آيات من القرآن الكريم

۞ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

وشاهد على أمته بالتبليغ، وجعل أمته وسطا خيارا عدولا لا يحكمون إلا بالحق والعدل.
أنواع الحديث السرّي
ينبغي أن يكون ظاهر المسلم وباطنه سواء، فلا يتكلم بشيء في الظاهر، ويضمر خلافه في القلب والباطن، وإلا كان منافقا مخادعا، ويلاحظ أن كثيرا من الناس يحلو لهم أن يكون أغلب كلامهم مع الآخرين سرا لا جهرا، وخفاء لا علنا، وهذا اللون من الحديث السري منه ما هو خير، ومنه ما هو شر، والخير: هو كل ما يحقق النفع العام للناس، والشر: هو كل حديث فيه إضمار السوء والأذى والضرر بالنفس أو بالآخرين.
وقد صنف القرآن الكريم ألوان الأحاديث السرية، فقال الله تعالى:
[سورة النساء (٤) : الآيات ١١٤ الى ١١٥]
لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤) وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥)
«١» «٢» «٣» «٤» [النساء: ٤/ ١١٤- ١١٥].
نزلت هذه الآيات في تناجي أهل طعمة بن أبيرق الذي سرق درعا، فقاموا يتناجون ليلا ويتسارّون الحديث بالفساد وتعاونهم على الشر وإلصاق تهمة السرقة بيهودي.
وروي أن طعمة لما حكم عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم بقطع يده بسبب السرقة، هرب إلى مكة، وارتد عن الإسلام، ومات مشركا، فنزلت آية وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ...

(١) أي مسارّتهم بالحديث، فالنجوى: المسارة.
(٢) أي من يعادي ويخالف.
(٣) نتركه وما اختاره لنفسه.
(٤) ندخله فيها.

صفحة رقم 378

أبان الله تعالى أن كل حديث سري أو تدبير خفي أو مناجاة لا خير فيه إلا ما كان بقصد التعاون على الخير والتصدق على المحتاجين، أو الأمر بالمعروف أو الإصلاح بين الناس لأن حديث السر يغلب فيه ارتكاب الإثم وإضمار السوء. أما التناجي في الأمور العادية كالزراعة والصناعة والتجارة ونحوها من المنافع والمصالح فلا بأس به، ولا يوصف ذلك بالشر، ولا ينهى عنه الشرع.
والخيرية إنما تكون في هذه الأشياء الثلاثة، في السر دون الجهر، لأن تحقيق جدواها أو منفعتها إنما يكون في حال السر، وهذه الأشياء هي كما تقدم بذل الصدقات للفقراء والمحتاجين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس لإزالة الخصومة وتقريب وجهات النظر وإزالة سوء التفاهم. ومن يفعل أحد هذه الأشياء بقصد طلب الرضا من الله والإخلاص في العمل فسوف يؤتيه الله ثوابا عظيما، الله أعلم به.
وجاء في السنة النبوية الشريفة ما يؤيد هذه الآية القرآنية،
أخرج الترمذي وغيره عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلام ابن آدم كله عليه، لا له، إلا ذكر الله عز وجل، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر».
ثم حذرت آية وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ الناس من الشذوذ ومخالفة الجماعة، ومن معاداة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالارتداد عن دينه، بعد ما ظهر للمؤمن الحق والهدى، وجعلت الآية اتباع غير سبيل المؤمنين، ومخالفة إجماعهم واتفاقهم مثل معاداة الرسول تماما، وجزاء المعادي أو مخالف الجماعة: أن يتركه الله تعالى يتخبط في دياجير الظلام والضلال، وأن يدخله نار جهنم، وبئس ذلك المصير أو المرجع مصير هؤلاء المرتدين أو الشاذين عن طريق الجماعة.
دلت هاتان الآيتان على وجوب أمرين خطيرين:

صفحة رقم 379
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية