
الفضل إحسان غير مستحق «١»، والإشارة هاهنا- من الفضل- إلى عصمته إياه، فالحقّ- سبحانه- عصمه تخصيصا له بتلك العصمة، وكما عصمه عن ترك حقه- سبحانه- عصمه بأن كفّ عنه كيد خلقه فقال: «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ..»
الآية.
كلّا، لن يكون لأحد سبيل إلى إضلالك فأنت فى قبضة العزة، وما يضلّون إلا أنفسهم، وما يضرونك بشىء، إذ المحفوظ منا محروس عن كل غير، وإنّ الله سبحانه قد اختصك بإنزال الكتاب، واستخلصك بوجوه الاختصاص والإيجاب، وعلّمك ما لم تكن تعلم، ولم يمن عليك بشىء بمثل ما منّ به على من خصّه به من العلم. ويحتمل أنه أراد به علمه- صلّى الله عليه- بالله بجلاله، وعلمه بعبودية نفسه، ومقدار حاله فى استحقاق عزّه وجماله.
ويقال علّمك ما لم تكن تعلم من آداب الخدمة إذ لم تكن ملتبسا عليك معرفة الحقيقة.
ويقال أغناك عن تعليم الأغيار حتى لا يكون لأحد نور إلا مقتبسا من نورك، ومن لم يمش تحت رايتك لا يصل إلى جميع برّنا، ولا يحظى بقربنا ووصلنا.
«وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً»
: فى الآباد أنّك كنت- لنا بشرف العز وكرم الربوبية فى الآزال- معلوما. ويقال وعلّمك ما لم تكن تعلم من علوّ رتبتك على الكافة.
ويقال «عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ»
أنّ أحدا لا يقدّر قدرنا إلا بمقدار موافقته لأمرنا قوله جل ذكره:
[سورة النساء (٤) : آية ١١٤]
لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤)

أفضل الأعمال ما كانت بركاته تتعدى صاحبه إلى غيره ففضيلة الصدقة يتعدى نفعها إلى من تصل إليه، والفتوة أن يكون سعيك لغيرك، ففى الخبر: «شرّ الناس من أكل وحده» وكلّ أصناف الإحسان ينطبق عليها لفظ الصدقة.
قال صلّى الله عليه وسلّم فى قصر الصلاة فى السفر: «هذه صدقة تصدّقها الله عليكم فاقبلوا صدقته» «١» والصدقة على أقسام: صدقتك على نفسك، وصدقتك على غيرك فأمّا صدقتك (على نفسك فحملها على أداء حقوقه تعالى، ومنعها عن مخالفة أمره، وقصر يدها عن أذية الخلق، وصون خواطرها وعقائدها عن السوء. وأمّا صدقتك) «٢» على الغير فصدقة بالمال وصدقة بالقلب وصدقة بالبدن.
فصدقة بالمال بإنفاق النعمة، وصدقة بالبدن بالقيام بالخدمة، وصدقة بالقلب بحسن النية وتوكيد الهمة.
والصدقة على الفقراء ظاهرة لا إشكال فيها، أمّا الصدقة على الأغنياء فتكون بأن تجود عليهم بهم، فتقطع رجاءك عنهم فلا تطمع فيهم.
وأمّا المعروف: فكلّ حسن فى الشرع فهو معروف، ومن ذلك إنجاد المسلمين وإسعادهم فيما لهم فيه قربة إلى الله، وزلفى عنده، وإعلاء النواصي بالطاعة.
وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وقال على بن المديني هذا حديث حسن صحيح من حديث عمر بن الخطاب، ولا يحفظ الا من هذا الوجه ورجاله معروفون.
(٢) ما بين القوسين استدراك فى الهامش وضعناه فى موضعه من النص حسب العلامة المميزة.