آيات من القرآن الكريم

لَعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ

الأصنام؛ والأوثان يعبدون الشيطان؛ لأن الشيطان هو الذي يدعوهم إلى عبادتهم الأصنام؛ فكأنهم عبدوه؛ ألا ترى أن إبراهيم - عليه السلام - قال: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ): جعل عبادة الصنم عبادة للشيطان؛ حيث قال له: (لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ)؛ فدل أن عبادتهم الأوثان عبادة للشيطان، وباللَّه العصمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَرِيدًا)، قال ابن عَبَّاسٍ: المريد: هو العاتي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَعَنَهُ اللَّهُ... (١١٨)
اللعنة: هي الإبعاد من رحمة اللَّه، فسمي: ملعونًا؛ لأنه مبعد من رحمة اللَّه، مطرود منها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا).
إنه - لعنه اللَّه - وإن قطع القول فيه: لأتخذن من كذا، قطعا - فهو ظن في الحقيقة؛ ألا ترى أنه قال - تعالى - في آية أخرى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)؛ دل أن ما قاله، قاله ظنًّا، لكنه خرج مقطوعًا محققًا، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نَصِيبًا مَفْرُوضًا)، أي: مبينا معلومًا، والنصيب المفروض هو ما ذكر: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ... إلى آخر ما ذكر (مَفْرُوضًا)، أي: مبينًا: من يطيعه ومن لا يطيعه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ... (١١٩)
قيل: هذا إخبار عن اللَّه - تعالى - عبادَهُ عن صنيع اللعين؛ ليكونوا على حذر منه.
ثم قوله: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) - ليس على حقيقة الإضلال؛ لأنه لا يقدر أن يضل أحدًا، لكنه يدعو إلى الضلال ويزين عليهم طريقه، ويلبس عليهم طريق الهدى؛ فذلك معنى إضافة الإضلال إليه؛ وإلا لم يملك إضلال أحد في الحقيقة؛ كقوله - تعالى -: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ...) الآية. ثم إذا ضلوا بدعائه إلى ذلك وتزيينه عليهم سبيله - يمنيهم عند ذلك؛ حتى يتمنوا أشياء؛ كقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ...) الآية، وكقوله - تعالى -

صفحة رقم 364

(وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ)، ونحو ذلك من الأماني، وذلك مما يمنيهم الشيطان، لعنة اللَّه عليه.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ)، يعني: عن الدِّين، (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) أن يصيبوا خيرًا لا محالة؛ ليأمنوا.
وفي حرف ابن مسعود: " ولأعدنهم ولأمنينهم ولأحرمنَّ عليهم الأنعام ولآمرنهم فليبدلن خلقك ولآمرنهم فليبتكن ".
وقوله: (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ)
فجعلوها نحرًا للأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)
يحتمل هذا وجهين، سوى ما قال أهل التأويل:
أحدهما: أن اللَّه - تعالى - خلق هذا الخلق؛ ليأمرهم بالتوحيد، وليجعلوا عبادتهم له، لا يعبدون دون اللَّه غيره؛ كقوله - تعالى -: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ...) الآية؛ فهو دعاهم أن يجعلوا عبادتهم لغير اللَّه، وهو ما قيل في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، قيل: لدين اللَّه؛ فعلى ذلك يحتمل قوله: (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)، أي: عن الذي كان خَفقُهُ إياهم لذلك، واللَّه أعلم.
والثاني: أنه - عَزَّ وَجَلَّ - خلق الأنعام والبهائم لمنافعهم، وسخرها لهم، فهم حرَّموها على أنفسهم، وجعلوها للأوثان والأصنام: كالبحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام؛ منعوا منافعها التي خلقها لهم عن أنفسهم، وذلك تغيير ما خلق اللَّه لهم، واللَّه - تعالى - أعلم.
وأما أهل التأويل فإنهم قالوا غير الذي ذكرنا:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ): الإخصاء، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنه.
وقال آخرون: هو دين اللَّه.

صفحة رقم 365
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية