
هذه الآية: «ومن يشاقق الرسول..» إلخ، وتقرير الاستدلال أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام، فيجب أن يكون اتباع سبيل المؤمنين واجبا، وبيان المقدمة الاولى أنه تعالى ألحق الوعيد بمن يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين ومشاققة الرسول وحدها موجبة لهذا الوعيد، فلو لم يكن اتباع غير سبيل المؤمنين موجبا له لكان ذلك ضمّا لما لا أثر له في الوعيد الى ما هو مستقل باقتضاء ذلك الوعيد، وأنه غير جائز، فثبت أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام، وإذا ثبت هذا لزم أن يكون عدم اتباع سبيلهم واجبا، وذلك لأن عدم اتباع سبيل المؤمنين يصدق عليه أنه اتباع لغير سبيل المؤمنين، فاذا كان اتباع سبيل غير المؤمنين لزم أن يكون عدم اتباع سبيل المؤمنين حراما وإذا كان عدم اتباعهم حراما كان اتباع سبيلهم واجبا. هذا ولعلماء الأصول مناقشات طويلة، وأسئلة وأجوبة، حول صحة الاستدلال بهذه الآية، يرجع إليها في مظانّها.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١١٦ الى ١١٧]
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧)
اللغة:
(مَرِيداً) المريد والمارد هو الذي بلغ الغاية في الشرّ والفساد، يقال: مرد من بابي نصر وظرف إذا عتا وتجّبر فهو مارد ومريد، وأنّث الأصنام لأنها في عرفهم كذلك، وأشهرها اللات والعزّى ومناة.

وعن الحسن أنه لم يكن حيّ من أحياء العرب إلا كان لهم صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان. وسيأتي مزيد تفصيل عن هذه الأصنام عند ذكرها بأسمائها.
الإعراب:
(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) كلام مستأنف مسوق للتأكيد على عدم غفران الشرك. وإن واسمها، وجملة لا يغفر خبرها، والمصدر المؤول من أن وما في حيزها مفعول يغفر، وبه متعلق بيشرك (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) الواو عاطفة، ويغفر فعل مضارع والفاعل هو، وما اسم موصول مفعول به، ودون ذلك ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول، والجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول، ولمن يشاء متعلقان بيغفر، وجملة يشاء صلة الموصول (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ) الواو حرف عطف، ومن اسم شرط جازم مبتدأ، ويشرك فعل الشرط والجار والمجرور متعلقان بيشرك (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً) الفاء رابطة، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وضلالا مفعول مطلق وبعيدا صفة، وجملة الشرط والجواب خبر «من» (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) الجملة تعليلية لا محل لها، وإن نافية، ويدعون فعل مضارع وفاعل، ومن دونه متعلقان بيدعون، وإلا أداة حصر، وإناثا مفعول به أو صفة لمفعول به محذوف، أي: أصناما مؤنثة لتأنيث أسمائها كاللات والعزى ومناة، وقيل: لأنهم كانوا يلبسونها أنواع الحليّ، ويزينونها على هيئات النساء (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) الواو عاطفة وإن نافية، ويدعون فعل وفاعل، وإلا أداة حصر شيطانا مفعول به، ومريدا صفة.