آيات من القرآن الكريم

۞ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ

وسبحانه يوضح أمر هذه النجوى التي تحمل التبييت للإضلال، ولكن ماذا إن كانت النجوى لتعين على حق؟ إنه سبحانه يستثنيها هنا؛ لذلك لم يصدر حكماً جازماً ضد كل نجوى، واستثنى منها نجوى مَن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، بل ويجزى عليها حسن الثواب. لذلك قال: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك ابتغآء مَرْضَاتِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾. ويستخدم الحق هنا كلمة «سوف»، وكان من الممكن أن يأتي القول ﴿فسنؤتيه أجراً عظيماً «لكن لدقة الأداء القرآني البالغة جاءت بأبعد المسافات وهي» سوف «.
ونعرف أن جواب شرط الفعل إذا ما جاء على مسافة قريبة فنحن نستخدم»
السين «، وإذا ما جاء جواب الشرط على مسافة بعيدة فنحن نستخدم» سوف «. وجاء الحق هنا ب» سوف «لأن مناط الجزاء هو الآخرة، فإياك أيها العبد المؤمن أن تقول: لماذا لم يعطني الله الجزاء على الطيب في الدنيا؟؛ لأن الحق سبحانه وتعالى لم يقل:» فسنؤتيه «ولكنه قال: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾
مما يدل على أن الفضل والإكرام من الله؛ وإن كان عاجلاً ليس هو الجزاء على هذا العمل؛ لأن جزاء الحق لعبادة المؤمنين سيكون كبيراً، ولا يدل على هذا الجزاء في الآخرة إلاّ» فسوف «. ونعرف أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين يمني أمته الإيمانية بشيء فهو يمنيها بالآخرة، ولننظر إلى بيعة العقبة عندما جاء الأنصار من المدينة لمبايعة رسول الله:

صفحة رقم 2628

فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وحوله عصابة من أصحابه:» بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه «.
لقد أخذت لنفسك يا رسول الله ونحن نريد أن نأخذ لأنفسنا، ماذا لنا إن نحن وفّينا بهذا؟ ولنر عظمة الجواب وإلهامية الرد، قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:»
لكم الجنة «
كان في استطاعة رسول الله أن يقول لهم: إنكم ستنتصرون وإنكم ستأخذون مشارق الأرض ومغاربها وسيأتي لكم خير البلاد الإسلامية كلها. لكنه بحكمته لم يقل ذلك أبداً فقد يستشهد واحد منهم في قتال من أجل نصرة دين الله، فماذا سيأخذ في الدنيا؟. إنه لن يأخذ حظه من التكريم في الدنيا، ولكنه سينال الجزاء في الآخرة.
لذلك جاء بالجزاء الذي سيشمل الكل، وهو الجنة ليدلهم على أن الدنيا أتفه من أن يكون جزاء الله محصوراً فيها، ويحض كل المؤمنين على أن يطلبوا جزاء الآخرة؛ ونعلم جميعاً هذه الحكاية، ونجد رجلاً يقول لصاحبه: أتحبني؟ فأجاب الصاحب: نعم أحبك. فسأل السائل: على أي قدر تحبني؟ قال الصاحب: قدر الدنيا. أجاب الرجل: ما أتفهني عندك!!.
يقول الحق: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك ابتغآء مَرْضَاتِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ ومن صاحب «نؤتيه»
والفاعل لهذا العطاء؟ إنه الحق سبحانه وتعالى الذي وصف الأجر بأنه أجر عظيم. وكأن الحق يبلغنا:
- يا معشر الأمة الإيمانية التحموا بمنهج رسول الله وامتزجوا به لتكونوا معه شيئاً واحداً. وإياكم أن يكون لكم رأي منفصل عن المنهج؛ فهو مبلغ عن الله، فمن آمن به فليلتحم به. ولذلك نجد سيدنا أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - ساعة

صفحة رقم 2629

حدثوه في حكاية الإسراء والمعراج نجده يسأل محدثه: أقال رسول الله ما قلتموه.. ؟ فيقولون: بلى، لقد قال. فيرد عليهم الصديق: إن كان قال فقد صدق؛ فالصديق أبو بكر لا يحتاج إلى دليل على صدق ما قال رسول الله.
ويأتي الحق بالمقابل فيقول: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرسول مِن بَعْدِ... ﴾

صفحة رقم 2630
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية