آيات من القرآن الكريم

أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝ

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠) وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١)
شرح الكلمات:
أفمن زين له سوء عمله: أي قبيح عمله من الشرك والمعاصي.
فرآه حسنا: أي رآه حسناً زيناً لا قبح فيه.
فلا تذهب نفسك عليهم: أي على أولئك الذين زين لهم الشيطان قبيح أعمالهم.
حسرات: أي لا تهلك نفسك بالتحسر عليهم لكفرهم.
إن الله عليم بما يصنعون: وسيجزيهم بصنيعهم الباطل.
فتثير سحاباً: أي تزعجه وتحركه بشدة فيجتمع ويسير.
فسقناه إلى بلد ميت: أي لا نبات فيه.
فأحيينا به الأرض: أي بالنبات والعشب والكلأ والزرع.
كذلك النشور: أي البعث والحياة الثانية.
فلله العزة جميعا: أي فليطلب العزة بطاعة الله فإنها لا تنال إلا بذلك.
إليه يصعد الكلم الطيب: أي إلى الله تعالى يصعد الكلم الطيب وهو سبحان الله والحمد لله والله أكبر.
والعمل الصالح يرفعه: أي أداء الفرائض وفعل النوافل يرفع إلى الله الكلم الطيب.
يمكرون السيئات: أي يعملونها ويكسبونها.
مكر أولئك هو يبور: أي عملهم هو الذي يفسد ويبطل.
خلقكم من تراب: أي أصلكم وهو آدم.
ثم من نطفة: أي من ماء الرجل وماء المرأة وذلك كل ذرّية آدم.

صفحة رقم 340

ثم جعلكم أزواجاً: أي ذكراً وأنثى.
وما تحمل من أنثى: أي ما تحمل من جنين ولا تضعه إلا بإذنه.
وما يعمر من معمر: أي وما يطول من عمر ذي عمر طويل إلا في كتاب.
ولا ينقص من عمره: أي بأن يجعل أقل وأقصر من العمر الطويل إلا في كتاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقوية روح الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والشد من عزمه أمام تقلبات المشركين وعنادهم ومكرهم فقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ (١) زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً (٢) ﴾ أي أفمن زين له الشيطان ونفسه وهواه قبيح عمله وهو الشرك والمعاصي فرآه حسنا كمن هداه الله فهو على نور من ربه يرى الحسنة حسنة والسيئة سيئة والجواب: لا، لا. وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ يضل بعدله وحسب سنته في الإضلال من يشاء من عباده، ويهدي بفضله من يشاء هدايته إذاً فلا تذهب (٣) نفسك أيها الرسول على عدم هدايتهم حسرات فتهلك نفسك تحسّراً على عدم هدايتهم. وقوله ﴿إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ فلذا لا داعي إلى الحزن والغمّ ما دام الله تعالى وهو ربهم قد أحصى أعمالهم وسيجزيهم بها وقوله تعالى ﴿وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً﴾ أي تزعجه وتحركه. ﴿فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ (٤) أي لا نبات ولا زرع به ﴿فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ أي كما أن الله تعالى ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها كذلك يحيى الموتى إذ بعد فناء العالم ينزل الله تعالى من تحت العرش ماء فينبت الإنسان من عظم يقال له عجُبُ الذَنَّب فيتم خلقه، ثم يرسل الله تعالى الأرواح فتدخل كل روح في جسدها فلا تخطئ روح جسدها. هكذا كما تتم عملية إحياء الأرض بالنبات تتم عملية إحياء الأموات ويساقون إلى المحشر ويجزى كل نفس بما كسبت والله سريع الحساب.

١ - الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء للتفريع فالجملة متفرعة عما سبقها من قوله تعالى ﴿إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾ والمزين الشيطان والمزين له سوء عمله (من) الموصولية وهي من ألفاظ العموم تتناول من قيل إن الآية نزلت فيه وهو أبو جهل ثم هي صادقة على كل من زين له الشيطان الشرك والشر والفساد فرآها حسنة، (ومن) مبتدأ والخبر محذوف قد يقدر فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وقد يقدر كمن هداه الله كما في التفسير وقد يقدر بغير ما ذكر.
٢ - ذكر القرطبي لأهل العلم أقوالا فيمن زين له سوء عمله وفي عمله الذي زين له قيل إنهم اليهود والنصارى والمجوس، وسوء عمله معاداة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل إنهم الخوارج وسوء عمله تحريف التأويل وقيل الشيطان وعمله الإغراء وقيل كفار قريش وهو الظاهر.
٣ - قرأ الجمهور فلا تذهب نفسك بفتح التاء ورفع السين من نفسك وقرئ بضم التاء ونصب نفسك على أنها مفعول به.
٤ - الراجح من الأقوال لغة أن ميت مشددة وميت مخفف لا فرق بينهما وشاهده قول الشاعر:
ليس من مات واستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء.

صفحة رقم 341

وقوله تعالى ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً﴾ فليطلبها من الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله فإن العزة لله جميعا فالعزيز من أعزه الله والذليل من أذله، إنهم كانوا يطلبون العزة بالأصنام فاعلموا أن من يريد العزة فليطلبها من مالكها أما الذي لا يملك العزة فكيف يعطيها لغيره إن فاقد الشيء لا يعطيه. وقوله ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ أي إلى الله يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه إلى الله تعالى فإذا كان قول بدون عمل فإنه لا يرفع إلى الله تعالى ولا يثيب عليه، وقد ندد الله تعالى بالذين يقولون ولا يعملون فقال ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾. وقوله ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ أي يعملونها وهي الشرك والمعاصي ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ هذا جزاؤهم، ﴿وَمَكْرُ (١) أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ أي ومكر الذين يعملون السيئات ﴿هو يبور﴾ أي يفسد ويبطل.
وقوله تعالى ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ أي خلق أصلنا من تراب وهو آدم، ثم خلقنا نحن ذريتة من نطفة وهي ماء الرجل وماء المرأة، ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً﴾ أي ذكراً وأنثى. هذه مظاهر القدرة الإلهية الموجبة لعبادته وتوحيده والمقتضية للبعث والجزاء، وقوله ﴿وَمَا تَحْمِلُ (٢) مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ أي يزاد في عمره، ولا ينقص من عمره فلا يزاد فيه إلا في كتاب وهو كتاب المقادير. هذا مظهر من مظاهر العلم، وبالعلم والقدرة هو قادر على إحياء الموتى وبعث الناس للحساب والجزاء. ولذا قال تعالى ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ أي المذكور من الخلق والتدبير ووجوده في كتاب المقادير على الله يسير أي سهل لا صعوبة فيه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- التحذير من اتباع الهوى والاستجابة للشيطان فإن ذلك يؤدي بالعبد إلى أن يصبح يرى الأعمال القبيحة حسنة ويومها يحرم هداية الله فلا يهتدي أبداً وهذا ينتج عن الإدمان على المعاصي والذنوب.
٢- عملية إحياء الأرض بعد موتها دليل واضح على بعث الناس أحياء بعد موتهم.

١ - المكر: تدبير إلحاق الضرر بالغير في خفية. والمراد هنا أن الذين يمكرون بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين مكرهم يذهب سدى ولا يفلحون فيه كما أن الآية تشير إلى أن كل من يمكر مكر السوء فإن عاقبة مكره تعود عليه وبالاً وخسراناً كقوله تعالى ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
٢ - فما يكون حمل ولا وضع أي ولادة إلا بعلمه، فلا يخرج شيء عن تدبيره وحكمته وما يعمر سماه معمراً باعتبار ما هو صائر إليه وفي الحديث الصحيح: "من أحب أن يسط له في رزقه وينسأ له في أثره أي أجله فليصل رحمه. "

صفحة رقم 342
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية