع وتشقيق آذان الأنعام (المواشي) للآلهة الأصنام كالبحيرة التي يتركون الحمل عليها بوسمها بعلامة معينة، والناقة السائبة التي يسيبونها للأصنام إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناث، والوصيلة التي ولدت جديا وعناقا، فلا يذبحون أخاها من أجلها وصلتها.
خامسا: أمر الناس بتغيير خلق الله وفطرته التي فطر الناس عليها: وهي الاهتداء إلى الحق والدين الصحيح، والتغيير يكون بإخصاء البهائم والوشم في الوجه ونحوهما مما فيه تشوية الفطرة وتغييرها عما فطرت عليه.
ثم أوضح الله تعالى أن وعود الشيطان وأمانيه المعسولة كلها خيالات وأوهام وأباطيل، فهو يعدهم بالمال والجاه وأن لا بعث ولا عقاب ونحو ذلك، لكل أحد ما يليق بحاله، وما تلك الأماني الواسعة الكاذبة إلا تغرير وباطل لا حقيقة له ولا استقرار ولا وجود.
وبعد أن حذر القرآن من ألوان وساوس الشيطان وتفنيد مهامه ومخططاته، رغّب المؤمنين بالإيمان الصادق الخالص، وحرّضهم على العمل الصالح: وهو فعل ما أمر الله به من الأعمال الطيبة والأمور الخيرية، وترك ما نهى عنه من المنكرات. ووعد هؤلاء المؤمنين العاملين بجنان الخلد إلى الأبد التي تجري الأنهار من تحت غرفها

صفحة رقم 382
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية