آيات من القرآن الكريم

إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

ذنوب لم يتب منها صاحبها (١). وإنما أبهم الله فيما دون الشرك، وقيد بالمشيئة، لئلا يأمن صاحب الكبيرة.
ثم أنزل الله في أهل مكة:
١١٧ - قوله تعالى: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا﴾ (٢).
(إن) ههنا معناه النفي (٣)، وهو كثير في القرآن بمعنى النفي، كقوله: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] وأشباه هذا كثير.
ويدعون ههنا معناه: يعبدون.
(.........) (٤) ابن عباس في تفسيره: "يريد: إن يعبدون" (٥).
قال الزجاج: وكذلك قوله: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] أي اعبدوني، يدل على ذلك قوله في عقبه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ [غافر: ٦٠] (٦).
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا إِنَاثًا﴾ قال ابن عباس: يعني: عبادتهم الأوثان، اللات والعزى ومناة وأشباهها من الآلهة التي كانوا يعبدونها (٧).

(١) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٦٠.
(٢) انظر: الطبري ٥/ ٢٧٨، و"بحر العلوم" ١/ ٣٨٩، و"زاد المسير" ٢/ ٢٠٣.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للنحاس ٢/ ١٩١، و"بحر العلوم" ١/ ٣٨٩.
(٤) ما بين القوسين غير واضح بقدر كلمتين، ويحتمل: "وقد قال" أو "وروي عن".
(٥) انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ٩٧.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١٠٨، وانظر: البغوي ٢/ ١٨٨.
(٧) انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ٩٧.
والثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في "تفسيره" ص ١٥٨ قال: "وقوله (إناثًا) يقول: ميتًا، وأخرجه الطبري ٥/ ٢٧٩ من طريق ابن أبي طلحة أيضًا وكذا ابن المنذر وابن أبي حاتم. انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٣٩٤.

صفحة رقم 95

وهذا قول السدي (١) ومجاهد (٢) والكلبي (٣) والفراء (٤) وعبد الله بن مسلم (٥)، وكثير من أهل التأويل (٦).
قال الحسن: لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه، يسمونه: أنثى بني فلان، فأنزل الله تعالى: ﴿إِلَّا إِنَاثًا﴾ (٧).
يدل على هذا التأويل قراءة ابن عباس: (إلا أُثُنًا) جمع وثن (٨)، مثل: أسدَ وأسدْ، ثم أبدل من الواو المضمومة همزة، نحو: ﴿وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ﴾ [المرسلات: ١١] (٩).
قال الزجاج: وجائز أن يكون: أُثُن، وأصلها: أُثْن، فأتبعت الضمة (١٠).
وقيل في معنى قوله: ﴿إِلَّا إِنَاثًا﴾: إلا أمواتًا. وهو قول مقاتل (١١)

(١) أخرجه الطبري ٥/ ٢٧٩، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ٢٠٣.
(٢) سر مجاهد الإناث بالأوثان كما في "تفسيره" ١/ ١٧٤، وأخرجه الطبري ٥/ ٢٨٠، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ٢٠٣.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ٩٧.
(٤) في "معاني القرآن" ١/ ٢٨٨.
(٥) ابن قتيبة في "غريب القرآن" ص١٣٠.
(٦) انظر: "الكشف والبيان" ٤/ ١٢١ ب.
(٧) أخرجه الطبري ٥/ ٢٧٩، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ٢٠٣، و"الدر المنثور" ٢/ ٣٩٤.
(٨) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٨٨، والطبري ٥/ ٢٨٠.
(٩) انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٨٨، والطبري ٥/ ٢٨٠، و"معاني الزجاج" ٢/ ١٠٨، و"زاد المسير" ٢/ ٢٠٢، ٢٠٣.
(١٠) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١٠٨ وفيه: "فأتبعت الضمة الضمة"، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ٢٠٣.
(١١) "تفسيره" ١/ ٤٠٧.

صفحة رقم 96

وقتادة (١) والضحاك (٢).
واختلفوا لم سمي الموات إناثًا؟ فقال أبو عبيدة: الموات لا روح فيه كالخشبة والحجر والمدر ونحوها (٣).
"وكانت آلهتهم مواتًا، والموات كلها يُخبر عنها كما يخبر عن المؤنث، تقول: من ذلك الأحجار تعجبني، كما تقول: المرأة تعجبني ولا تقول: تعجبونني، فلهذا أطلق اسم الإناث على آلهتهم إذ كانت مواتًا" (٤).
وقال غيره (٥): لأنها لا تضر ولا تنفع، فهي في القناع المنزلة تسمى إناثًا، لأن الإناث من كل شيء أرذله (٦).
وقال عطاء عن ابن عباس في قوله: ﴿إِلَّا إِنَاثًا﴾: "زعموا أن الملائكة بنات الله، وهم شفعاؤنا عنده" (٧).
وقال ابن زيد: " ﴿إِلَّا إِنَاثًا﴾ بزعمهم، وذلك أنهم زعموا أن الملائكهَ بنات الله، وأن الأصنام بنات الله، فزعموا أنها إناث" (٨).

(١) أخرجه الطبري ٥/ ٢٧٩، وانظر: "الكشف والبيان" ٤/ ١٢١ ب، و"زاد المسير" ٢/ ٢٠٣، و"الدر المنثور" ٢/ ٣٩٤.
(٢) ما وقفت عليه عن الضحاك هو أن المراد "الملائكة". أخرجه الطبري ٥/ ٢٧٩، وانظر: "الدر المنثور" ٢/ ٣٩٤.
(٣) "مجاز القرآن" ١/ ١٤٠ بنحوه، وانظر: "الكشف والبيان" ٤/ ١٢١ ب.
(٤) من "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٢/ ١١٠ بتصرف يسير، وانظر. "الكشف والبيان" ٤/ ١٢١ ب، و"زاد المسير" ٢/ ٢٠٣.
(٥) الضمير يعود إلى أبي عبيدة أو الزجاج، وهو وإن لم يذكر الزجاج إلا أن النص الأخير منه. ولعل هذا القائل هو الطبري. انظر: "تفسير الطبري" ٥/ ٢٨٠.
(٦) انظر: الطبري ٥/ ٢٨٠.
(٧) لم أقف عليه.
(٨) ما وقفت عليه عن ابن زيد كالقول الأول أن المراد الأصنام خاصة، فقد أخرج الطبري عنه قال: قوله: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا﴾ [النساء: ١١٧] قال:=

صفحة رقم 97

نظيره: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ [الزخرف: ١٩] وقوله: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ﴾ [النحل: ٥٧].
وقوله: ﴿وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا﴾ قال المفسرون: كان في كل واحدة من آلهتهم شيطان يترايا (١) للسدنة والكهنة يكلمهم (٢).
والمعنى: ما يعبدون بعبادتهم لها إلا شيطانا مريدًا، لطاعتهم له في عبادتها، فتلك العبادة ليست للأوثان، بل هي للشيطان.
وقال الزجاج: يعني بالشيطان ههنا إبليس، لأنهم إذا أطاعوه بما سول لهم فقد عبدوه (٣).
وهذا هو القول، لأن ما بعد هذه الآية يدل على أن المراد بالشيطان في هذه الآية إبليس، ويحتمل أن ما قاله المفسرون من ترائي الشيطان للسدنة أرادوا به إبليس.
وقوله تعالى: ﴿مَّرِيدًا﴾. قال ابن عباس: "يريد يتمرد على الله بالعصيان مرة بعد مرة" (٤).
قال ابن الأعرابي: التمرد (٥) التطاول بالكبر والمعاصي (٦).

= آلهتهم، اللات والعزى ويساف ونائلة، إناث يدعونهم من دون الله". "تفسير الطبري" ٥/ ٢٧٩.
(١) هكذا في المخطوط يترايا، ولعل الصواب: "يتراءى".
(٢) انظر: "بحر العلوم" ١/ ٣٨٩، و"الكشف والبيان" ٤/ ١٢١ ب، و"زاد المسير" ٢/ ٢٠٣، و"الدر المنثور" ٢/ ٣٩٤.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١٠٨.
(٤) لم أقف عليه، وانظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ٩٧. وقد قال بنحو هذا القول قتادة. انظر: الطبري ٥/ ٢٨٠، و"الدر المنثور" ٢/ ٣٩٤.
(٥) في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٣٧٣ (مرد): المرد.
(٦) في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٣٧٣ (مرد).

صفحة رقم 98
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية