
٣- ما الرسول إلا مجرد رسول منذر، فليس عليه إلا التبليغ، ليس له من الهدى شيء، إنما الهدى بيد الله تبارك وتعالى.
٤- أرسل الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالهدى ودين الحق، بشيرا بالجنة أهل طاعته، ونذيرا بالنار أهل معصيته.
٥- لم تخل أمة من نبي أو رسول ينذرها ويبشرها.
٦- سلّى الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم عما يلقاه من تكذيب كفار قريش، بأن الأمم السابقة كذبوا أنبياءهم، بالرغم من تأييد صدقهم بالمعجزات الظاهرات والشرائع الواضحات، وبالكتب المكتوبة، وبالكتاب المنير، وكانت نتيجة التكذيب عقوبة الاستئصال.
العلوم العملية الطبيعية دليل آخر على وحدانية الله وقدرته وحال العلماء أمام مشاهد الكون
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠)

الإعراب:
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ هاء أَلْوانُهُ تعود على موصوف محذوف، تقديره: خلق مختلف ألوانه، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، هي في موضع رفع بالابتداء، والجار والمجرور قبله:
خبره. وأَلْوانُهُ فاعل مختلف لأنه اسم فاعل يعمل عمل الفعل.
يَرْجُونَ تِجارَةً خبر إن. ولَنْ تَبُورَ صفة للتجارة.
البلاغة:
أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، فَأَخْرَجْنا التفات من الغيبة إلى التكلم، بدلا من «أخرج» للدلالة على كمال قدرة الله وحكمته.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً استفهام تقريري، فيه معنى التعجب.
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ قصر صفة على موصوف، قصر الخشية على العلماء.
يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ استعارة، استعار التجارة للمعاملة مع الله لنيل ثوابه، وشبهها بالتجارة الدنيوية، وأيدها بقوله: لَنْ تَبُورَ وهو الذي يسمى ترشيحا.
عَزِيزٌ غَفُورٌ لَنْ تَبُورَ غَفُورٌ شَكُورٌ توافق الفواصل من عناصر جمال الكلام.
المفردات اللغوية:
أَلَمْ تَرَ تعلم فهذه رؤية القلب والعلم. مُخْتَلِفاً أَلْوانُها أجناسها أو أصنافها أو هيئاتها من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض وأسود ونحو ذلك. جُدَدٌ أي ذو جدد، أي طرائق وخطوط في الجبال وغيرها، جمع جدة: وهي الخطة أو الطريقة المختلفة الألوان في الجبل ونحوه. بِيضٌ وَحُمْرٌ أي وصفر ونحوها. مُخْتَلِفاً أَلْوانُها بالشدة والضعف. وَغَرابِيبُ سُودٌ معطوف على جدد، أي صخور شديدة السواد، وأصل اللفظ: وسود غرابيب، والعرب تقول كثيرا للشديد السواد المشابه لون الغراب: أسود غربيب، وقليلا: غربيب أسود.
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ كاختلاف الثمار والجبال. إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ بخلاف الجهال كأهل مكة إذ شرط الخشية معرفة المخشي والعلم بصفاته وأفعاله، فمن كان أعلم به كان أخشى منه، ولذلك
قال صلّى الله عليه وسلّم فيما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس: «إني لأخشاكم لله وأتقاكم له».
عَزِيزٌ غالب قاهر. غَفُورٌ لذنوب عباده التائبين المؤمنين. والجملة: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ تعليل لوجوب الخشية.
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ يستمرّون على تلاوة القرآن الكريم. وَأَقامُوا الصَّلاةَ أداموا إقامتها في أوقاتها، مع كمال أركانها وأذكارها. وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً فيه حث على الإنفاق

كيفما تهيأ، لكن السر أفضل من العلانية. يَرْجُونَ تِجارَةً أي تحصيل ثواب الطاعة. لَنْ تَبُورَ لن تكسد ولن تهلك بالخسران.
سبب نزول الآية (٢٩) :
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ..: أخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي نزلت فيه: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ الآية.
المناسبة:
هذا دليل آخر على وحدانية الله وقدرته من مشاهد الكون المختلفة الأجناس والألوان، ضمّنه أن العلماء في العلوم الكونية أقدر الناس على إدراك عظمة الكون. فيكونون هم أخشى الناس لله، ثم أردفه ببيان حال العلماء العاملين بكتاب الله، فهم الذين يرجون ثواب الله على طاعتهم.
التفسير والبيان:
ينبه الله تعالى على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة من الشيء الواحد، وهو الماء الذي ينزله من السماء، فيخرج به ثمرات مختلفا ألوانها، فقال:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها أي ألم تشاهد أيها الإنسان أن الله تعالى خلق الأشياء المختلفة من الشيء الواحد، فأنزل الماء من السماء، وأخرج به ثمارا مختلفة الأجناس والأنواع والطعوم والروائح والألوان من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض وأسود ونحو ذلك، كما قال تعالى في آية أخرى: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ، وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ، يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ، وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد ١٣/ ٤].

وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها، وَغَرابِيبُ سُودٌ أي وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان كما هو مشاهد من بيض وحمر، وفي بعضها طرائق وهي الجدد مختلفة الألوان أيضا.
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ أي وخلق أيضا خلقا آخر من الناس والدواب والأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم مختلفة الألوان في الجنس الواحد، بل وفي النوع الواحد، وفي الحيوان الواحد، كاختلاف الثمار والجبال. وقوله: مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ، أي خلق مختلف ألوانه، كما قال تعالى:
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ [الروم ٣٠/ ٢٢]. والدواب: كل ما دب على القوائم، والْأَنْعامِ من باب عطف الخاص على العام. وكلمة كَذلِكَ هنا تمام الكلام، أي كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية.
وإنما ذكر سبحانه اختلاف الألوان والأصباغ في هذه الأشياء لأن هذا الاختلاف من أعظم الأدلة على قدرة الله وبديع صنعه، فذكر أولا اختلاف الألوان في ثمار النبات، ثم ذكر اختلاف الألوان في الجمادات، ثم في الناس والحيوان.
أخرج الحافظ أبو بكر البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أيصبغ ربك؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: نعم صبغا لا ينفض، أحمر وأصفر وأبيض».
ثم ذكر مستأنفا من يعرف جمال ذلك ودقائقه وهم العلماء فقال:
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ أي إنما يخاف الله بالغيب العالمون به، وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الجميلة، ومنها عظيم قدرته على صنع ما يشاء وفعل ما يريد، فمن كان أعلم بالله، كان أخشاهم له،

ومن لم يخش الله فليس بعالم. والمراد به العالم بعلوم الطبيعة والحياة وأسرار الكون. وسبب خشية العلماء من الله أن الله قوي في انتقامه من الكافرين، غفور لذنوب المؤمنين به التائبين إليه، والمعاقب والمثيب حقه أن يخشى، وهذا يوجب الخوف والرجاء، فكونه عزيزا ذا انتقام يوجب الخوف التام، وكونه غفورا لما دون ذلك يوجب الرجاء البالغ، وهذا كله يدركه بدقة وشمول العلماء المتخصصون.
قال ابن عباس: العالم بالرحمن: من لم يشرك به شيئا، وأحلّ حلاله، وحرّم حرامه، وحفظ وصيته، وأيقن أنه ملاقيه، ومحاسب بعمله.
وقال الحسن البصري: العالم: من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغّب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه، ثم تلا الآية: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ.
وقال سعيد بن جبير: الخشية: هي التي تحول بينك وبين معصية الله عز وجل.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية. وقال مالك: إن العلم ليس بكثرة الرواية، وإنما العلم نور يجعله الله في القلب.
ثم أخبر الله تعالى عن العلماء بكتاب الله العاملين به، فقال:
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ، وَأَقامُوا الصَّلاةَ، وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ أي إن الذين يواظبون على تلاوة القرآن الكريم ويعملون بما فيه من فرائض، كإقام الصلاة المفروضة في أوقاتها، مع كمال أركانها وشرائطها والخشوع فيها، والإنفاق مما أعطاهم الله تعالى من فضله ليلا ونهارا، سرا وعلانية، هؤلاء يطلبون ثوابا من الله على طاعتهم، لا بد من حصوله، لذا قال:

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ أي ليوفيهم الله ثواب ما عملوه، ويضاعفه لهم بزيادات لم تخطر لهم، إنه غفور لذنوبهم، شكور لطاعتهم وللقليل من أعمالهم.
ونظير الآية قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [النساء ٤/ ١٧٣] وقوله: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ.. إلى قوله: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا، وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ..
[النور ٢٤/ ٣٧- ٣٨].
فقه الحياة أو الأحكام:
يفهم من الآيات ما يلي:
١- من أدلة قدرة الله العظمى ووحدانيته واختياره: إنزال الماء من السماء، وإنبات النباتات، وإخراج الثمار المختلفة الأنواع والطعوم والروائح والألوان.
٢- ومن الأدلة أيضا: إرساء الأرض بالجبال، وخلق طرق مختلفة الألوان فيما بينها تخالف لون الجبل، وإن كان الجميع حجرا أو ترابا.
٣- ومنها أيضا خلق الناس والدواب والأنعام مختلفة الألوان، ففيهم الأحمر والأبيض والأسود والأصفر وغير ذلك، وكل ذلك دليل على وجود صانع مختار، واحد لا شريك له.
٤- إن العلماء بطبيعة تركيب الكون ودقائقه، وبصفات الله وأفعاله، هم الذين يخافون قدرته، فمن علم أنه عز وجل قدير أيقن بمعاقبته على المعصية، ومن لم يخش الله فليس بعالم، كما قال الربيع بن أنس، والخشية بمعرفة قدر المخشي، والعالم يعرف الله فيخافه ويرجوه. وهذا دليل على أن العالم أعلى درجة من العابد لأن الله بين أن الكرامة بقدر التقوى، والتقوى بقدر العلم.