
فالمناسب ان يفسر العذاب بالعذاب فى الاخرة لانها هى دار الجزاء على التكليفات وان كان المراد بالاذن الارادة والتسخير كما هو الظاهر فالظاهر ان المراد به عذاب الدنيا قال البغوي وذلك ان الله عزّ وجلّ وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منه عن امر سليمان ضربه صربة أحرقته- لا يقال ان كان الله أراد من الجن العمل فكيف يتصور من الجن العدول عنه لانه يلزم منه تخلف المراد عن الارادة وهو محال لان من فى قوله تعالى وَمِنَ الْجِنِّ للتبعيض فالمعنى ان الله تعالى أراد ان يعمل لسليمان بعض الجن اى أكثرهم ولذلك وكل ملكا يعذب من عدل من امر سليمان وذلك فى الظاهر سبب لان يعمل لسليمان اكثر الجن- او يقال معنى قوله من يرغ من أراد الزيغ منهم يضربه الملك حتى لا يزيغ.
يَعْمَلُونَ لَهُ حال من فاعل يعمل او مستأنفة ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ قصورا حصينة ومساجد رفيقه ومساكن شريفة سميت بها لانها يدب عنها ويحارب عليها- قال البغوي فكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ودفعه قامة رجل فاوحى الله اليه انى لم اقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملّكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده فلمّا توفاه الله استخلف سليمان فاحب إتمام بيت المقدس فجمع الجن والشياطين وقسّم عليهم الأعمال فخصّ كل طائفة منهم بعمل يستصلحها له فارسل الجن والشياطين فى تحصيل الرخام الأبيض من معادنه- فامر ببناء المدينة بالرخام والصفاح وجعل اثنى عشر ربضا وانزل بكل ربض منها سبطا من الأسباط وكانوا اثنى عشر سبطا فلما فرغ من بناء المدينة ابتدا فى بناء المسجد وفرق الشياطين فرقا فرقا يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر وفرقا يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها وفرقا يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها فاتى بذلك التي لا يحصيها الا الله عزّ وجلّ- ثم احضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقب اللآلي واليواقيت- وبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده

بأساطين المينا الصافي وسقّفه بألواح الجواهر الثمينة وجصص سقوفه وحيطانه باللئالي واليواقيت وسائر الجواهر وبسط ارضها بألواح الفيروزج- فلم يكن يومئذ فى الأرض بيت ابهى وأنور من ذلك المسجد كان يضيء فى الظلة كانه القمر ليلة البدر- فلما فرغ منه جمع اليه أحبار بنى إسرائيل فاعلمهم انه بناه الله تعالى وان كل شيء فيه خالص لله واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله ﷺ قال لمّا فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سال ربه ثلاثا فاعطاه اثنين وانا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة سال حكما يصادف حكمة فاعطاه إياه وسال ملكا لا ينبغى لاحد من بعده فاعطاه إياه وسال ان لا يأتى هذا البيت أحد يصلى فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه وانا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك- رواه البغوي وعن انس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ صلوة الرجل فى بيته بصلوة وصلوته فى مسجد القباء بخمس وعشرين صلوة وصلاته فى المسجد الذي يجمع فيه بخمس مائة صلوة وصلاته فى المسجد الأقصى بألف صلوة وصلاته فى مسجدى بخمسين الف صلوة وصلوته فى المسجد الحرام بمائة الف صلوة- رواه ابن ماجة وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تشد والرحال الا الى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا- متفق عليه مسئلة هل يجوز تزيين المساجد بالذهب والفضة ونحوهما قال بعضهم يكره ذلك لان فيه اضاعة المال وقد قال رسول الله ﷺ ما اثر بشييد المساجد رواه ابو داود عن ابن عباس وقال ابن عباس لتذخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى وقال عليه السلام ان من اشراط الساعة ان تزين المساجد الحديث- وقال بعضهم هو قربة لما فيه من تعظيم المسجد وقصة سليمان عليه السلام فى تزيين مسجد بيت المقدس يؤيد هذا القول قال صاحب الهداية وهذا إذا فعل من مال نفسه واما المتولى فيفعل من مال الوقف ما يرجع الى احكام البناء دون ما يرجع الى النقش حتى لو فعل يضمن وقال ابن همام ولا شك ان الدفع الى الفقير اولى من تزيين المسجد وعند اكثر علمائنا لا بأس بأن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب وقوله لا بأس يشير الى انه لا يؤجر عليه
صفحة رقم 14
لكن لا يأثم به كذا فى الهداية قال ابن همام ومحل الكراهة التكلف فيه بدقائق النقوش ونحوه خصوصا فى المحراب او التزين مع ترك الصلاة او عدم إعطائه حقه من اللّفظ فيه والجلوس لحديث الدنيا ورفع الأصوات بدليل اخر الحديث وهو قوله وقلوبهم خاوية من الايمان- قلت حديث النبي ﷺ اولى بالاتباع من قصة سليمان لان شرائع من قبلنا لا يجوز اتباعه الا إذا لم يثبت فى شريعتنا ما يخالفه- وايضا كان فيما فعل سليمان حكمة وهى ان يشتغل
الشياطين عن إضلال الناس فى اعمال شاقة والله اعلم قال البغوي قالوا يعنى اهل الاخبار فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بخت نصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما كان فى سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر فحمله الى دار مملكته من ارض العراق. وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصونا كثيرة عجيبة من الصخرة وَتَماثِيلَ اى صورا من نحاس وصفر وشبه وزجاج ورخام قيل كانوا يصورون السباع والطيور وقيل كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين فى المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة وكانت مباحة فى شريعتهم قلت ولعل المراد به تماثيل غير ذى الروح لان تماثيل الإنسان كانت تعبد قبل ذلك حيث قال ابراهيم عليه السلام لابيه وقومه ما هذه التّماثيل الّتى أنتم لها عكفون وفى الصحيحين عن ابن عباس قال سمعت رسول الله ﷺ يقول كل مصور فى النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفسا فيعذبه فى جهنم- قال ابن عباس فان كنت لا بدّ فاعلا فاصنع الشجر وما لا روح فيه- متفق عليه وهذا الحديث عام فى كل مصور غير مختص بمصورى هذه الامة وهو خبر لا يحتمل النسخ والتبديل وعنه مرفوعا من صور صورة عذّب وكلف ان ينفخ فيها وليس بنافخ- رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ يخرج عنق من الناس يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان يسمعان ولسان ينطق يقول انى وكلت بثلاثة بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع الله الها اخر وبالمصورين- رواه الترمذي وعنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول