آيات من القرآن الكريم

وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ

عبارة الآية واضحة. وهي تأمر المسلمين بعدم التهاون والضعف في طلب أعدائهم وملاحقتهم وقتالهم. وتبثّ فيهم بسبيل ذلك الروح: فإذا كان ينالهم نصب وألم من ذلك فأعداؤهم ينالهم مثل ذلك مع فارق عظيم هو أنهم يرجون من نصر الله وتأييده وأجره ما لا رجاء لأعدائهم فيه. والله عليم حكيم يعلم مقتضيات كل أمر ويأمر بما فيه الحكمة والسداد.
وقد روى المفسرون أن الآية نزلت في مناسبة انتداب النبي للمسلمين عقب وقعة أحد وحينما بلغة أن قريشا تفكر في الكرة عليهم للخروج إليهم ليثبتوا لهم أنهم غير هائبين منهم أو في مناسبة انتداب النبي المسلمين للخروج إلى بدر حيث واعدهم أبو سفيان باللقاء في العام القابل بعد الوقعة المذكورة. وقد تلكأ بعض المسلمين بسبب ما كان يشعر به من ألم وتعب «١».
وهذه الروايات لم ترد في الصحاح ولسنا نرى لها مناسبة في مقام الآية.
ويتبادر لنا أنها ليست منقطعة عن السياق السابق الذي فيه دعوة إلى الجهاد والهجرة ومراغمة العدو والحذر منه وتنديد بالمثبطين والمترددين وأنها جاءت معقبة وداعمة لذلك. والله أعلم. ومع اتصال الآية بظروف السيرة النبوية فإنّ فيها تلقينا مستمر المدى في إطلاق عبارتها حيث تظل تهتف بالمؤمنين في كل ظرف ومكان بأن لا يتوانوا في مكافحة أعدائهم الذين يظل التفوق لهم عليهم بإيمانهم بنصر الله وأعداؤهم يفقدون هذا الإيمان الذي يمدّ صاحبه بقوة عظمى.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٠٥ الى ١١٣]
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩)
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣).

(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والخازن والطبرسي.

صفحة رقم 227

(١) خصيما: مخاصما ومدافعا ومجادلا عنهم.
(٢) يختانون أنفسهم: يخونون أنفسهم ويضرونها بما يفعلون من أفعال سيئة.
(٣) خطيئة أو إثما: قال بعضهم إن الأولى تعني السيئة الصغيرة، والثاني يعني السيئة الكبيرة. وهو وجيه لأنه لا بدّ من أن يكون بينهما فرق.
في هذه الآيات:
(١) خطاب موجّه للنبي ﷺ ينبه فيه إلى أن الله إنما اختاره وأنزل عليه الكتاب بالحق والصدق ليحكم بين الناس بما علمه الله وينهاه فيه عن الدفاع عن الخائنين المذنبين والمجادلة عن الذين يورطون أنفسهم ويظلمونها بالخيانة. فالله لا يحبّ الخوان الأثيم. وعليه أن يستغفر الله مما كاد أن يقع فيه.
(٢) ونعي على الخائنين الذين يرتكبون الإثم والخيانة ثم يستترون من الناس ويحاولون التلبيس عليهم خشية منهم وحياء في حين أنهم أولى أن يخشوا الله ويستحيوا منه لأنهم لا يستطيعون أن يستتروا منه ويخفوا إثمهم عنه. وعليهم أن يذكروا أنه معهم ومحيط بأعمالهم وأقوالهم حينما يتآمرون بالسرّ في الطريقة التي يخفون بها جرائمهم وأنه لا يمكن أن يرضى عنها.

صفحة رقم 228

(٣) والتفات إلى النبي والمسلمين التفاتا ينطوي على التنديد والتثريب:
فعلى فرض أنهم جادلوا عن الخائنين في الدنيا فنجحوا ونجوا من العقوبة الدنيوية فمن الذي يجادل عنهم يوم القيامة ويكون وكيلا عليهم أمام الله وينقذهم من العقوبة الأخروية. وهو محيط بحقائق ما فعلوا ولا تخفى عليه صغيرة ولا كبيرة.
(٤) وتقريرات في الموقف تنطوي على التعقيب على ما احتوته الآيات الثلاث الأولى:
(١) فمن يعمل سوءا أو يورط نفسه ويظلمها باقتراف الإثم ثم يستشعر بخطئه ويندم ويستغفر الله فإن الله يشمله بغفرانه ورحمته.
(٢) ومن يرتكب إثما فإنه لا يضرّ به في الحقيقة إلّا نفسه. لأن الله عليم بكل شيء حكيم، لا يمكن أن يكون منه إلّا الحق والحكمة.
(٣) ومن يرتكب ذنبا كبيرا كان أو صغيرا ثم يرمي به الأبرياء فإنه يكون قد ارتكب بهتانا عظيما وإثما مبينا حيث يكون قد اقترف جريمتين معا وهما جريمة الذنب وجريمة إلصاقه بالأبرياء.
ثم احتوت الآية الأخيرة التفاتا تعقيبيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فالله قد شمله بفضله ورحمته. وبصّره بالأمور. ولولا ذلك لحاول بعض الذين هم موضوع الكلام السابق أن يلبسوا عليه ويضللوه بأقوالهم ومزاعمهم. ولكنهم لن يستطيعوا ذلك ولن يخدعوا إلّا أنفسهم ولن يضروه في شيء. وكل ذلك بفضل الله العظيم عليه ورحمته به وما آتاه من الكتاب ووهبه من الحكمة وعلمه ما لم يكن يعلمه.
تعليق على الآية إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ... إلخ والتي بعدها لآخر الآية [١١٣]
والآيات فصل جديد. ومع ذلك فإنه يلمح شيء من التناسب بينها وبين

صفحة رقم 229

بعض الفصول السابقة التي احتوت حكاية مواقف مكروهة لبعض الفئات. وإذا لم تكن قد نزلت بعد الآيات السابقة ووضعت في ترتيبها بسبب ذلك فتكون قد وضعت فيه بسبب هذا التناسب على ما هو المتبادر.
روى المفسرون في سبب نزول هذه الآيات رواية رواها الترمذي عن قتادة بن النعمان وهذا نصّها «قال قتادة سرق طعام وسلاح لعمّي رفاعة بن زيد فأخبرني بذلك فسألنا وتحسّسنا في الدار فقيل لنا إنهم بنو أبيرق وهم بشير وبشر ومبشّر وكان بشير منافقا يهجو أصحاب النبيّ بالشعر وينسبه إلى غيره. وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام فأتيت النبي فأخبرته والتمست منه ردّ السلاح فقط فقال سآمر في ذلك. فسمع بنو أبيرق بهذا فأوفدوا إلى النبي أسيد بن عروة فقال يا رسول الله بنو أبيرق منّا أهل صلاح وإسلام يرمون بالسرقة من غير بيّنة.
قال قتادة فكلمت النبي ثانيا فقال رميت بالسرقة أهل بيت فيهم إسلام وصلاح من غير بيّنة ولا ثبت. فرجعت وتمنيت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلّم رسول الله فجاءني عمي فأخبرته بما قال لي رسول الله فقال الله المستعان. فلم يلبث أن نزل القرآن إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ إلى آخر الآيات. فلما نزلت أتي رسول الله بالسلاح. قال قتادة وكنت أشكّ في إسلام عمّي رفاعة لأنه كان شيخا قد عصى في الجاهلية فلما أتيته بالسلاح قال يا ابن أخي هو في سبيل الله فعرفت أن إسلامه كان صحيحا»
«١». وقد روى الطبري الذي روى هذا الحديث روايات أخرى في نزول الآيات. منها أن درعا سرقت لجماعة من الأنصار كانوا في غزاة فاتهموا بها طعمة بن أبيرق وكان هو سارقها فلما رأى أنه سيفتضح عمد إلى الدرع فألقاها في بيت رجل بريء من الأنصار أو من اليهود وأخبر قومه فجاؤوا إلى النبي وقالوا له إن صاحبنا بريء وطلبوا أن يجادل عنه فأنزل الله الآيات. ومنها أن يهوديا استودع طعمة درعا فدفنها في الأرض وجاء اليهودي فطلبها فأنكرها طعمة وكان بعض عشيرة اليهودي يعرفون مخبأها فخشي طعمة من الفضيحة فأخرجها وألقاها في دار

(١) التاج ج ٤ ص ٨٦- ٨٧

صفحة رقم 230

أنصاري آخر. ورفع اليهودي الأمر إلى النبي فجاء قوم طعمة يبرئونه ويطلبون الجدال عنه فأنزل الله الآيات. ومنها أن رجلا استودع طعمة مشربة فيها درع فلما عاد لم يجد الدرع ورمى طعمة بها رجلا من اليهود وجاء قوم طعمة فكلموا النبي في براءة صاحبهم وكادوا أن يقنعوا النبي بأيمانهم وتزويقهم الكلام وتنويههم بإسلامهم حتى كاد يحكم بقطع يد اليهودي ثم عصمه الله ولم تلبث الحقيقة أن ظهرت ببراءة اليهودي وخيانة طعمة وتضليل قومه وأنزل الله الآيات في ذلك.
والروايات متسقة مع فحوى الآيات. وصحتها محتملة. وإن كان ينبغي القول إن الرواية التي يرويها الترمذي هي التي ينبغي أن تكون الأقوى احتمالا.
وفي الروايات صور عن المجتمع الإسلامي في العهد النبوي المدني، وقد تضمنت الآيات إشارات إليها.
وواضح أن الآيات لم ترد لحكاية الحادث وإنما اتخذت حكمة التنزيل وسيلة مناسبة للتأديب والتعليم والتحذير والعظة والإنذار وإيقاظ الضمير وبعث الشعور بخشية الله ومراقبته وتقواه في القلوب. وهو الأسلوب القرآني المتميز على ما نبهنا عليه مرارا عديدة. وقد تجلّت فيها صورة رائعة من العصمة النبوية في إعلان ما أوحي إليه من عتاب. وانطوت على تلقينات جليلة ومبادئ قضائية وأخلاقية سامية مستمرة المدى من ذلك:
(١) إن على القاضي أن يجعل الحق والصدق هدفه في جميع مواقفه وأن يدقق فيما يعرض عليه فلا يأخذ بظواهر الأمور ولا ينخدع بتزويق الخصوم وعليه أن يحذر تلبيسهم ولا ينساق بأي اعتبار غير اعتبار الحق والعدل والحقيقة. ولا يتسرع في تصديق فريق وتبرئته والدفاع عنه. وأن يرجع عن الخطأ إذا ما ظهر له.
(٢) إن على المسلم أن يذكر دائما أن الله تعالى مطلع على حقائق الأمور ولا يخفى عليه خافية. وأنه لا يجديه أن يلبس على الحق والحقيقة ويخدع الناس عنهما فإنه إنما يزداد بذلك إثما عند الله. وعليه أن يذكر أن له بين يدي الله موقفا لا يستطيع أحد أن يجادل عنه فيه.

صفحة رقم 231

(٣) إن من يرتكب ذنبا فإنه في الحقيقة إنما يضرّ به نفسه.
(٤) إن الأجدر بمن يتورط في إثم أن يبادر إلى الاعتراف والندم واستغفار الله. وهو واجد عند الله حينئذ الرحمة والغفران.
(٥) إن الذي يرتكب إثما ثم يرمي به بريئا يجمع بين كبيرتين فيكون قد ارتكب إثم الذنب وإثم البهتان.
(٦) إن على المسلمين أن يستنكروا الجرائم والخيانات وأن لا يساعدوا المجرمين والخائنين بأي شكل إخفاء وتستيرا أو دفاعا وتبريرا مهما كانت الأسباب والصلاة التي تصل بينهم وبين المذنب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا قال إن البخاري ومسلم روياه عن أم سلمة قالت «سمع رسول الله ﷺ جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال ألا إنما أنا بشر وإنما أقضي بنحو مما أسمع ولعلّ أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو يذرها» «١» وحديثا قريبا من هذا رواه الإمام أحمد عن أم سلمة كان المخاطب به رجلان من الأنصار اختصما إلى رسول الله في مواريث بينهما. ومما جاء فيه «أنهما لما سمعا ما قاله رسول الله بكيا وقال كلّ منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخّيا الحقّ بينكما ثم استهما ثم ليحلل كلّ منكما صاحبه» «٢». وقد انطوى في الحديثين تلقين جليل مستمر المدى وصورة

(١) ورد هذا الحديث في التاج برواية الخمسة عن أم سلمة بهذه الصيغة «إنّ رسول الله ﷺ قال إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن من بعض فأقضي له على ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار» التاج ج ٣ ص ٦١.
(٢) في التاج حديث رواه أبو داود عن أم سلمة مقارب لهذا الحديث وهذا نصّه «أتى النبي ﷺ رجلان يختصمان في مواريث لهما ليست لهما بينة إلّا دعواهما فقال النبي من قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار فبكى الرجلان وقال كل منهما حقي لك. فقال لهما النبي أما إذا فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخّيا الحق ثم استهما ثم تحالّا وفي رواية إنما أقضي بينكما برأيي فيما لم ينزل عليّ فيه» التاج ج ٣ ص ٥٩.

صفحة رقم 232

من صور أخلاق أصحاب رسول الله ودلالة على أن النبي ﷺ كان يحكم فيما يرفع إليه من خلاف بالاجتهاد بعد أن يسمع لقول الطرفين.
ولقد وقف بعض المتكلمين عند أمر الله تعالى النبي بالاستغفار في الآية [١٠٦] وقالوا بجواز وقوع الذنب منه. لأن الاستغفار إنما يكون عن ذنب. ورد عليهم مخالفوهم فقالوا إن النبي لم يقع منه ذنب وإن موقفه في الحادث إنما كان موقف القاضي الذي قد يخدع بالأيمان وتزويق الكلام وشهادة الزور وإن أمر الله إياه بالاستغفار هو لأنه أوشك أن يقع منه خطأ في القضاء فيحكم على البريء ويبرىء المتهم نتيجة لذلك. وأن هذا ليس ذنبا «١». وفي هذا ما هو ظاهر من صواب ووجاهة وحق. فقد عصم الله تعالى نبيه من الذنب والمعصية وكل ما يجوز أن يصدر منه اجتهاد في أمر لا يكون هو الأولى والأصح في علم الله فيعاتب عليه وينبه إلى ما هو الأولى. وقد مرّ من ذلك بعض الأمثلة في سور عبس والأحزاب والأنفال.
وأمر النبي ﷺ بالاستغفار لا يأتي هنا لأول مرة. فقد جاء في سور عديدة سبق تفسيرها وعلقنا على الموضوع بصورة عامة في سياق آية سورة غافر [٥٥] التي هي أولى الآيات التي ورد فيها وأوردنا من بعض الأحاديث المروية في ذلك فنكتفي بهذا التنبيه.
ونصّ الآية [١١٠] جدير بالتنويه لما فيه من دعوة المذنبين المسيئين إلى الاستغفار وتأميل لهم بغفران الله إذا استغفروا أي تابوا وطلبوا الغفران من الله.
وينطوي في هذا هدف سام من أهداف الإسلام وهو استغفار الإنسان وصلاحه.
وقد شرحنا هذا في سياق شرحنا مدى الاستغفار والتوبة. في سورتي المزّمل والبروج فنكتفي بهذا التنبيه أيضا.
ولقد توقف بعض المفسرين والأصوليين عند الفقرة الأولى من الآية الأولى لأنه ليس في القرآن شيء صريح محدد في الحادث الذي نزلت فيه الآيات. فهناك

(١) انظر تفسير الخازن.

صفحة رقم 233
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية