آيات من القرآن الكريم

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ

وروي أن امرأة جاءت إلى عمر، فقالت له: احكم لي على فلان بكذا، فإنك تعلم ما لي عنده، فقال لها: إن أردت أن أشهد لك فنعم، وأما الحكم فلا.
وأخرج أبو داود وغيره عن النبي ص أنه اشترى فرسا فجحده البائع، فلم يحكم بعلمه، وقال: «من يشهد لي؟» فقام خزيمة فشهد فحكم.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس: أن رسول الله ص قضى بيمين وشاهد.
إثبات البعث والثواب والعقاب وبيان فضل القرآن
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٢٧ الى ٢٩]
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩)
الإعراب:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ خبر مبتدأ محذوف، أي هذا كتاب.
البلاغة:
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا.. الآية: مقابلة بين المؤمنين والمفسدين، وبين المتقين والفجار، وهذا من المحسنات البديعية.
المفردات اللغوية:
باطِلًا عبثا ولعبا ذلِكَ أي خلق السماء والأرض باطلا ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مظنون كفار مكة فَوَيْلٌ هلاك وعذاب شديد، أو هو واد في جهنم أَمْ بمعنى همزة الإنكار، أي إنكار التسوية بين الفريقين أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا.. نزل لما قال كفار مكة للمؤمنين: إنا

صفحة رقم 192

نعطى في الآخرة مثلما تعطون. والآية تدل على صحة القول بالحشر والمعاد، والفجار: الأشقياء مُبارَكٌ كثير الخير والبركات والمنافع الدنيوية والأخروية لِيَدَّبَّرُوا ليتدبروا أي ليتفكروا وينظروا في معاني الآيات، فيؤمنوا وَلِيَتَذَكَّرَ يتعظ أُولُوا الْأَلْبابِ أصحاب العقول، جمع لب: وهو العقل.
المناسبة:
بعد تهديد الضالين عن سبيل الله بالعذاب الشديد يوم الحساب في القيامة، أخبر تعالى بأن هذا اليوم آت لا ريب فيه، لأنه خلق الخلق لهدف معين، ثم يحاسبهم في نهاية الأمر، ثم بيّن عدم المساواة في الحساب بين المؤمنين والكفار وبين المتقين والفجار، ثم أخبر عن فضل القرآن العظيم، وأنه كثير المنافع الدينية والدنيوية.
التفسير والبيان:
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا أي ما أوجدنا السماء والأرض وما بينهما من المخلوقات عبثا لا حكمة فيه، أو لهوا ولعبا، بل خلقناهما للدلالة على قدرتنا العظيمة، وليعمل فيهما بطاعتنا وعبادتنا وتوحيدنا، كما قال تعالى:
وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات ٥١/ ٥٦].
ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أي إن الذين كفروا يظنون أن هذه الأشياء خلقت عبثا لغير غرض، فلا قيامة ولا حساب، فيا هلاك هؤلاء الكافرين في النار يوم المعاد والنشور، جزاء ما قدموا من الشرك والمعصية، وكفران نعم الله، وإنكار البعث، وظنهم الباطل. ونظير القسم الأول من الآية قوله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون ٢٣/ ١١٥].

صفحة رقم 193

ونظير القسم الثاني قوله سبحانه: وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ [إبراهيم ١٤/ ٢] وقوله عز وجل: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [مريم ١٩/ ٣٧].
ثم أبان الله تعالى منهج الحساب أو عدم التسوية بين المؤمنين والكافرين، فقال: أَمْ «١» نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ أي بل أنجعل الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله، وعملوا بفرائضه، وأصلحوا أعمالهم، فأدّوا ما يجب للخالق والمخلوق، كالمفسدين في الأرض بالمعاصي، أم نجعل أتقياء المؤمنين كأشقياء الكافرين والمنافقين والمنهمكين في معاصي الله من المسلمين؟!! فليس ذلك إن فعلناه عدلا، ولا يتفق مع الحكمة، ومقتضى أي نظام.
أي ليس من عدل الله وحكمته التسوية بين المؤمنين والكافرين، فلا يستوي الفريقان عند الله، وإذا كان الأمر كذلك، فلا بدّ من دار أخرى يثاب فيها المطيع، ويعاقب فيها الفاجر، إذ لولا البعث والحساب والجزاء لكان الفريقان سواء.
ويؤيد هذا المبدأ العقول السليمة والفطر المستقيمة أنه لا بد من معاد وجزاء، فلا يعقل أن يكون جزاء المحسن كجزاء المسي، ولا تتقبل النفس الإنسانية أن يترك الظالم دون عقاب، وألا ينصف المظلوم أو المحزون أو المعدم من الظالم الباغي المترف، وألا يعوض عن كمده وحرمانه في الدنيا.
ونظير الآية قوله تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟! [القلم ٦٨/ ٣٤- ٣٦].

(١) هذه أَمْ المنقطعة التي هي بمعنى «بل» للإضراب الانتقالي، ويراد بالهمزة الاستفهامية:
الإنكار.

صفحة رقم 194

وإذا ثبت قرآنا ودينا وعقلا وفطرة أن هنالك فرقا واضحا بين المؤمن وغيره، وأن للمؤمن حياة سعيدة دائمة في الجنان، وأن للكافر عذابا أليما في النيران، فما الطريق إلى السعادة؟ الطريق قوله تعالى:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ أي إن طريق السعادة الأبدية هو اتباع القرآن الذي أنزله الله هدى ورحمة للمؤمنين، وهو كثير الخير والبركة، فيه الشفاء لمن تمسك به، والنجاة لمن تبعه، وقد أنزله تعالى للناس للتدبر والتفكر في معانيه، لا لمجرد التلاوة بدون تدبر، وليتعظ أهل العقول الراجحة به وببيانه. قال الحسن البصري: والله ما تدّبره بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله، ما يرى للقرآن عليه أثر في خلق ولا عمل.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- ليس خلق السموات والأرض عبثا وهزلا ولعبا، وإنما له غاية عظمي وهدف صحيح وهو الدلالة على قدرة الله. والذين يظنون أن الله خلقهما باطلا عبثا هم الكفار، فيا ويلهم من عذاب النار.
٢- تدل هذه الآية: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ.. على إثبات الحشر والنشر والمعاد (أو القيامة) لأنه إذا لم يكن خلقهما باطلا، كان القول بالحشر والنشر لازما، وكان كل من أنكر القول بالحشر والنشر شاكّا في حكمة الله في خلق السماء والأرض.
٣- إذا لم يكن حشر ونشر ومعاد فحينئذ يكون حال المطيع أدنى من حال العاصي، لذا وبّخ تعالى الشاكين في الحشر والنشر، وأنكر عدم التسوية بين المؤمن والكافر، وبين الصالح والمفسد.

صفحة رقم 195
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية