آيات من القرآن الكريم

إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

- ١١٦ - إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا
- ١١٧ - إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً
- ١١٨ - لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً
- ١١٩ - وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا
- ١٢٠ - يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا
- ١٢١ - أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا
- ١٢٢ - وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ

صفحة رقم 437

جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا
قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك﴾ الآية، وَذَكَرْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي صدر هذه السورة وقد روى الترمذي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ هذه الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ الآية. وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً﴾ أَيْ فَقَدْ سَلَكَ غَيْرَ الطَّرِيقِ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنِ الْهُدَى وَبَعُدَ عَنِ الصَّوَابِ وَأَهْلَكَ نفسه، وخسرها في الدنيا والآخرة، فاتته سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ: ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً﴾، عن عائشة قالت: أوثاناً، وقال ابن جرير عن الضحاك في الآية قال المشركون للملائكة: بَنَاتُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زلفى، قال: فاتخذوهن أبابا وصوروهن جواري فَحَكَمُوا وَقَلَّدُوا، وَقَالُوا: هَؤُلَاءِ يُشْبِهْنَ بَنَاتَ اللَّهِ الَّذِي نَعْبُدُهُ يَعْنُونُ الْمَلَائِكَةَ وَهَذَا التَّفْسِيرُ شَبِيهٌ بقول الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُواْ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً﴾، وقال: ﴿وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً﴾ وقال ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً﴾ قال: عني موتى، وقال الْحَسَنُ: الْإِنَاثُ كُلُّ شَيْءٍ مَيِّتٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ، إِمَّا خَشَبَةٌ يَابِسَةٌ، وَإِمَّا حَجَرٌ يَابِسٌ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيداً﴾ أَيْ هو الذي أمرهم بذلك وحسنه وزينه لهم وهم إنما يعبدون إبليس في نفسه الأمر كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إليك يا بني آدم إلا تعبدوا الشيطان﴾ الآية، وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ يوم القيامة عن المشركني الذي ادَّعَوْا عِبَادَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ﴾ وقول: ﴿لَّعَنَهُ اللَّهُ﴾ أَيْ طَرَدَهُ وَأَبْعَدَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ جِوَارِهِ وَقَالَ: ﴿لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً﴾ أَيْ مُعَيَّنًا مُقَدَّرًا مَعْلُومًا، قَالَ قتادة مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِلَى النَّارِ، وَوَاحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ ﴿وَلأُضِلَّنَّهُمْْ﴾ أَيْ عَنِ الْحَقِّ ﴿وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾ أَيْ أُزَيِّنُ لَهُمْ تَرْكَ التَّوْبَةِ، وَأَعِدُهُمُ الْأَمَانِيَ، وَآمُرُهُمْ بِالتَّسْوِيفِ وَالتَّأْخِيرِ، وَأَغُرُّهُمْ مِنْ أنفسهم. قوله: ﴿وَلأَمُرَنَّهُمْ فلّيبتكنَّ آذَانَ الأنعام﴾ قال قتادة يَعْنِي تَشْقِيقَهَا وَجَعْلَهَا سِمَةً، وَعَلَامَةً لِلْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ والوصيلة ﴿وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يعني بذللك خصي الدواب، وقال الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ: يَعْنِي بِذَلِكَ الْوَشْمَ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ النَّهْيُ عَنِ الْوَشْمِ فِي الْوَجْهِ، وَفِي لَفْظٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَعَنَ الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات (النامصات: ناتفات الزغب والشعر من الوجه، والمتنمصات: اللواتي ينتف الشعر من وجوههن) والمتفلجات (المتفلجات: اللواتي يبردن أطراف أسنانهن للتجميل) للحُسْن الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، ثُمَّ قَالَ أَلَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا﴾
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَمُجَاهِدٌ والضحاك فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ يَعْنِي دين الله عزَّ وجلَّ وهذا كقوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لخلق الله﴾ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ أَمْراً أَيْ لا تبدلوا فطرة الله ودعوا النا عَلَى فِطْرَتِهِمْ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

صفحة رقم 438

قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُولَدُ البهيمة بهيمة جمعاء هل تجدون بها مِنْ جَدْعَاءَ»؟ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بن حماد قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجلَّ: إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم (صرفتهم عن الهدى) عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ" ثم قال تَعَالَى: ﴿وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً﴾ أَيْ فَقَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَتِلْكَ خَسَارَةٌ لَا جَبْرَ لها ولا استدراك لفائتها.
وقوله تَعَالَى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً﴾ وهذا إخبار عن الواقع فإن الشَّيْطَانَ يَعِدُ أَوْلِيَاءَهُ وَيُمَنِّيهِمْ بِأَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى فِي ذلك، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشيطان إلاغروراً﴾، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إِبْلِيسَ يَوْمَ الْمَعَادِ: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ - إلى قوله - وَإِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أليم﴾. وقوله: ﴿أولئك﴾ أَيِ الْمُسْتَحْسِنُونَ لَهُ فِيمَا وَعَدَهُمْ ومنَّاهم ﴿مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ أي مصيرهم ومآلهم يوم القيامة ﴿وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً﴾ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ عَنْهَا مَنْدُوحَةٌ وَلَا مَصْرِفٌ، وَلَا خَلَاصٌ، وَلَا مناص، ثم ذكر تعالى حال السعداء والأتقياء وما لهم من الكرامة التامة فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ أَيْ صَدَّقَتْ قُلُوبُهُمْ وَعَمِلَتْ جَوَارِحُهُمْ بِمَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْخَيِّرَاتِ، وتركوا ما نهو عنها مِنَ الْمُنْكَرَاتِ ﴿سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا ﴿خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ أَيْ بِلَا زَوَالٍ وَلَا انْتِقَالٍ ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً﴾ أَيْ هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ وَوَعْدُ اللَّهِ مَعْلُومٌ حَقِيقَةً أَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا أَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ الدَّالِّ عَلَى تَحْقِيقِ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﴿حَقًّا﴾ ثُمَّ قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً﴾؟ أَيْ لَا أحد أصدق منه قولاً أي خبراً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: «إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هديُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، كل ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ».

صفحة رقم 439
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار القرآن الكريم، بيروت - لبنان
سنة النشر
1402 - 1981
الطبعة
السابعة
عدد الأجزاء
3
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية