آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ
ﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥ ﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈ

ثم حكى عن المشركين مقالتهم قبل بعث النبي صلّى الله عليه وسلم فقال:
(وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ. لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ. لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) أي ولقد كانوا يتمنون قبل أن يأتيهم الرسول أن لو كان عندهم من يذكّرهم بأمر الله ونهيه ويأتيهم بكتاب من عنده، ليخلصوا له العبادة، ويكونوا أهدى سبيلا ممن سبقهم من أهل الكتب السالفة من اليهود والنصارى.
ثم بين أنهم كانوا كاذبين وأن حالهم بعد مجيئه كانت على غير ما قالوا فقال:
(فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) أي ثم بعد أن جاءهم الذكر والكتاب المهيمن على كل الكتب أعرضوا عنه وكفروا به، وأنهم سوف يعلمون عاقبة عنادهم وما سيحل يهم من نقمتنا وعذابنا.
ونحو الآية قوله: «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ، فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً».
ولا يخفى ما في هذا من الوعيد الأكيد، والتهديد الشديد، على كفرهم بربهم، وتكذيبهم برسوله صلّى الله عليه وسلم.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٧١ الى ١٨٢]
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥)
أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠)
وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢)

صفحة رقم 90

تفسير المفردات
كلمتنا: وعدنا، المنصورون: أي الغالبون في الحرب وغيرها، جندنا: أي أتباع رسلنا، والساحة: المكان الواسع.
المعنى الجملي
لما هدد سبحانه المشركين بقوله: فسوف يعلمون- أردفه ما يقوى قلب رسوله ﷺ بوعده بالنصر والتأييد، كما جاء في آية أخرى «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي».
الإيضاح
(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) أي ولقد سبق وعدنا أن العاقبة للرسل وأتباعهم في الدنيا والآخرة، فننصرهم على أعدائهم بقهرهم والنيل منهم، بقتلهم أو تشريدهم أو إجلائهم عن الأوطان أو أسرهم أو نحو ذلك.
ونحو الآية قوله: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ».
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) أي وأعرض عنهم، واصبر على أذاهم، وانتظر مدة قليلة، وسنجعل لك العاقبة والنّصرة والتأييد.
(وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) أي وانظر وارتقب ما يحل بهم من العذاب والنكال.
بمخالفتك وتكذيبك، وسوف يبصرون انتشار دينك وإقبال الناس عليه أفواجا، زرافات ووحدانا مصداقا لوعده بقوله: «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً»

صفحة رقم 91

ثم وبخهم على استعجالهم العذاب حين قالوا يا محمد أرنا العذاب الذي تخوفنا به وعجّله لنا فنزل.
(أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) قبل حلوله؟ وهم إنما فعلوا ذلك لتكذيبهم به، وكفرهم بك والله منزله عليهم لا محالة.
(فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) أي فإذا نزل العذاب بمحلّتهم فبئس اليوم يومهم لهلاكهم ودمارهم،
وفي الصحيحين عن أنس قال: «صبّح رسول الله خيبر فلما خرجوا بفئوسهم ومساحيهم ورأوا الجيش رجعوا وهم يقولون: محمد والله، محمد والخميس- الجيش-، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: الله أكبر، خربت خيبر، إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» رواه البخاري.
قال صاحب الكشاف: مثّل العذاب النازل بهم بعد ما أنذروه فأنكروه، بجيش أنذر بهجومه قوما بعض نصاحهم، فلم يلتفتوا إلى إنذاره ولا أخذوا أهبتهم ولا دبّروا أمرهم تدبيرا يبجيهم، حتى أناخ بفنائهم بغتة فشنّ عليهم الغارة وقطع دابرهم اهـ ثم أكد ما سبق من وقوع الميعاد غبّ توكيد مع ما فيه من تسلية لرسوله إثر تسلية فقال:
(وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ. وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) أي وأعرض أيها الرسول عن هؤلاء المشركين وخلّهم وفريتهم على ربهم إلى أن يأذن بهلاكهم، وانظر إليهم، فسوف يرون ما يحل بهم من عقابنا حين لا تنفعهم التوبة.
ثم ختم سبحانه السورة بخاتمة شريفة جامعة لتنزيهه سبحانه وتعالى عما لا يليق به مع وصف نفسه بصفات الكمال ومدحه للرسل الكرام فقال:
(سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي تنزيها لربك أيها الرسول رب القوة والغلبة عما يصفه به هؤلاء المفترون من مشركى قريش من نحو قولهم: ولد الله. وقولهم: الملائكة بنات الله. وأمنة

صفحة رقم 92

من الله للمرسلين الذين أرسلهم إلى أممهم- من العذاب الأكبر ومن أن ينالهم مكروه من قبله تعالى، والحمد لله رب الثقلين الجن والإنس خالصا له دون سواه، لأن كل نعمة لعباده فهى منه.
وهذا تعليم من الله للمؤمنين أن يقولوا ذلك ولا يغفلوا عنه.
روى البغوي عن على كرم الله وجهه أنه قال: «من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه: سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله ربّ العالمين».
وعن أبى سعيد الخدري قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ».
مجمل ماحوته السورة من موضوعات
(١) التوحيد ودليله في الآفاق والأنفس.
(٢) خلق السموات والأرض ووصفه سبحانه لذلك.
(٣) إنكار المشركين للبعث وما يتبع ذلك من محاورة أهل الجنة لأهل النار وهم يطلعون عليهم.
(٤) وصف الجنة ونعيمها.
(٥) قصص بعض الأنبياء كنوح وإبراهيم وإسماعيل.
(٦) دفع فرية قالها المشركون وتوبيخهم عليها إذ قالوا: الملائكة بنات الله.
(٧) تنزيه الله عن ذلك.
(٨) بيان أن المشركين لا يفتنون إلا ذوى الأحلام الضعيفة المستعدة للاضلال (٩) وصف الملائكة بأنهم صافون مسبحون.
(١٠) مدح المرسلين وسلام الله عليهم.
(١١) حمد الله وثناؤه على نفسه بأنه رب العزة ورب الخلق أجمعين.

صفحة رقم 93
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية